الْأُخْرَى) لِئَلَّا تُنْسَبَ إلَى الشَّرَهِ.
(وَ) مِنْ آدَابِ الشُّرْبِ أَنَّك (لَا تَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ عِنْدَ شُرْبِك) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَلْتُبِنْ الْقَدَحَ عَنْ فِيك ثُمَّ تُعَاوِدُهُ إنْ شِئْت) لِجَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِمَا فِي النَّسَائِيّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَفَّسْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
ــ
[حاشية العدوي]
مَعَهُمْ، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَتَأَدَّبُوا مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَأَرَادَ بِالْأَهْلِ زَوْجَتَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ رَقِيقَهُ وَخَدَمَهُ أَوْلَى بِذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: طَعَامًا] أَيْ وَاحِدًا كَالثَّرِيدِ وَاللَّحْمِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَصْنَافًا مُخْتَلِفَةً كَأَنْوَاعِ الْفَاكِهَةِ فِي طَبَقٍ مِمَّا تَخْتَلِفُ أَغْرَاضُ الْآكِلِينَ فِيهِ أَوْ كَانَ الطَّعَامُ مُشْتَمِلًا عَلَى مَرَقٍ وَغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ غَيْرِهِ.
وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَقَوْلُنَا طَعَامًا احْتِرَازًا مِنْ التَّمْرِ فَإِنَّهُ سَيَنُصُّ عَلَى حُكْمِهِ انْتَهَى. أَيْ التَّمْرِ وَشَبَهِهِ أَيْ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ غَيْرِهِ، فَظَاهِرُهُ وَلَوْ نَوْعًا وَاحِدًا وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا بَأْسَ فِي التَّمْرِ. . . إلَخْ. إنَّ ذَلِكَ فِي الْأَصْنَافِ. أَقُولُ: وَيُقَوِّي مَا قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ عِكْرَاشًا أَكَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَرِيدًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ ثُمَّ أُتِيَ بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ الرُّطَبِ فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّبَقِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ» . [قَوْلُهُ: أَكَلْت مِمَّا يَلِيك] أَيْ نَدْبًا فَقَوْلُهُ: لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيْ بِقَوْلِهِ: «كُلْ مِمَّا يَلِيك» أَيْ أَمْرَ نَدْبٍ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ شَارِحُ الْحَدِيثِ، وَذَلِكَ «لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَكَلْت يَوْمًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ نَوَاحِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُلْ مِمَّا يَلِيك» قَالَ شَارِحُهُ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ نَصَّ أَئِمَّتُنَا عَلَى كَرَاهَةِ الْأَكْلِ مِمَّا يَلِي غَيْرَهُ انْتَهَى. وَمَذْهَبُنَا لَا يُخَالِفُهُ.
[قَوْلُهُ: أَنَّك لَا تَأْخُذُ لُقْمَةً] أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ فَأَخْذُ اللُّقْمَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْأُخْرَى بِالْبَلْعِ مَنْدُوبٌ.
