وَاجِبًا فَلَا يُطِعْهُمَا فِيهِ (وَ) كَذَا (لَا يُطِعْهُمَا فِي مَعْصِيَةٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ) أَنْ يَطْلُبَ الْمَغْفِرَةَ (لِأَبَوَيْهِ الْمُؤْمِنَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: ٢٤] وَلَا يَسْتَغْفِرُ لَهُمَا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ إجْمَاعًا، وَفِي اسْتِغْفَارِهِ لَهُمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ قَوْلَانِ.
(وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُؤْمِنِ (مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ) وَهِيَ الْأُلْفَةُ وَالِاجْتِمَاعُ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الِافْتِرَاقِ، فَإِذَا صَنَعَ الْكَافِرُ وَلِيمَةً مَثَلًا وَدَعَا الْمُسْلِمَ فَلَا يُجِيبُهُ عِنْدَ ابْنِ نَافِعٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
مَا عُرِفَ مِنْ الشَّرْعِ الْإِذْنُ فِيهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. [قَوْلُهُ: مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ] أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ فِي فِعْلِهِ ضَرَرٌ فَتَسْقُطُ طَاعَتُهُمَا فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: أَوْ وَاجِبٌ مَفْهُومٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالْقَصْدُ تَأْكِيدُ الْوُجُوبِ، ثُمَّ نَقُولُ مُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يُطِيعُهُمَا فِي فِعْلِ الْمَكْرُوهِ وَلَا فِي فِعْلِ خِلَافِ الْأَوْلَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُطِيعُهُمَا فِي فِعْلِ الْمَكْرُوهِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى فَيُطِيعُهُمَا فِي تَرْكِ الْمَسْنُونَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ إلَّا أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ رَاتِبَةً، وَيَأْمُرَانِهِ بِتَرْكِهَا عَلَى الدَّوَامِ كَالْفَجْرِ وَالْوِتْرِ فَلَا تَجِبُ طَاعَتُهُمَا عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا] صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا، أَوْ مَسْنُونًا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ الْإِمَامُ لَوْ صَامَ تَطَوُّعًا وَعَزَمَا عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ شَفَقَةً عَلَيْهِ فَلْيُطِعْهُمَا وَلَا يُطِعْ غَيْرَهُمَا بَلْ إنْ حَلَفَ حَنَّثَهُ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُطِعْهُمَا فِيهِ] أَيْ بَلْ تَحْرُمُ إطَاعَتُهُمَا. [قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يُطِعْهُمَا فِي مَعْصِيَةٍ] وَكَذَا لَا يَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِيمَا كَانَ فِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ مِثْلُ أَنْ يَأْمُرَاهُ بِتَرْكِ مَعِيشَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ.
تَنْبِيهٌ:
مِنْ بِرِّهِمَا أَنَّهُ لَا يُحَاذِيهِمَا فِي الْمَشْيِ فَضْلًا عَنْ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ نَحْوِ ظَلَامٍ، وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمَا لَا يَجْلِسُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَا يَسْتَقْبِحُ مِنْهُمَا نَحْوَ الْبَوْلِ عِنْدَ كِبَرِهِمَا.
قَالَ تت: وَهَلْ الْجَدَّانِ كَالْأَبَوَيْنِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ، انْتَهَى وَارْتَضَى بَعْضُهُمْ الثَّانِيَ وَأَنَّهُمْ لَا يَبْلُغُونَ مَبْلَغَ الْآبَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ جَاهَدَاك. . . إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دَلِيلٌ لِلطَّرَفِ الْأَخِيرِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يُطِيعُهُمَا فِي مَعْصِيَةٍ، ثُمَّ أَقُولُ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا صَرِيحُهَا نَفْيُ الْإِطَاعَةِ فِي الْكُفْرِ لَا فِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا الَّتِي هِيَ أَدْنَى مِنْ الْكُفْرِ، نَعَمْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَمَا قَالَ. . . إلَخْ عَائِدًا عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَيَكُونُ إشَارَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا} [الإسراء: ٢٣] . . . إلَخْ} . [قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ. . . إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً كَمَا فِي الِاسْتِغْفَارِ لِلسَّلَفِ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَطْلُبَ الْمَغْفِرَةَ] أَيْ فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلطَّلَبِ.
قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: ظَاهِرُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَغْفِرُ لَهُمَا فِي حَيَاتِهِمَا وَبَعْدَ مَمَاتِهِمَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: ٢٤] انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا} [الإسراء: ٢٤] . . . إلَخْ} ] أَيْ أَنْعِمْ عَلَيْهِمَا وَغُفْرَانُ الذَّنْبِ مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ دُخُولَ الْجَنَّةِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَغْفِرُ لَهُمَا] أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَفِي اسْتِغْفَارِهِ لَهُمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ قَوْلَانِ] أَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ الِاسْتِغْفَارِ فَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالِاسْتِغْفَارِ فَيُعَلَّلُ بِاحْتِمَالِ الْإِسْلَامِ. تَتِمَّةٌ:
يُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَيَنْتَفِعَانِ بِهَا كَمَا يَنْتَفِعَانِ بِالدُّعَاءِ، وَرَجَّحَ أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْقِرَاءَةِ وَقَعَتْ عَلَى قَبْرِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ فَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا وَتَلْزَمُ. وَقَيَّدَ بَعْضٌ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ أَوَّلَ ذَلِكَ دُعَاءً وَإِلَّا انْتَفَعَ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِلَا خِلَافٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا أَقْرَؤُهُ إلَى فُلَانٍ، أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: وَالِاجْتِمَاعُ] لَمْ يُرِدْ بِهِ الِاجْتِمَاعَ بِالْأَبْدَانِ فَقَطْ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْأُلْفَةُ أَيْ إظْهَارُ الْمَحَبَّةِ لَهُمْ وَعَدَمُ مَا يُوجِبُ الْمُنَافَرَةَ مِنْ حَسَدٍ وَغَيْرِهِ، فَالْمُرَادُ بِالِافْتِرَاقِ ضِدُّ مَا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا صَنَعَ الْكَافِرُ. . . إلَخْ] هَذَا مَفْهُومُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَرَادَ بِهِ