للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الصَّحِيحَيْنِ نَهْيَ تَحْرِيمٍ (عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَدَخَلَ مَدْخَلَهَا) فِي مَنْعِ الْأَكْلِ (لُحُومُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: ٨] وَلَا ذَكَاةَ) أَيْ لَا تَعْمَلُ (فِي شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ ذِي النَّابِ وَمَا بَعْدَهُ (إلَّا فِي الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ) مَا دَامَتْ مُتَوَحِّشَةً، أَمَّا إذَا اسْتَأْنَسَتْ وَصَارَتْ يُحْمَلُ عَلَيْهَا فَلَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِهِ مُنْقَطِعٌ.

(وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ (بِأَكْلِ سِبَاعِ الطَّيْرِ) كَالْبَازِي. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْهَا) أَنَّ السِّبَاعَ غَيْرُ ذِي الْمِخْلَبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ السِّبَاعُ هُمْ ذَوُو الْمِخْلَبِ وَقَدْ يُؤَوَّلُ كَلَامُهُ بِأَنْ يُقَالَ: تَقْدِيرُهُ وَهِيَ كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْهَا وَالْمِخْلَبُ الظُّفْرُ الَّذِي يَعْقِرُ بِهِ.

(وَمِنْ الْفَرَائِضِ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ) بِالْجَوَارِحِ أَوْ بِالِاعْتِقَادِ (وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ) وَالْبِرُّ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (فَلْيَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا لَيِّنًا) بِأَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِهِمَا وَأَنْ يَقُولَ لَهُمَا مَا يَنْفَعُهُمَا فِي أَمْرِ دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا. وَبِالْجَسَدِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلْيُعَاشِرْهُمَا) أَيْ يُصَاحِبُهُمَا (بِالْمَعْرُوفِ) فَلْيُطِعْهُمَا فِي كُلِّ مَا أَمَرَاهُ بِفِعْلِهِ مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ أَوْ وَاجِبٌ وَفِي كُلِّ مَا أَمَرَاهُ بِتَرْكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ

ــ

[حاشية العدوي]

فِيهِ قَوْلَانِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ وَالْفَأْرُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ إنْ أَكَلَ النَّجَاسَةَ وَإِلَّا فَمُبَاحٌ وَبِنْتُ عُرْسٍ يَحْرُمُ أَكْلُهَا حَتَّى قِيلَ إنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى.

[قَوْلُهُ: الْأَهْلِيَّةِ] احْتِرَازًا عَنْ الْوَحْشِيَّةِ وَسَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: وَدَخَلَ مَدْخَلَهَا] أَيْ وَدَخَلَ دُخُولَهَا فِي الْحُرْمَةِ، أَيْ وَدَخَلَ دُخُولَ أَكْلِهَا فِي الْحُرْمَةِ أَكْلُ لُحُومٍ، أَيْ شَارَكَ أَكْلُهَا فِي الْحُرْمَةِ أَكْلَ لُحُومٍ. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: لِتَرْكَبُوهَا] وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْعَامَ قَالَ: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: ٥] وَلَمَّا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا ذَلِكَ ع فَالْإِبِلُ مِنْ الْأَنْعَامِ يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَتُؤْكَلُ وَتُرْكَبُ وَالْبَقَرُ يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَتُؤْكَلُ وَاخْتُلِفَ فِي رُكُوبِهَا: [قَوْلُهُ: أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ ذِي الْبَابِ وَمَا بَعْدَهُ. . . إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِي الْمَكْرُوهِ مِنْ حَيْثُ طَهَارَتِهِ وَكَرَاهَةِ أَكْلِهِ لَا تَحْرِيمِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَعْمَلُ فِيهِ أَصْلًا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا اسْتَأْنَسَتْ. . . إلَخْ] فَلَوْ تَوَحَّشَ بَعْدَ التَّأَنُّسِ أُكِلَ نَظَرًا لِأَصْلِهِ. [قَوْلُهُ: وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِهِ مُنْقَطِعٌ] أَيْ؛ لِأَنَّ الْحُمُرَ الْوَحْشِيَّةَ لَمْ تَدْخُلْ فِيمَا تَقَدَّمَ:.