[قَوْلُهُ: لِئَلَّا تُنْسَبَ إلَى الشَّرَهِ] أَيْ الْحِرْصِ عَلَى الْأَكْلِ، وَلِئَلَّا تَشْرَقَ فَيَحْصُلَ لَك الْخَجَلُ. وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا عِنْدَ أَكْلِهِ مَعَ غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي الْإِطْلَاقُ لِئَلَّا يَتَّخِذَهُ عَادَةً فَيَفْعَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَمِنْ الْآدَابِ أَنْ يَأْكُلَ كَمَا يَأْكُلُونَ مِنْ تَصْغِيرِ اللُّقْمَةِ وَالتَّرَسُّلِ فِي الْأَكْلِ وَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ عَادَتَهُ، وَأَنْ لَا يَفْعَلَ عِنْدَ الْأَكْلِ مَا يُسْتَقْذَرُ مِنْ نَحْوِ الْبُصَاقِ أَوْ رَدِّ بَعْضِ اللُّقْمَةِ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ وَضْعِهَا فِي الْفَمِ، أَوْ أَنَّهُ بَعْدَ وَضْعِ اللُّقْمَةِ فِي الْفَمِ يُلْقِي مَا بَقِيَ فِي آثَارِ أَصَابِعِهِ مِنْ الطَّعَامِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ قَبِيحٌ، وَمِنْ آدَابِهِ الْإِكْثَارُ مِنْ حِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ مِمَّا يُرِيحُ الْآكِلَ وَيُقَوِّي نَهْمَتَهُ وَيُنْبِئُ عَنْ سَمَاحَتِك، وَأَنْ لَا تَنْظُرَ إلَى غَيْرِك حَالَ أَكْلِهِ، وَأَنْ لَا تَقُومَ قَبْلَ قِيَامِهِ. وَالظَّاهِرُ إلَّا لِمُوجِبٍ يَقْتَضِي الْقِيَامَ يُعْرَفُ عِنْدَ وُقُوعِهِ، أَوْ يَكُونُ الْغَيْرُ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِي مِنْ قِيَامِك، وَأَنْ لَا تَقُولَ لِمَنْ يَأْكُلُ مَعَك فِي حَالِ أَكْلِهِ: كُلْ، فَإِنَّك تُخْجِلُهُ بِخِلَافِ لَوْ تَرَكَ الْأَكْلَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يُكْرَهُ الْيَمِينُ عَلَى الطَّعَامِ وَإِنَّمَا جَاءَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «كُلْ كُلْ كُلْ» ثَلَاثًا، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ فَإِذَا حَلَفَ فَقِيلَ يَبَرُّ بِثَلَاثِ لُقَمٍ، وَقِيلَ يَبَرُّ بِثَلَاثٍ إذَا كَانَ أَثْنَاءَ الْأَكْلِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ فِي ابْتِدَائِهِ فَلَا يَبَرُّ بِهَا بَلْ لَا يَبَرُّ إلَّا بِالشِّبَعِ وَيُعْلَمُ بِإِقْرَارِهِ.
[قَوْلُهُ: وَمِنْ آدَابِ الشُّرْبِ أَنَّك لَا تَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ عِنْدَ شُرْبِك لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -] أَيْ نَهْيَ كَرَاهَةٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَلَى مَا قَالَ تت أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ» ، أَيْ وَأَمَرَ مُرِيدَ التَّنَفُّسِ بِإِبَانَةِ الْقَدَحِ عَنْ فِيهِ وَقْتَ تَنَفُّسِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ فَقِيلَ: مَخَافَةَ أَنْ تَبْقَى فَضْلَةٌ فَيَتَقَذَّرَهَا غَيْرُك. وَقِيلَ: مَخَافَةَ الْأَذِيَّةِ لِأَنَّ رِيقَ الْإِنْسَانِ سُمٌّ عَلَى غَيْرِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ لَا الْكَرَاهَةِ. قُلْت: ذَلِكَ تَعْلِيلٌ بِالْمَظِنَّةِ إذْ لَوْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ لَمَا شُكَّ فِي الْحُرْمَةِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَلْتُبِنْ] بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ نَدْبًا إنْ شِئْت أَيْ التَّنَفُّسَ أَثْنَاءَ الشُّرْبِ أَيْ إنْ شِئْت التَّنَفُّسَ أَثْنَاءَ الشُّرْبِ فَيُنْدَبُ أَنْ تُبِينَ الْقَدَحَ وَلَا تَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ، فَأُخِذَ الْجَوَازُ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ شِئْت أَيْ تُبْعِدُ الْقَدَحَ عِنْدَ إرَادَةِ التَّنَفُّسِ حَتَّى تَتَنَفَّسَ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُكْرَهُ لِمَا فِي النَّسَائِيّ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَكْرُوهِ