للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّك (إنْ غَسَلْت يَدَك) بَعْدَ الْمَسْحِ الْوَاقِعِ بَعْدَ اللَّعْقِ (مِنْ الْغَمَرِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الْوَدَكُ (وَ) مِنْ (اللَّبَنِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (فَحَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ لَمْ يَغْسِلْهُ وَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» .

وَأَمَّا مَا لَا دَسَمَ فِيهِ فَلَا يَغْسِلُ مِنْهُ (وَ) مِنْهَا أَنَّك (تُخَلِّلُ) أَيْ تُزِيلُ (مَا تَعَلَّقَ بِأَسْنَانِك) أَيْ تَدَاخَلَ بَيْنَهَا (مِنْ الطَّعَامِ) لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ.

(وَنَهَى الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالشِّمَالِ) هَذَا النَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ يَمِينٌ (وَ) مِنْ آدَابِ الشُّرْبِ إذَا كُنْت بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ أَنَّك (تُنَاوِلُ إذَا شَرِبْت مَنْ عَلَى يَمِينِك) أَوَّلًا، ثُمَّ مَنْ عَلَى يَسَارِك لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ

ــ

[حاشية العدوي]

التَّنَظُّفِ، وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ لَا دَسَمَ لَهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ فَاهُ وَقَالَ: إنَّ فِيهِ دَسَمًا» يَقْتَضِي أَنَّ مَا لَا دَسَمَ فِيهِ لَا يُنْدَبُ تَنْظِيفُهُ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْ الْآدَابِ] أَيْ اللَّاحِقَةِ.

[قَوْلُهُ: بِفَتْحٍ. . . إلَخْ] احْتِرَازٌ عَنْ مَضْمُومِ الْغَيْنِ سَاكِنِ الْمِيمِ فَهُوَ الرَّجُلُ الْجَاهِلُ، وَعَنْ مَكْسُورِ الْغَيْنِ فَهُوَ الْحِقْدُ، وَعَنْ مَفْتُوحِ الْغَيْنِ سَاكِنِ الْمِيمِ فَهُوَ السَّتْرُ، نَحْوُ غَمَرَ الْمَاءُ الْأَرْضَ غَمْرًا سَتَرَهَا. [قَوْلُهُ: الْوَدَكُ. . . إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْوَدَكُ بِفَتْحَتَيْنِ دَسَمُ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَهُوَ مَا يَتَحَلَّبُ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَعَطْفُ اللَّبَنِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مُغَايِرٌ.

[قَوْلُهُ: وَأَصَابَهُ شَيْءٌ] أَيْ خَبَلٌ أَوْ مَسٌّ مِنْ الْجِنِّ أَوْ بَرَصٌ كَمَا وَرَدَ بَلْ وَخَيْرُ مَا فَسَّرْته بِالْوَارِدِ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ: فَأَصَابَهُ إيذَاءٌ مِنْ الْهَوَامِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْهَوَامَّ وَذَوَاتَ السَّمُومِ رُبَّمَا تَقْصِدُ رَائِحَةَ الطَّعَامِ فَتُؤْذِيهِ وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ الْمَرْوِيَّ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا لَا دَسَمَ فِيهِ] أَيْ كَالْعَدَسِ وَالتَّمْرِ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ غَسْلُ يَدِهِ مِنْهُ، فَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَكَلَ مَا لَا دَسَمَ فِيهِ يَمْسَحُ كَفَّهُ بِبَاطِنِ قَدَمِهِ. [قَوْلُهُ: لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ. . . إلَخْ] لِمَا خَرَّجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مَرْفُوعًا: «نَقُّوا أَفْوَاهَكُمْ بِالْخِلَالِ فَإِنَّهَا مَجَالِسُ الْمَلَائِكَةِ» وَلَيْسَ شَيْءٌ أَضَرَّ عَلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ بَيْنَ الْأَسْنَانِ وَلَك أَنْ تَأْكُلَ مَا يَخْرُجُ مِنْ التَّخْلِيلِ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَجَسًا. ق: هَكَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ: نَجَاسَةُ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ لَيْسَتْ بِمُجَرَّدِ تَغَيُّرِهِ بَلْ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ مُخَالَطَتِهِ لِشَيْءٍ مِنْ دَمِ اللِّثَاتِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ لَا يَجُوزُ بَلْعُهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ تت وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ أَيْضًا: وَيَجُوزُ التَّخْلِيلُ بِمَا يَجُوزُ بِهِ السِّوَاكُ وَلَا يَكُونُ بِمَا لَا يَجُوزُ بِهِ السِّوَاكُ.

[قَوْلُهُ: وَنَهَى الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْأَكْلِ. . . إلَخْ] فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذَا وَتَتَنَاوَلُ بِيَمِينِك فَإِذَا أَمَرَهُ بِالْمُنَاوَلَةِ بِالْيَمِينِ فَقَدْ نَهَى عَنْ الْمُنَاوَلَةِ بِالشِّمَالِ، وَإِنَّمَا زَادَ هُنَا نَهَى الرَّسُولُ أَيْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ لَا خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: فِي حَقِّ مَنْ لَهُ يَمِينٌ] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَمِينٌ فَبِشِمَالِهِ.

[قَوْلُهُ: إذَا شَرِبْت. . . إلَخْ] مِثْلُهُ الطَّعَامُ وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا إذَا أَذِنَ مَنْ عَلَى الْيَمِينِ أَنْ يُعْطِيَ لِمَنْ عَلَى يَسَارِهِ جَازَ لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ، وَيُعْطِي السَّاقِي بَدْءًا لِلْفَاضِلِ ثُمَّ لِمَنْ عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ يَأْتِي عَلَى آخِرِهِمْ، وَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْفَضْلِ بَدَأَ بِيَمِينِ مَنْ عَلَى يَمِينِ السَّاقِي.

[قَوْلُهُ: مَنْ عَلَى يَمِينِك] وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا بَلْ وَلَوْ كَافِرًا، فَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ صَائِمًا كَانَ لِمَنْ كَانَ عَلَى يَمِينِهِ وَهَكَذَا وَلَيْسَ لِمَنْ عَلَى يَمِينِهِ أَنْ يُؤْثِرَ غَيْرَهُ. [قَوْلُهُ: أُتِيَ] بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَهُوَ فِي دَارِ أَنَسٍ. وَقَوْلُهُ: بِلَبَنٍ أَيْ حُلِبَ مِنْ شَاةٍ دَاجِنٍ. وَقَوْلُهُ: شِيبَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ خُلِطَ. وَقَوْلُهُ: بِمَاءٍ أَيْ مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي فِي دَارِ أَنَسٍ. وَقَوْلُهُ: عَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ لَمْ يُسَمَّ، وَزَعْمُ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ خَطَأٌ وَاضِحٌ كَمَا بَيَّنُوهُ. وَقَوْلُهُ: الْأَيْمَنَ ضُبِطَ بِالنَّصْبِ. عَلَى تَقْدِيرِ: أَعْطِ الْأَيْمَنَ وَبِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ: الْأَيْمَنُ أَحَقُّ.

قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَرُجِّحَ الرَّفْعُ لِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: «الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ» . قَالَ أَنَسٌ: فَهِيَ سُنَّةٌ أَيْ تَقْدِمَةُ الْأَيْمَنِ وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي يَعْلَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَسْقَى قَالَ: ابْدَءُوا بِالْكُبَرَاءِ. أَوْ قَالَ: بِالْأَكَابِرِ» . فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةِ يَمِينِهِ أَحَدٌ بَلْ كَانُوا كُلُّهُمْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ: وَفِيهِ أَنَّ خَلْطَ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ لِلشُّرْبِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَغِشٌّ، وَأَنَّ الْمَجْلِسَ عَنْ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ سَوَاءٌ إذْ لَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>