[قَوْلُهُ: كَالْبَازِي] أَيْ وَالْعُقَابِ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ. . . إلَخْ] أَيْ وَضَمِيرُ مِنْهَا لَيْسَ رَاجِعًا لِلسِّبَاعِ بَلْ رَاجِعٌ لِلطَّيْرِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مِنْ أَنَّ الطَّيْرَ جَمَاعَةٌ وَتَأْنِيثُهَا أَكْثَرُ مِنْ التَّذْكِيرِ، وَلَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ طَيْرٌ بَلْ طَائِرٌ اهـ.

[قَوْلُهُ: مِنْهَا] أَيْ الطَّيْرِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَتَرْجِيحُ الضَّمِيرِ لِلسِّبَاعِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَاسِدٌ فَتَدَبَّرْ.

تَنْبِيهٌ.:

يُسْتَثْنَى مِنْ الطَّيْرِ الْوَطْوَاطُ فَيُكْرَهُ أَكْلُهُ وَرَجِيعُهُ نَجِسٌ، وَيُبَاحُ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ الْوَحْشِيَّةِ الَّتِي لَا تَفْتَرِسُ كَالْأَرْنَبِ وَالْقُنْفُذِ وَالضَّرْبُوبُ كَالْقُنْفُذِ فِي الشَّوْكِ إلَّا أَنَّهُ يَقْرُبُ مِنْ الشَّاةِ فِي الْخِلْقَةِ وَحَيَّةٍ أُمِنَ سُمُّهَا وَسَائِرِ خَشَاشِ الْأَرْضِ.

[قَوْلُهُ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. . . إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْمَشْهُورُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْبِرِّ اهـ.

لَكِنْ ذَكَرَ الْمُحَاسِبِيُّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَفْضِيلِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ فِي الْبِرِّ. [قَوْلُهُ: بِالْجَوَارِحِ] أَيْ بِعَمَلِ الْجَوَارِحِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِالِاعْتِقَادِ أَيْ، أَوْ فَاسِقَيْنِ بِالِاعْتِقَادِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْمُرَادُ عَمَلٌ وَاعْتِقَادٌ نُهِيَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ] أَيْ فَيَقُودُ الْأَعْمَى مِنْهُمَا لِلْكَنِيسَةِ وَيَحْمِلُهُمَا لَهَا وَيُعْطِيهِمَا مَا يُنْفِقَانِهِ فِي أَعْيَادِهِمَا وَلَا يُعْطِيهِمَا مَا يُنْفِقَانِ فِي الْكَنِيسَةِ، أَوْ يَدْفَعَانِهِ لِلْقِسِّيسِ. [قَوْلُهُ: لَيِّنًا] أَيْ لَطِيفًا دَالًّا عَلَى الْمَحَبَّةِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ] الْأَوْلَى تَأْخِيرُ قَوْلِهِ بِأَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِهِمَا، وَيَقُولُ مُصَوِّرًا لِلْقَوْلِ اللَّيِّنِ هَكَذَا بِأَنْ يَقُولَ لَهُمَا مَا يَنْفَعُهُمَا فِي أَمْرِ دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا خَالِيًا. قَوْلُهُ: وَإِنْ شِئْت قُلْت: أَوْ صَوْتَهُ عَنْ رَفْعِهِ فَوْقَ قَوْلِهِمَا أَوْ صَوْتِهِمَا. [قَوْلُهُ: فِي أَمْرِ دِينِهِمَا] أَيْ أَمْرٍ هُوَ دِينُهُمَا أَيْ بِأَنْ يُعَلِّمَهُمَا مَا يَحْتَاجَانِ إلَيْهِ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّات وَمِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَمِنْ أَنْوَاعِ الْمُعَامَلَاتِ إنْ احْتَاجَا إلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَبِالْجَسَدِ. . . إلَخْ] أَيْ فَقَوْلُهُ: وَيُعَاشِرُهُمَا بِالْمَعْرُوفِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلْيَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا لَيِّنًا. [قَوْلُهُ: بِالْمَعْرُوفِ] أَيْ بِكُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>