إلَّا طَيِّبًا) أَيْ حَلَالًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ فِي بَطْنِهِ حَرَامٌ، وَعَنْهُ أَيْضًا مَنْ أَكَلَ لُقْمَةً حَرَامًا لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مِنْهُ عَمَلَهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا (وَلَا) يَحِلُّ لَك (أَنْ تَلْبَسَ إلَّا طَيِّبًا) أَيْ حَلَالًا (وَلَا) يَحِلُّ لَك (أَنْ تَرْكَبَ) شَيْئًا مِنْ الدَّوَابِّ (إلَّا طَيِّبًا) أَيْ حَلَالًا فَرُكُوبُ الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ الْمُشْتَرَاةِ بِمَالٍ حَرَامٍ حَرَامٌ (وَلَا) يَحِلُّ لَك (أَنْ تَسْكُنَ إلَّا طَيِّبًا) فَلَا يَجُوزُ لَك سُكْنَى مَا اُشْتُرِيَ بِمَالٍ حَرَامٍ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى ضَابِطِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَتَسْتَعْمِلُ سَائِرَ مَا تَنْتَفِعُ بِهِ طَيِّبًا) أَيْ حَلَالًا (وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ) أَيْ الْحَلَالِ أُمُورٌ (مُشْتَبِهَاتٌ مَنْ تَرَكَهَا سَلِمَ وَمَنْ أَخَذَ مِنْهَا كَانَ كَالرَّاتِعِ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ) بِكَسْرِ الشِّينِ لَا غَيْرَ (أَنْ يَقَعَ فِيهِ) كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
(وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى (أَكْلَ) أَيْ أَخْذَ (الْمَالِ بِالْبَاطِلِ) وَهُوَ مَا لَا يُبَاحُ شَرْعًا (وَمِنْ) وُجُوهِ (الْبَاطِلِ الْغَصْبُ) وَهُوَ اسْتِيلَاءُ يَدٍ عَادِيَةٍ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ.
(وَ) مِنْهُ (التَّعَدِّي) فِي الْعَارِيَّةِ وَالْكِرَاءِ (وَ) مِنْهُ (الْخِيَانَةُ) وَهُوَ أَنْ يَخُونَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ فِي أَمَانَتِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي أَهْلِهِ أَوْ فِي مَالِهِ.
(وَ) مِنْهُ (الرِّبَا) وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْأَجَلِ.
(وَ) مِنْهُ (السُّحْتُ) أَيْ الْحَرَامُ قِيلَ هُوَ الرِّشْوَةُ أَوْ هُوَ مَا يَأْخُذُهُ
ــ
[حاشية العدوي]
أَصْلِ شَيْءٍ فَإِنَّ الْأُصُولَ قَدْ فَسَدَتْ وَاسْتَحْكَمَ فَسَادُهَا بَلْ أَخْذُ الشَّيْءِ عَلَى ظَاهِرِ الشَّرْعِ أَوْلَى لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ تَحْرِيمُهُ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَيَأْخُذُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِحُرْمَتِهِ، أَوْ شُبْهَتِهِ، وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنَّ مَنْ أَخَذَ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا وَلَا شُبْهَةً انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: لَمْ يَقْبَلْ] الْقَبُولُ أَخَصُّ مِنْ الْإِجْزَاءِ، فَإِنَّ الْقَبُولَ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ سَبَبًا لِحُصُولِ الْأَجْرِ وَالْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِجْزَاءُ كَوْنُهُ سَبَبًا لِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ عَنْ الذِّمَّةِ، فَصَلَاةُ هَذَا مَثَلًا مُجْزِئَةٌ لِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ لَكِنْ لَا أَجْرَ لَهُ عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: أَرْبَعِينَ صَبَاحًا] وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِي عُرُوقِهِ وَأَعْصَابِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَفَادَهُ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَةِ التِّرْمِذِيِّ [قَوْلُهُ: مُشْتَبِهَاتٌ] أَيْ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَهِيَ مَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حِلِّهَا وَحُرْمَتِهَا وَقِيلَ: مَا لَمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ. [قَوْلُهُ: الْحِمَى] الْمَحَلُّ الْمَحْمِيُّ لِغَيْرِهِ أَيْ الَّذِي يَحْمِيهِ صَاحِبُ الشَّوْكَةِ وَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ الرَّعْيِ فِيهِ، وَالْقَصْدُ مِنْ الْحَدِيثِ الدَّلَالَةُ عَلَى اجْتِنَابِ الْمُتَشَابِهِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى اسْتِعْمَالِ مُحَقَّقِ الْحِلِّ. [قَوْلُهُ: مَنْ تَرَكَهَا سَلِمَ] أَيْ تَحَقَّقَتْ سَلَامَتُهُ، أَيْ وَفَاعِلُ الْمُتَشَابِهِ لَمْ تَتَحَقَّقْ سَلَامَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لِمَا تَطَرَّقَ لِفِعْلِهِ مِنْ فِعْلِ الْحَلَالِ الْمَحْضِ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَتَطَرَّقَ لِفِعْلِ الْحَرَامِ الْمَحْضِ. [قَوْلُهُ: يُوشِكُ] أَيْ يَقْرُبُ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أَيْ يُسْرِعُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ سَطْوَةِ صَاحِبِ الْحِمَى، فَشَبَّهَ أَصْلَ الشُّبْهَةِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إلَى أَخْذِ الْحَرَامِ وَمَنْ تَرَكَ أَخْذَهَا أَمِنَ غَلَبَةَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ أَخَذَ. . . إلَخْ] أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْأَكْلِ بَلْ الْأَخْذُ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ الْأَخْذِ بِالْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيمَا يُكْتَسَبُ إنَّمَا يُرَادُ لِلْأَكْلِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: الْمَالِ] أَيْ الْمَمْلُوكِ لِلْغَيْرِ اخْتِيَارًا احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ السَّمَكِ وَثِمَارِ الْجِبَالِ وَعَنْ حَالِ الضَّرُورَةِ لِوُجُوبِ مُوَاسَاةِ الْمُضْطَرِّ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ وُجُوهِ الْبَاطِلِ] أَيْ أَنْوَاعِ الْبَاطِلِ. [قَوْلُهُ: اسْتِيلَاءُ يَدٍ عَادِيَةٍ] أَيْ قَاصِدَةٍ مِلْكَ الذَّاتِ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ مَعَهُ الْغَوْثُ. فَتَخْرُجُ الْحِرَابَةُ فَلَيْسَتْ غَصْبًا شَرْعًا، وَكَذَا قَصْدُ أَخْذِ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ فَإِنَّ قَصْدَ أَخْذِ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ تَعَدٍّ لَا غَصْبٌ شَرْعًا. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ التَّعَدِّي إلَخْ] أَيْ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَيْ وَمِنْ وُجُوهِهِ. [قَوْلُهُ: التَّعَدِّي فِي الْعَارِيَّةِ وَالْكِرَاءِ] كَأَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَسَافَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِيهِمَا، أَوْ يَزِيدَ فِي الْحَمْلِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْخِيَانَةُ] أَيْ الْبَاطِلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي. [قَوْلُهُ: أَنْ يَخُونَ الرَّجُلُ] أَيْ مَثَلًا إذْ مِثْلُهُ الْمَرْأَةُ. [قَوْلُهُ: فِي أَمَانَتِهِ] أَيْ فِيمَا ائْتُمِنَ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسٍ، أَوْ غَيْرِهَا، فَقَوْلُهُ: أَوْ فِي نَفْسِهِ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. [قَوْلُهُ: أَوْ فِي نَفْسِهِ] أَيْ كَأَنْ يَقْتُلَهُ، أَوْ يَفْعَلَ فِيهِ فَاحِشَةً. [قَوْلُهُ: أَوْ فِي أَهْلِهِ] كَأَنْ يَزْنِيَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْغَيْرُ كَافِرًا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ] أَيْ كَأَنْ يَبِيعَهُ رِبَوِيًّا بِمِثْلِيٍّ مُتَفَاضِلًا فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَمَنًا وَمُثَمَّنًا، وَكَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دِينَارَانِ ثَمَنُ سِلْعَةٍ إلَى أَجَلٍ فَيُؤَخِّرُ إلَى أَجَلٍ آخَرَ بِزِيَادَةِ دِينَارٍ مَثَلًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي هَذَا تَأْخِيرًا لِلْأَجَلِ أَيْضًا فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ إمَّا رِبَا فَضْلٍ، أَوْ نَسَاءٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute