للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَاءٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ الصِّدِّيقُ فَشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ فَضْلَهُ، وَقَالَ: الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ» .

وَمِنْ الْآدَابِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيُنْهَى) بِمَعْنَى وَنُهِيَ (عَنْ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِتَابِ) رَوَى حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْبِرَازُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِمَا يُتَّقَى مِنْ الْقَذَرِ، وَفِي الثَّالِثِ لِحُرْمَتِهِ (وَ) كَذَلِكَ نُهِيَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ (عَنْ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» . وَأَلْحَقَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ سَائِرَ الِاسْتِعْمَالَاتِ (وَلَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ قَائِمًا) لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ قَائِمًا» ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَشْرَبُ قَائِمًا وَقَاعِدًا» وَفَعَلَهُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَكَرِهَهُ قَوْمٌ لِأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِيهَا نَظَرٌ.

(وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ أَكَلَ الْكُرَّاثَ)

ــ

[حاشية العدوي]

كَانَ الْفَضْلُ لِلْيَمِينِ لَمَا آثَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْأَعْرَابِيَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ.

وَقِيلَ: كَانَ الْأَعْرَابِيُّ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ، فَلِذَا جَلَسَ عَلَى يَمِينِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَبَقَ أَبَا بَكْرٍ فَفِيهِ أَنَّ مَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان مِنْ مَجْلِسِ الْعِلْمِ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَأَنَّهُ لَا يُقَامُ أَحَدٌ مِنْ مَحَلِّهِ لِغَيْرِهِ وَإِنْ أَفْضَلَ مِنْهُ، هَذَا مَا قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَمِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الْأَعْرَابِيُّ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَالْأَيْمَنَ " أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَدُّدِ مَنْ عَلَى الْيَمِينِ.

[قَوْلُهُ: وَنُهِيَ عَنْ النَّفْخِ] أَيْ نَهْيَ كَرَاهَةٍ.

[قَوْلُهُ: فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ] ق: ظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ فِي الْأَوَانِي أَوْ فِي يَدِهِ.

وَقَالَ الزَّنَاتِيُّ: إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ فِي الْأَوَانِي.

[قَوْلُهُ: وَالْكِتَابِ] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الْكِتَابِ فِقْهًا أَوْ حَدِيثًا أَوْ كِتَابًا كَتَبَهُ لِغَيْرِهِ.

[قَوْلُهُ: رَوَى حَدِيثَ النَّهْيِ. . . إلَخْ] أَتَى بِهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِ (د) دَفْعًا لِاعْتِرَاضِ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ النَّفْخِ فِي الثَّلَاثَةِ انْفَرَدَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَلَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ، لَكِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وك عَنْ الْبَزَّارِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ» وَقَدْ نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَالْفَاكِهَانِيُّ فَالِاعْتِرَاضُ بَاقٍ. [قَوْلُهُ: لِمَا يُتَّقَى مِنْ الْقَذَرِ] وَهُوَ رِيقُهُ أَيْ وَهُوَ إهَانَةٌ لِلطَّعَامِ، وَعَلَيْهِ فَيُكْرَهُ النَّفْخُ وَإِنْ أَكَلَ وَحْدَهُ بَارِدًا أَوْ حَارًّا، سَوَاءٌ مَا قَلَّ وَمَا جَلَّ أَوْ هُوَ يُؤْذِي غَيْرَهُ لِكَوْنِهِ سُمًّا، وَعَلَيْهِ فَمَحَلُّ النَّهْيِ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَهُمَا قَوْلَانِ تَحْتَمِلُهُمَا عِبَارَتُهُ.

[قَوْلُهُ: وَفِي الثَّالِثِ لِحُرْمَتِهِ] أَيْ شَرَفِهِ. وَقِيلَ: خَوْفَ مَحْوِهِ أَوْ خَوْفَ التَّفَاؤُلِ بِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ إذَا كَانَ مُرْسَلًا لِلْغَيْرِ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ قَصَدَ تَجْفِيفَهُ، وَالْمَطْلُوبُ التَّتْرِيبُ بَدَلَ النَّفْخِ «فَقَدْ كَتَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابَيْنِ وَتَرَّبَ أَحَدَهُمَا وَتَرَكَ الْآخَرَ» ، فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْمُتَرَّبِ دُونَ غَيْرِهِ.

[قَوْلُهُ: عَنْ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ] بَلْ الْأَكْلِ وَسَائِرِ الِاسْتِعْمَالَاتِ، وَرُبَّمَا أَشْعَرَ مَنْعُ الشُّرْبِ بِمَنْعِ الِاقْتِنَاءِ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِلشُّرْبِ فِيهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ، وَيَجُوزُ الشُّرْبُ فِي أَوَانِي النُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ، وَفِي الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ كَالْيَوَاقِيتِ وَالْجَوَاهِرِ قَوْلَانِ بِالْمَنْعِ وَالْجَوَازِ وَمَنْ حَضَرَتْهُ صَلَاةٌ وَمَعَهُ آلَةُ اسْتِسْقَاءٍ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَهُمْ] أَيْ لِلْكُفَّارِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ.

وَقَوْلُهُ: فِي الدُّنْيَا أَيْ يَسْتَعْمِلُونَهَا مُخَالَفَةً لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَوْلُهُ: وَلَكُمْ أَيْ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ تَسْتَعْمِلُونَهَا فِي الْآخِرَةِ مُكَافَأَةً لَكُمْ عَلَى تَرْكِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُمْنَعُهَا أُولَئِكَ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ بِاسْتِعْمَالِهَا كَذَا قَرَّرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَهَلْ حُرْمَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَعَيْنِهِمَا أَوْ لِلسَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ قَوْلَانِ، وَفُهِمَ مِنْ حُرْمَتِهِمَا حُرْمَةُ الِاسْتِئْجَارِ لِفِعْلِهِمَا وَأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى صِيغَتِهِمَا وَعَدَمُ الْغُرْمِ عَلَى كَاسِرِ ذَلِكَ كَآلَاتِ الْمَلَاهِي. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ] أَيْ وَكَذَا الْأَكْلُ إلَّا أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي جَوَازِهِ قَائِمًا.

[قَوْلُهُ: وَفَعَلَهُ] أَيْ الشُّرْبَ قَائِمًا.

[قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ] أَيْ جَمَاعَةٌ هُمْ الْفُقَهَاءُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَكْثَرَهُمْ لَا كُلَّهُمْ وَأَرَادَ لَا بِقَيْدِ الْمَذْهَبِ. [قَوْلُهُ: لِأَحَادِيثَ] فَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدُكُمْ قَائِمًا فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ» . [قَوْلُهُ: فِيهَا نَظَرٌ] أَيْ بَحْثٌ أَيْ لَمْ تُسَلَّمْ صِحَّتُهَا. وَلَا حُسْنُهَا، فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ حَمْزَةَ الْعُمْرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ النَّهْيَ عَنْهُ عَلَى حَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>