للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَلِيلُ مَا قَالَ قَوْله تَعَالَى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [إبراهيم: ٢٧] وَهُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ (وَفِي الْآخِرَةِ) السُّؤَالُ فِي الْقَبْرِ.

(تَنْبِيهَاتٌ)

الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُسْأَلُ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ الْقَيِّمِ: بَلْ يُسْأَلُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقَ يُسْأَلُ.

الثَّانِي: قَوْلُهُ فِي قُبُورِهِمْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَيِّتٍ يُسْأَلُ قُبِرَ أَوْ لَمْ يُقْبَرْ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ أَوْ لَا خُصَّ مِنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشُّهَدَاءُ.

الثَّالِثُ: الْأَخْبَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِتْنَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُفْتَنُ سَبْعًا وَالْمُنَافِقَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا.

الرَّابِعُ: سُئِلَ ابْنُ حَجَرٍ: هَلْ تَلْبِسُ

ــ

[حاشية العدوي]

يُخْتَبَرُونَ؛ لِأَنَّهُ الِامْتِحَانُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالسُّؤَالِ لَا أَنَّهُ نَفْسُ السُّؤَالِ فَفِي الْعِبَارَةِ تَسَمُّحٌ. [قَوْلُهُ: مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ] سُمِّيَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَلْقَهُمَا لَا يُشْبِهُ خَلْقَ أَحَدِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ بَلْ لَهُمَا خَلْقٌ بَدِيعٌ وَلَيْسَ فِي خَلْقِهِمَا أُنْسٌ لِلنَّاظِرِينَ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُمَا أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ أَعْيُنُهُمَا كَالْبَرْقِ وَصَوْتُهُمَا كَالرَّعْدِ إذَا تَكَلَّمَا خَرَجَ مِنْ أَفْوَاهِهِمَا النَّارُ» .

قَالَ الْعُلَمَاءُ: جَعَلَهُمَا اللَّهُ تَكْرِمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَهَتْكًا لِلْكَافِرِينَ بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِرْزَبَّةٌ لَوْ وُضِعَتْ عَلَى جِبَالِ الدُّنْيَا لَذَابَتْ مِنْهَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ مِنْهَا: «أَنَّ الْمَرْءَ إذَا مَاتَ أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّك وَمَا دِينُك وَمَنْ نَبِيُّك؟ فَيَقُولُ: رَبِّي اللَّهُ وَدِينِي الْإِسْلَامُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ، فَيُوَسَّعُ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ إذَا أُدْخِلَ فِي قَبْرِهِ أُجْلِسَ قِيلَ لَهُ: مَنْ رَبُّك وَمَا دِينُك وَمَنْ نَبِيُّك؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ وَيُعَذَّبُ فِيهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «يُضْرَبُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيه إلَّا الثَّقَلَانِ» ، وَاعْلَمْ أَنَّ السُّؤَالَ مُخْتَلِفٌ بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَسْأَلَانِهِ مَعًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْأَلُهُ أَحَدُهُمَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ] أَيْ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ عج [قَوْلُهُ: السُّؤَالُ فِي الْقَبْرِ] أَيْ جَوَابُ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفِ ذَلِكَ الْمُضَافِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ] وَاعْتَمَدَهُ السُّيُوطِيّ [قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ الْقَيِّمِ بَلْ يُسْأَلُ] وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ فَلَا يَنْبَغِي الشَّكُّ فِي سُؤَالِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضٌ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ فِتْنَةٌ وَعَذَابٌ، وَهُمْ بِذَلِكَ أَحْرَى مِنْ الْمُسْلِمِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُنَافِقَ يُسْأَلُ] أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِينَ وَلَوْ ظَاهِرًا [قَوْلُهُ: خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ] أَيْ أَوْ يُقَالُ قَبْرُ كُلِّ إنْسَانٍ مَكَانَهُ الَّذِي حَلَّ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ تت. [قَوْلُهُ: لَا مَفْهُومَ لَهُ] الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْفَاءِ التَّفْرِيعِيَّةِ مِنْ أَنَّ مَنْ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَيَاةَ فِي الْأَجْزَاءِ أَيْ وَيُعِيدَهُ كَمَا كَانَ كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ سُؤَالَهُ بَعْدَ جَمْعِ أَجْزَائِهِ لَا فِي حَالِ تَفَرُّقِهَا.

[قَوْلُهُ: مِنْهُمْ الشُّهَدَاءُ] وَلَوْ شُهَدَاءُ آخِرَةٍ فَقَطْ، أَيْ وَمِنْهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرَابِطُونَ وَالْمَيِّتُ بِالطَّاعُونِ أَوْ فِي زَمَنِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ طَعْنٍ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، وَالْمَيِّتُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَدْخُلُ بِزَوَالِ شَمْسِ الْخَمِيسِ وَيَوْمِهَا، وَالْمَلَائِكَةُ وَقَارِئُ سُورَةِ تَبَارَكَ الْمُلْكِ كُلَّ لَيْلَةٍ وَقَارِئُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ فِي زَمَنِ مَوْتِهِ، وَتَوَقَّفَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي أَهْلِ الْفَتْرَةِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبُلْهِ وَفِي الْأَطْفَالِ قَوْلَانِ.

قَالَ اللَّقَانِيُّ: وَأَقُولُ الْحَقُّ عِنْدِي فِي مَسْأَلَةِ الْأَطْفَالِ الْوَقْفُ إذْ لَيْسَ فِيهَا خَبَرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَعَنْ بَعْضِهِمْ] كَلَامُهُ يُؤْذَنُ بِضَعْفِهِ، وَفِي كَلَامِ السُّيُوطِيِّ وَشَارِحِهِ مَا يُفِيدُ اعْتِمَادُهُ لِنَقْلِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ وَقِيلَ: ثَلَاثًا فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ.

قَالَ شَارِحُ السُّيُوطِيِّ: وَحِكْمَةُ الثَّلَاثِ أَوْ السَّبْعِ أَنَّ الشَّارِعَ نَاظِرٌ إلَيْهَا فَمَا أُمِرَ بِتَكْرِيرِهِ فَهُوَ فِي الْغَالِبِ ثَلَاثًا فَإِذَا أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَكَرُّرِهِ كُرِّرَ سَبْعًا، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْفِتْنَةُ أَشَدَّ شَيْءٍ يُعْرَضُ عَلَى الْمُؤْمِنِ جُعِلَ تَكْرِيرُهَا سَبْعًا؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ نَوْعَيْ التَّكْرِيرِ وَأَبْلَغُهُ، وَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْحِسَابَ يَقَعُ فِي الْمَوْقِفِ عَلَى سَبْعِ قَنَاطِرَ، وَيُرْوَى سَبْعِ عَقَبَاتٍ فَكَانَ السُّؤَالُ فِي الْقَبْرِ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ عَلَى نَمَطِ السُّؤَالِ فِي الْمَوْقِفِ فِي سَبْعَةِ أَمْكِنَةٍ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَالْمُنَافِقُ] زَادَ تت: وَالْكَافِرُ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَا غَرَابَةَ فِي سُؤَالِهِمَا مَرَّةً وَاحِدَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>