مُسْتَحَبٌّ (أَنْ تَلْعَقَ يَدَك) وَفِي رِوَايَةٍ أَصَابِعَك وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْأُولَى (قَبْلَ مَسْحِهَا) لِمَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا» .
(وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ أَنْ تَجْعَلَ بَطْنَك ثُلُثًا لِلطَّعَامِ وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ وَثُلُثًا لِلنَّفَسِ) كَذَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَ) مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ (إذَا أَكَلْت مَعَ غَيْرِك) مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك وَلَا بَنِيك طَعَامًا (أَكَلْت مِمَّا يَلِيك) لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ (وَ) مِنْ آدَابِهِ أَيْضًا أَنَّك (لَا تَأْخُذُ لُقْمَةً حَتَّى تُفْرِغَ
ــ
[حاشية العدوي]
الْأَقْفَهْسِيُّ أَنَّ مِنْ الْآدَابِ أَنْ يُعَقِّبَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ عج: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ قَوْلَهُمْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْأَكْلِ مُرَادُهُمْ بِهِ فِي أَثْنَائِهِ وَابْتِدَائِهِ.
[قَوْلُهُ: وَحَسَنٌ] خَبَرٌ مُقَدَّمٌ. وَقَوْلُهُ: أَنْ تَلْعَقَ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ أَيْ اللَّعْقُ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي. [قَوْلُهُ: وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْأُولَى] الْيَدُ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْكَفِّ تُطْلَقُ عَلَى الْأَصَابِعِ، وَالْمُرَادُ هُنَا ثَلَاثُ أَصَابِعَ كَمَا يَأْتِي فِي الْحَدِيثِ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: «كَانَ يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ» ] بَيَّنَهَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، فَقَالَ: الْإِبْهَامُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَالْوُسْطَى وَيَلْعَقُ يَدَهُ الْوُسْطَى ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا ثُمَّ الْإِبْهَامَ.
قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ وَسُنَنِهِ، وَالْأَكْلُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا إنَّمَا هُوَ شَرَهٌ وَسُوءُ أَدَبٍ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لِخِفَّةِ الطَّعَامِ وَعَدَمِ تَلْفِيفِهِ بِالثَّلَاثِ فَيَدْعَمَهُ بِالرَّابِعَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْعَمُهُ بِالرَّابِعَةِ» ، بَلْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بِخَمْسٍ، وَجُمِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ بِاخْتِلَافِ الْحَالِ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ تَلْعَقَ يَدَك أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِجَمِيعِ أَصَابِعِهِ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ التِّلْمِسَانِيِّ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صِفَةِ اللَّعْقِ حَدٌّ ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً كَمَا قَالَهُ ق يَبْدَأُ فِي لَعْقِ أَصَابِعِهِ مِنْ الْخِنْصَرِ ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ السَّبَّابَةِ ثُمَّ الْوُسْطَى.
[قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا] أَيْ بِمِنْدِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَغْسِلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي طَعَامِهِ غَمَرٌ نَحْوُ اللَّبَنِ وَالزَّيْتِ وَاللَّحْمِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ اللَّعْقَ أَوَّلًا ثُمَّ الْمَسْحَ ثُمَّ الْغَسْلَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.
قَالَ زَرُّوقٌ: وَحَكَى لِي بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الزَّنَاتِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ السُّنَّةُ.
[قَوْلُهُ: وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ أَنْ تَجْعَلَ. . . إلَخْ] وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَكْثَرَ مِنْ الطَّعَامِ لَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ لِلنَّفَسِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ، وَكَذَلِكَ إذَا أَكْثَرَ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُمَا مَعًا لَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ لِلنَّفَسِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِهِ. ق: وَقَالُوا: الشِّبَعُ مِنْ الْحَلَالِ يُقَسِّي الْقَلْبَ، وَيُقِلُّ الْحِفْظَ، وَيُفْسِدُ الْعَقْلَ، وَيُكَسِّلُ الْأَعْضَاءَ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَيَكْسِرُ الشَّهْوَةَ وَيُقَوِّي جُنُودَ الشَّيْطَانِ وَيُفْسِدُ الْجِسْمَ. فَمَا بَالُك بِالْحَرَامِ وَصِفَةُ تَوَصُّلِهِ إلَى الثُّلُثِ أَنْ يَعْلَمَ مِقْدَارًا يُشْبِعُهُ فَيَقْتَصِرَ عَلَى ثُلُثِهِ، فَإِنْ كَانَ يُشْبِعُهُ ثَلَاثَةُ أَقْرَاصٍ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدٍ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِاللُّقَمِ، فَإِذَا كَانَ يُشْبِعُهُ ثَلَاثُونَ اقْتَصَرَ عَلَى عَشَرَةٍ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَخْدِمُ وَلَا يَدْرُسُ فِي الْعِلْمِ، وَأَمَّا الْخَدِيمُ فِي طَلَبِ مَعَاشِهِ فَيُبَاحُ لَهُ الشِّبَعُ وَكَذَلِكَ دَارِسُ الْعِلْمِ أَيْ الشِّبَعُ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَقِيمُ بِهِ حَالُهُ.
قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: الشِّبَعُ إلَى حَدِّ التُّخَمَةِ وَإِفْسَادِ الْمَعِدَةِ بِإِفْسَادِ الطَّعَامِ حَرَامٌ، وَبِمَا دُونَ ذَلِكَ مِمَّا يَذْهَبُ إلَى الثِّقَلِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ وَعَلَيْهِمَا اُخْتُلِفَ فِي الْجُشَأَةِ هَلْ يَقُولُ عِنْدَهَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَحْسَنُ فَيَحْمَدُ اللَّهَ اعْتِبَارًا بِالنِّعْمَةِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِسُوءِ أَدَبِهِ فِي أَكْلِهِ وَمَا لَا يَحُسُّ مَعَهُ بِثِقَلٍ مِمَّا لَا يُخِلُّ بِقُوَاهُ هُوَ الْمَطْلُوبُ، فَإِنْ قُلْت: مَا عَيْنُ الْحُكْمِ فِي الثُّلُثِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ؟ قُلْت: يُسْتَفَادُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ الْإِبَاحَةُ، فَعَدُّهُ مِنْ الْفِطْرَةِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الزِّيَادَةِ فَالزِّيَادَةُ مَكْرُوهَةٌ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ تت أَنَّ فِي الشِّبَعِ قَوْلَيْنِ بِالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالتَّعْلِيلُ الْمُتَقَدِّمُ يُقَوِّي الثَّانِيَ بَلْ يُفِيدُ قُوَّةَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الشِّبَعِ، وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ لَنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِعْلُ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَفِعْلُ الْعِبَادَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ مُسْتَحَبٌّ وَاَلَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ أَوْ اخْتِلَالٌ فِي الْبَدَنِ حَرَامٌ، وَاَلَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ مَكْرُوهٌ وَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُبَاحٌ.
[قَوْلُهُ: إذَا أَكَلْت مَعَ غَيْرِك] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: شَرِيكًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ انْتَهَى لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ نُسِبَ إلَى الشَّرَهِ وَدَنَاءَةِ الْأَخْلَاقِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْلِ وَحْدَهُ وَإِطْلَاقُ الشَّافِعِيَّةِ يُفِيدُ نَدْبَ الْأَكْلِ مِمَّا يَلِي الْآكِلَ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك وَلَا بَنِيكَ. . . إلَخْ] قَالَ ق: وَأَمَّا مَعَ أَهْلِهِ وَبَنِيهِ فَلْيَأْكُلْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَأَدَّبَ.