للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ» . (وَلَا تَعُبَّ الْمَاءَ عَبًّا) وَهُوَ بَلْعُهُ بِصَوْتٍ كَصَوْتِ الْبَهِيمَةِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ (وَلْتَمُصَّهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ مُضَارِعُ مَصِصَ بِالْكَسْرِ (مَصًّا) وَهُوَ بَلْعُ الْمَاءِ بِرِفْقٍ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ.

(وَ) مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ أَيْضًا أَنْ (تَلُوكَ) أَيْ تَمْضُغَ (طَعَامَك وَتُنَعِّمَهُ مَضْغًا) أَيْ تُبَالِغَ فِي مَضْغِهِ أَيْ دَقِّهِ (قَبْلَ بَلْعِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي اللَّذَّةِ وَأَسْهَلُ عَلَى الْمَعِدَةِ، وَفِي تَرْكِ ذَلِكَ إذَايَةٌ فِي بَلْعِهِ، وَتَتَأَذَّى الْمَعِدَةُ مِنْهُ (وَ) مِنْ آدَابِهِ أَنَّك (تُنَظِّفُ فَاك بَعْدَ) الْفَرَاغِ مِنْ (طَعَامِك) بِالْمَضْمَضَةِ وَالسِّوَاكِ لِدَفْعِ مَا يُتَّقَى مِنْ تَغْيِيرِ طَعْمِ الْفَمِ (وَ) مِنْ الْآدَابِ

ــ

[حاشية العدوي]

وَخِلَافِ الْأَوْلَى وَإِلَّا فَلَا يَدُلُّ لِلْكَرَاهَةِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي نَظَائِرِهِ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ سَحْنُونَ مُوَافَقَتُهُ فَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يَشْرَبُ ثُمَّ يُبِينُهُ، وَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يَشْرَبُ ثُمَّ يُبِينُهُ، وَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يَشْرَبُ ثُمَّ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ.

[قَوْلُهُ: فَلْيَتَنَفَّسْ] أَيْ خَارِجَ الْإِنَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ الْمُنَاوِيُّ: وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ النَّفَسُ الْأَوَّلُ فِي الشُّرْبِ خَفِيفًا وَالثَّانِي أَطْوَلَ وَالثَّالِثُ إلَى رِيِّهِ، وَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى أَصْلٍ.

وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ أَيْ التَّنَفُّسَ ثَلَاثًا خَارِجَ الْإِنَاءِ. وَقَوْلُهُ: أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ بِالْهَمْزَةِ فِيهِمَا أَفْعَلُ أَيْ أَقْوَى فِي عَدَمِ الثِّقَلِ عَلَى الْمَعِدَةِ، وَأَقْوَى فِي الِانْحِدَارِ عَنْهَا بِطِيبِ لَذَّةٍ وَنَفْعٍ فَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَمَا يَتَرَاءَى مِنْ قِرَاءَتِهِ بِالْأَلِفِ خَطَأٌ.

[قَوْلُهُ: وَلَا تَعُبَّ الْمَاءَ عَبًّا] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: عَبَّ الرَّجُلُ الْمَاءَ عَبًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ شَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ تَنَفُّسٍ، وَعَبَّ الْحَمَامُ شَرِبَ مِنْ غَيْرِ مَصٍّ كَمَا تَشْرَبُ الدَّوَابُّ.

وَأَمَّا بَاقِي الطَّيْرِ فَإِنَّهُ تَحْسُوهُ جُرْعَةً بَعْدَ جُرْعَةٍ اهـ. فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَقَوْلُ شَارِحِنَا وَهُوَ بَلْعُهُ بِصَوْتٍ نَاظِرٌ لِجَعْلِهِ مِنْ عَبَّ الْحَمَامُ شَرِبَ مِنْ غَيْرِ مَصٍّ لَا مِنْ بَابِ عَبَّ الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْحَدِيثِ كَمَا سَنُبَيِّنُ، وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَلْيَمُصَّهُ مَصًّا تَأْكِيدًا لِعِلْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا تَعُبَّ الْمَاءَ عَبًّا، وَلَوْ جُعِلَ مِنْ الْأَوَّلِ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ: إنْ شِئْت فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: لِأَمْرِهِ. . . إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْمَصِّ وَنَهَى عَنْ الْعَبِّ، أَيْ أَمْرَ نَدْبٍ وَنَهْيَ كَرَاهَةٍ فَوَقَعَ مِنْهُ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ كَمَا اقْتَضَاهُ حَلُّ الشَّارِحِ، فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمُصَّ الْمَاءَ مَصًّا وَلَا يَعُبَّ عَبًّا فَإِنَّ الْكُبَادَ مِنْ الْعَبِّ» اهـ. وَالْكُبَادُ كَغُرَابٍ وَجَعُ الْكَبِدِ.

قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ الْعَبِّ لِأَنَّ فِيهِ إذَايَةً لِلْجَسَدِ إذْ لَعَلَّهُ يَشْرَبُ بَعْضُ الْعُرُوقِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ يَأْخُذُ بَعْضُهَا أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ وَبَعْضُهَا أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ، وَإِذَا مَصَّهُ أَخَذَ كُلُّ عِرْقٍ حَقَّهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَطَرَ الرَّقِيقَ الْمُدَمَّنَ أَنْفَعُ لِلْأَرْضِ مِنْ الْوَابِلِ لِأَنَّهُ إذَا نَزَلَ بِقُوَّةٍ ذَهَبَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهَا إلَّا يَسِيرٌ.

تَنْبِيهٌ:

وَمِثْلُ الْمَاءِ اللَّبَنُ وَالْعَسَلُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ كُلِّ مَائِعٍ وَهَذَا مِنْ الْآدَابِ الْمُقَارِنَةِ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ أَيْضًا] أَيْ الْمُقَارِنَةِ.

[قَوْلُهُ: أَنْ تَلُوكَ] مِنْ لَاكَ اللُّقْمَةَ مِنْ بَابِ قَالَ.

[قَوْلُهُ: أَيْ تَمْضُغَ] مِنْ بَابِ قَتَلَ وَنَفَعَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ

[قَوْلُهُ: وَتُنَعِّمَهُ] بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْعَيْنِ الْمَكْسُورَةِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ تُبَالِغَ مِنْ مَضْغِهِ. . . إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَضْغًا مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَأَنَّهُ ضَمَّنَ تُنَعِّمَ مَعْنَى تُبَالِغَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ تُنَعِّمَهُ تَنْعِيمَ مَضْغٍ أَيْ تَنْعِيمًا مَنْسُوبًا لِلْمَضْغِ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: أَبْلَغُ] أَيْ أَعْظَمُ فِي اللَّذَّةِ أَيْ فِي حَالِ الِابْتِلَاعِ. وَقَوْلُهُ: أَسْهَلُ أَيْ أَشَدُّ سُهُولَةً أَيْ بَعْدَ الِابْتِلَاعِ.

[قَوْلُهُ: فِي تَرْكِ ذَلِكَ إذَايَةٌ فِي بَلْعِهِ] أَيْ فِي تَرْكِ التَّنْعِيمِ إذَايَةٌ فِي بَلْعِهِ نَاظِرٌ لِلْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ: وَتَتَأَذَّى الْمَعِدَةُ مِنْهُ نَاظِرٌ لِلثَّانِي إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا يُنَافِي قَضِيَّةَ التَّفْضِيلِ فِي أَبْلَغُ وَأَسْهَلُ، نَعَمْ لَوْ قَالَ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِ اللَّذَّةُ وَالسُّهُولَةُ عَلَى الْمَعِدَةِ لَوَافَقَ وَلَمْ يُخَالِفْ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْ الْآدَابِ] أَيْ اللَّاحِقَةِ.

[قَوْلُهُ: بِالْمَضْمَضَةِ وَالسِّوَاكِ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْمَضْمَضَةِ وَنَحْوِهِمَا، فَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْأَدَبَ يَحْصُلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ السِّوَاكَ يُحْتَاجُ مَعَهُ لِلْمَضْمَضَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْغَسْلَ مَطْلُوبٌ سَوَاءٌ أَرَادَ الصَّلَاةَ أَمْ لَا إلَّا أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ أَفَادَهُ التَّحْقِيقُ. [قَوْلُهُ: لِدَفْعِ مَا يَتَّقِي. . . إلَخْ] هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي نَدْبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>