للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّوحُ الْجُثَّةَ كَمَا كَانَتْ؟

فَأَجَابَ: نَعَمْ لَكِنْ ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّهَا تَحِلُّ فِي نِصْفِهِ الْأَعْلَى.

الْخَامِسُ: ضَغْطَةُ الْقَبْرِ وَهِيَ الْتِقَاءُ حَافَّتَيْهِ عَلَى جَسَدِ الْمَيِّتِ لَمْ يَنْجُ مِنْهَا أَحَدٌ كَمَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ، وَمَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ كَمَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ عَلَى الْعِبَادِ) إنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا أَحْرَارًا وَأَرِقَّاءَ مِنْ وَقْتِ

ــ

[حاشية العدوي]

لِلْجَمِّ الْغَفِيرِ فِي أَقَالِيمَ مُخْتَلِفَةٍ، فَيُخَيَّلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنَّهُ الْمُخَاطَبُ دُونَ غَيْرِهِ، وَيَحْجُبُ اللَّهُ سَمْعَهُ مِنْ مُخَاطَبَةِ الْمَوْتَى لَهُمْ. [قَوْلُهُ: صَبَاحًا] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَوَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهِ أَيْ بِالْيَوْمِ مِرَارًا فِي عِبَارَةِ شَارِحِ السُّيُوطِيِّ، وَذَكَرَ السُّيُوطِيّ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ وَقْتِ السُّؤَالِ فِي غَيْرِ يَوْمِ الدَّفْنِ. [قَوْلُهُ: لَكِنَّ ظَاهِرَ الْخَبَرِ أَنَّهَا تَحِلُّ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ ابْنَ حَجَرٍ يَقُولُ: إنَّ الرُّوحَ تُعَادُ لِلْبَدَنِ وَقْتَ السُّؤَالِ إلَّا أَنَّهَا وَإِنْ عَادَتْ إلَى الْبَدَنِ لَا لِكُلِّهِ بَلْ لِنِصْفِهِ الْأَعْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَلَعَلَّهُ قَصَدَ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ «فَيُقْعِدَانِهِ» فَإِنَّ شَارِحَ السُّيُوطِيِّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً، وَظَهَرَ لِي مِنْهَا أَنَّ الظُّهُورَ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ.

[قَوْلُهُ: لَمْ يَنْجُ مِنْهَا أَحَدٌ] أَيْ حَتَّى الْأَطْفَالَ، فَعَنْ أَنَسٍ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا عُفِيَ أَحَدٌ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ إلَّا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ أَيْ أُمُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْقَاسِمُ أَيْ ابْنُهُ؟ وَلَا إبْرَاهِيمُ» وَكَانَ أَصْغَرَهُمَا، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْعُمُومِ الْأَنْبِيَاءُ فَلَا يُضْغَطُونَ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ: كَمَا وَرَدَ رَاجِعٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ وَمَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] فَإِنْ قُلْت: مَا السِّرُّ فِي سَلَامَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ؟ قُلْت: حُصُولُ بَرَكَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ قَبْرَهَا وَنَزَعَ قَمِيصَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمَعَّكَ فِي لَحْدِهَا ثُمَّ خَرَجَ، فَسَأَلُوهُ عَنْ نَزْعِ قَمِيصِهِ وَتَمَعُّكِهِ فِي لَحْدِهَا فَقَالَ: أَرَدْت أَنْ لَا تَمَسَّهَا النَّارُ أَبَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنْ يُوَسَّعَ عَلَيْهَا قَبْرُهَا» وَقَالَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ.

تَتِمَّةٌ يَحْتَاجُ الْحَالُ إلَيْهَا هُوَ أَنَّ النَّسَفِيَّ قَالَ: الْمُؤْمِنُ لَا يَكُونُ لَهُ عَذَابٌ فِي الْقَبْرِ وَتَكُونُ لَهُ الضَّغْطَةُ، فَيَجِدُ هَوْلَ ذَلِكَ وَخَوْفَهُ لِمَا أَنَّهُ تَنَعَّمَ بِنِعَمِ اللَّهِ وَلَمْ يَشْكُرْ وَوَرَدَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: ضَمَّةُ الْقَبْرِ إنَّهَا أُمُّهُمْ وَمِنْهَا خُلِقُوا فَغَابُوا عَنْهَا الْغَيْبَةَ الطَّوِيلَةَ، فَلَمَّا رُدُّوا إلَيْهَا ضَمَّتْهُمْ ضَمَّةَ الْوَالِدَةِ الَّتِي غَابَ عَنْهَا وَلَدُهَا ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهَا، فَمَنْ كَانَ مُطِيعًا لِلَّهِ تَعَالَى ضَمَّتْهُ بِرِفْقٍ وَرَأْفَةٍ، وَمَنْ كَانَ عَاصِيًا ضَمَّتْهُ بِعُنْفٍ سُخْطًا عَلَيْهِ، وَوَرَدَ أَيْضًا وَإِنَّ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ كَالْأُمِّ الشَّفُوقَةِ يَشْكُو إلَيْهَا ابْنُهَا الصُّدَاعَ فَتَغْمُرُ رَأْسَهُ غَمْرًا رَفِيقًا هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلطَّائِعِ، وَأَمَّا الْعَاصِي وَلَوْ مُؤْمِنًا فَقَدْ يُضْغَطُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ، أَقُولُ: فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ يَظْهَرُ لَك أَنَّ ثَمَرَةَ قِرَاءَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] السَّلَامَةُ مِنْ الضَّغْطَةِ الَّتِي بِهَا اخْتِلَافُ الْأَضْلَاعِ، وَأَمَّا الضَّمَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالطَّائِعِ فَلَا خَوْفَ مَعَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَعَهَا الشَّفَقَةَ وَالرَّأْفَةَ، فَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ مُخَالَفَتُهُ لِكَلَامِ النَّسَفِيِّ، وَيَرِدُ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ: مَا وَجْهُ اسْتِثْنَاءِ الْأَنْبِيَاءِ؟ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْخَوْفَ مَعَهَا أَوَّلًا فَلَا مُخَالَفَةَ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] إلَخْ] أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَرَأَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] لَمْ يُفْتَنْ فِي قَبْرِهِ وَأَمِنَ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ وَحَمَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَكُفِّهَا حَتَّى يَجُوزَ الصِّرَاطَ إلَى الْجَنَّةِ» اهـ.

[قَوْلُهُ: إنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ] سَكَتَ عَنْ الْمَلَائِكَةِ لَكِنَّ الْجُزُولِيَّ اسْتَبْعَدَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمْ حَفَظَةٌ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ التَّسَلْسُلِ. [قَوْلُهُ: وَكَافِرِهِمْ] لَا يَخْفَى أَنْ هَذَا جَارٍ عَلَى تَكْلِيفِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنْ قُلْت: مَا الَّذِي يَكْتُبُهُ كَاتِبُ الْيَمِينِ مَعَ أَنَّهُ لَا حَسَنَةَ لِلْكَافِرِ قُلْت: لِلْعُلَمَاءِ مَقَالَتَانِ:

الْأَوْلَى: أَنَّ الَّذِي يَكْتُبُ هُوَ صَاحِبُ الشِّمَالِ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْيَمِينِ، وَيَكُونُ شَاهِدًا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّ كَاتِبَ الْيَمِينِ يَكْتُبُ حَسَنَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>