للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُوَالَاةِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجِيبُهُ (وَ) يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ (النَّصِيحَةُ لَهُمْ) أَيْ لِلْمُؤْمِنِينَ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ بِأَنْ يُرْشِدَهُمْ إلَى مَصَالِحِهِمْ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ» .

(وَلَا يَبْلُغُ أَحَدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ) أَيْ كَمَالَهُ (حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) كَذَلِكَ رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُؤْمِنِ (أَنْ يَصِلَ

ــ

[حاشية العدوي]

الذِّمِّيَّ.

[قَوْلُهُ: فَلَا يُجِيبُهُ] أَيْ الْكَافِرَ الذِّمِّيَّ وَلَا يُصَاحِبُهُ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَيَقْصِدُهُ بِالسُّوءِ وَيُقَاتِلُهُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَرَجَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ ابْنِ نَافِعٍ فَقَالَ: الْأَصْوَبُ، أَوْ الْوَاجِبُ عَدَمُ إجَابَتِهِ؛ لِأَنَّ فِي إجَابَتِهِ إعْزَازًا لَهُ، وَالْمَطْلُوبُ إذْلَالُهُ اهـ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ الدَّاعِي لَهُ مُسْلِمًا.

[قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجِيبُهُ] يَحْتَمِلُ جَوَازًا فَيُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لَا بَأْسَ بِإِجَابَةِ النَّصْرَانِيِّ فِي خِتَانِ ابْنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا حَرَجَ وَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ وَجْهٌ مِنْ نَحْوِ جِوَارٍ، أَوْ قَرَابَةٍ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَفْعَلَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ النَّصِيحَةُ. . . إلَخْ] وَهَلْ ذَلِكَ فَرْضُ عَيْنٍ طُلِبَتْ مِنْك، أَوْ لَا، أَوْ كِفَايَةٍ قَوْلَانِ، الْأَوَّلُ لِلْغَزَالِيِّ وَالثَّانِي لِابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِرِفْقٍ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْقَبُولِ. [قَوْلُهُ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ] أَيْ مُعْظَمُ الدِّينِ النَّصِيحَةُ كَمَا قَالَ الْحَجُّ عَرَفَةَ كَذَا قَالَ تت، وَإِذَا حَقَّقْت النَّظَرَ تَجِدُ الدِّينَ مَحْصُورًا فِيمَا ذُكِرَ فَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ الْمُعْظَمِ، فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: قَالَ لِلَّهِ. . . إلَخْ] النَّصِيحَةُ لِلَّهِ أَنْ تَصِفَهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ سَائِرِ الصِّفَاتِ الْوَاجِبَةِ لَهُ، وَتُنَزِّهَهُ عَنْ سَائِرِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَلِكِتَابِهِ] أَيْ بِأَنْ يَتَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَيَمْتَثِلَ أَوَامِرَهُ وَيَجْتَنِبَ نَوَاهِيَهُ وَيَتْلُوَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ مَعَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ. [قَوْلُهُ: وَلِرَسُولِهِ] أَيْ بِأَنْ يُؤْمِنَ بِهِ وَبِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ، وَيَمْتَثِلَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَيُحْيِيَ سُنَّتَهُ بِتَعْلِيمِهَا لِلنَّاسِ. [قَوْلُهُ: وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. . . إلَخْ] بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِمْ وَقَوَانِينِهِمْ الْمُوَافِقَةِ لِلشَّرْعِ مِنْ الْمَوَازِينِ وَالْمَكَايِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنْ يُبَلِّغَهُمْ أُمُورَ الْعَامَّةِ مِمَّا يَطْرَأُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَوْرِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يُرْشِدَهُمْ] أَيْ يُرْشِدَ الْعَامَّةَ أَيْ وَيُعَامِلَهُمْ بِالصِّدْقِ فَلَا يَغُشَّهُمْ وَلَا يَكْذِبَ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصِيحَةُ لَهُمْ وَاجِبَةٌ طَلَبُوا ذَلِكَ أَمْ لَا بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَتَبَادَرُ مِنْ الشَّارِحِ أَنَّ قَوْلَهُ بِأَنْ يُرْشِدَهُمْ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: أَيْ كَمَالَهُ] أَتَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ لَاقْتَضَى أَنَّ التَّارِكَ لِذَلِكَ يَكُونُ كَافِرًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ الْقَصْدُ الْكَمَالَ فَلِمَ عَبَّرَ بِذَلِكَ دُونَ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمُوهِمِ؟ قُلْت: الْحَثُّ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ إذَا انْتَفَى عَنْهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا. [قَوْلُهُ: حَتَّى يُحِبَّ. . . إلَخْ] ذِكْرُ الْمَحَبَّةِ مُبَالَغَةٌ؛ لِأَنَّهَا الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ وَمُسْتَلْزِمَةٌ لِبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْإِيمَانَ أَيْ كَمَالَهُ لَهُ أَرْكَانٌ أُخَرُ فَكَيْفَ يَحْصُلُ بِالْمَحَبَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَحَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ الْمَيْلُ إلَى مَا يُوَافِقُ الْمُحِبَّ وَأَرَادَ الِاخْتِيَارِيَّ إذْ الطَّبِيعِيُّ لَا اخْتِيَارَ فِيهِ. [قَوْله: لِأَخِيهِ] احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَنَفْسِهِ أَفَادَهُ تت، أَيْ وَلَمْ يَحْتَرِزْ بِهِ عَنْ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ يُحِبُّ لِلْكَافِرِ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ وَسَائِرَ الْكِمَالَاتِ الدِّينِيَّةِ، وَأَرَادَ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ أَيْ مِنْ الْخَيْرِ أَيْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ فِي أَوْصَافِ الْخَيْرِ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ شَيْئًا وَهَذَا سَهْلٌ عَلَى مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ يَعْتَقِدُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَحْسَنَ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرًا] أَيْ مِنْ حَيْثُ ظُهُورُ آثَارِهَا وَإِلَّا فَالْمَحَبَّةُ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا غَيْرُ. [قَوْلُهُ: وَبَاطِنًا] فَلَا يَحْقِدُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْسُدُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، أَيْ وَيُبْغِضُ لَهُ مَا يُبْغِضُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ ضِدِّهِ، أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُبَّ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ بُغْضَ ضِدِّهِ. [قَوْلُهُ: مَا يُحِبُّ] أَيْ مِثْلَ مَا يُحِبُّ؛ لِأَنَّ الْعَيْنِيَّةَ لَا تَصِحُّ. [قَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحَيْنِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي الْإِتْيَانِ بِصِيغَةِ رُوِيَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صِيَغِ

<<  <  ج: ص:  >  >>