الْقَلْبِ وَذَهَابِ الْغَيْرَةِ قَوْلَانِ (وَقَدْ أُرْخِصَ فِي الِانْتِفَاعِ بِشَعْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ عَلَى الْمَشْهُورِ.
(وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى (شُرْبَ الْخَمْرِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: ٩٠] (وَشَرَابُ الْعَرَبِ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ (يَوْمئِذٍ) أَيْ يَوْمَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ (فَضِيخُ التَّمْرِ) بِفَاءٍ وَضَادٍ وَخَاءٍ مُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، وَهُوَ تَمْرٌ يُهْرَسُ وَيُجْعَلُ فِي الْأَوَانِي وَيُجْعَلُ عَلَيْهِ مَاءٌ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَتَخَمَّرَ ثُمَّ يَشْرَبُونَهُ (وَبَيَّنَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ (وَالسَّلَامُ أَنَّ كُلَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ مِنْ) جَمِيعِ (الْأَشْرِبَةِ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَكُلُّ مَا خَامَرَ) أَيْ سَتَرَ (الْعَقْلَ فَأَسْكَرَهُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ فَهُوَ خَمْرٌ) لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» .
(وَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ
ــ
[حاشية العدوي]
الْحَاكِمِ. [قَوْلُهُ: وَذَهَابِ الْغَيْرَةِ] بِفَتْحِ الْغَيْنِ أَيْ بِحَيْثُ لَوْ وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ لَا يَغْضَبُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: غَارَ الزَّوْجُ عَلَى امْرَأَتِهِ غَضِبَ مِنْ فِعْلِهَا، وَالْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا تَغَارُ مِنْ بَابِ تَعِبَ غَيْرًا وَغَيْرَةً بِالْفَتْحِ وَغَارًا اهـ.
[قَوْلُهُ: بِشَعْرِهِ] أَيْ بَعْدَ جُزْءٍ لِطَهَارَتِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] أَيْ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ طَهَارَتِهِ حَيًّا، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَعْرُهُ طَاهِرًا لَا فِي الْحَيَاةِ وَلَا بَعْدَهَا كَمَا أَفَادَهُ تت.
قَوْلُهُ: شُرْبَ الْخَمْرِ. . . إلَخْ] أَيْ طَوْعًا بِلَا عُذْرٍ، وَوَقَعَ خِلَافٌ فِي التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ عَصِيرِ الْعِنَبِ الَّذِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ قِيلَ: وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّخَمُّرِ وَهِيَ التَّغْطِيَةُ؛ لِأَنَّهَا تُغَطِّي الْعَقْلَ وَهِيَ نَجِسَةُ الْعَيْنِ وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا وَلَا بِالنَّجَاسَةِ مُطْلَقًا لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ. [قَوْلُهُ: قَلِيلِهَا. . . إلَخْ] أَتَى بِذَلِكَ رَدًّا لِمَنْ يَقُولُ إنَّمَا يَحْرُمُ كَثِيرُهَا.
قَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ عُمْدَةِ الْأَحْكَامِ: وَسَمِعْت بَعْضَ شُيُوخِنَا يَقُولُ حَتَّى لَوْ أَخَذَ مِنْهُ بِرَأْسِ إبْرَةٍ عَلَى لِسَانِهِ لَحُدَّ اهـ.
[قَوْلُهُ: الصَّحَابَةُ] أَيْ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا قَبْلُ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمْ] أَيْ مِنْ الْكُفَّارِ، وَأَتَى بِتِلْكَ الْجُمْلَةِ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّمَا الْخَمْرُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ كَمَا أَفَادَهُ تت [قَوْلُهُ: التَّمْرِ] أَيْ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ يُهْرَسُ أَيْ أَنَّ فَضِيخَ التَّمْرِ تَمْرٌ يُهْرَسُ كَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْأَقْفَهْسِيُّ فَعَلَيْهِ يُقَدَّرُ فِي الْمُصَنَّفِ مُضَافٌ أَيْ شَرَابُ فَضِيخِ التَّمْرِ، أَيْ شَرَابُ التَّمْرِ الْفَضِيخِ أَيْ الْمَفْضُوخِ أَيْ الْمَهْرُوسِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنْ الْبُسْرِ وَهُوَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّهُ النَّارُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ.
قَالَ: حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الْخَمْرُ حِينَ حُرِّمَتْ وَمَا نَجِدُ خُمُورَ الْأَعْنَابِ إلَّا الْقَلِيلَ، وَعَامَّةُ خُمُورِهِمْ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ وَهُنَاكَ رِوَايَاتٌ أُخَرُ فَانْظُرْهَا فَإِذَا عُلِمَ مَا ذُكِرَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَضِيخُ التَّمْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ. [قَوْلُهُ: وَيُتْرَكُ حَتَّى يَتَخَمَّرَ] أَيْ يَصِيرُ خَمْرًا مُسْكِرًا. [قَوْلُهُ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ] أَيْ مَا سَتَرَ الْعَقْلَ كَثِيرُهُ فَقَوْلُهُ: مِنْ الْأَشْرِبَةِ قَيْدٌ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الَّذِي يَسْتُرُ الْعَقْلَ وَلَيْسَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَلَيْسَ قَلِيلُهُ بِحَرَامٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُوجَدُ مُسْكِرٌ أَيْ مُغَيِّبٌ لِلْعَقْلِ دُونَ الْحَوَاسِّ مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ فِي غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْحَشِيشَةُ لَيْسَتْ مُسْكِرَةً وَإِنَّمَا هِيَ مُفْسِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ خِلَافًا لِلْمَنُوفِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ وَيُرَادِفُ الْمُفْسِدَ الْمُخَدِّرُ وَبَقِيَ ثَالِثٌ، وَهِيَ الْمُرَقَّدُ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ أَيْ سَتَرَ الْعَقْلَ مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ كَثِيرُهُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْرِبَةِ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مُسْكِرٌ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ فِي غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ.
[قَوْلُهُ: فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ] أَيْ، وَلَوْ لَمْ يُسْكِرْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . [قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا خَامَرَ إلَخْ] لَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ قَصْرُ الْخَمْرِ عَلَى مَاءِ الْعِنَبِ قَالَ وَكُلُّ مَا خَامَرَ. . . إلَخْ، أَيْ سَتَرَ الْعَقْلَ وَقَوْلُهُ فَأَسْكَرَهُ أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ سَاتِرٍ لِلْعَقْلِ بَلْ أَرَادَ سَتْرًا تَسَبَّبَ عَنْهُ إسْكَارٌ، أَيْ نَشْوَةٌ وَفَرَحٌ وَقَوْلُهُ مِنْ شَرَابٍ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ بَلْ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ وَقَوْلُهُ فَهُوَ خَمْرٌ. . . إلَخْ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ مَا أَسْكَرَ، وَلَوْ مِنْ قَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَعَسَلٍ وَغَيْرِهَا فَهُوَ خَمْرٌ وَقِيلَ عَصِيرُ الْعِنَبِ اُنْظُرْ تت، [قَوْلُهُ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ] هَذَا مَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْ الْحَدِيثِ.