للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّكْلِيفِ (حَفَظَةً) جَمْعُ حَافِظٍ كَكِتَابٍ وَكَتَبَةٍ (يَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ) وَأَقْوَالَهُمْ حَتَّى الْمُبَاحَ وَالْأَنِينَ فِي الْمَرَضِ وَعَمَلِ الْقَلْبِ يَجْعَلُ اللَّهَ لَهُمْ عَلَامَةً عَلَى عَمَلِ الْقَلْبِ يُمَيِّزُونَ بِذَلِكَ بَيْنَ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى

ــ

[حاشية العدوي]

الْكَافِرِ وَإِنْ كَانَ لَا يُثَابُ؛ لِأَنَّ الْكَتْبَ لَا يَتَضَمَّنُ ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا وَهِيَ لِلَّقَانِيِّ مُسْتَظْهِرًا لَهَا، وَأَنَا أَقُولُ: لَا مَانِعَ مِنْ كَتْبِ حَسَنَاتِهِ وَثَمَرَتُهَا مَا يَلْحَقُهُ مِنْ تَخْفِيفِ عَذَابٍ غَيْرِ الْكُفْرِ. [قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِ التَّكْلِيفِ إلَخْ] أَمَّا الْإِنْسُ فَوَقْتُ تَكْلِيفِهِمْ الْبُلُوغُ، وَأَمَّا الْجِنُّ فَقَالَ عج: إنَّهُمْ كُلِّفُوا مِنْ أَوَّلِ الْفِطْرَةِ إلَّا أَنَّ الصَّوَابَ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِوَقْتِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ كَتْبُ حَسَنَاتِ الصَّبِيِّ دُونَ سَيِّئَاتِهِ، وَاسْتَظْهَرَ عج أَنَّ الْكَاتِبَ لِحَسَنَاتِهِ هُوَ الْكَاتِبُ لِلْمُكَلَّفِ وَهُوَ أَحَدُ الْحَافِظِينَ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ وَلَا حَفَظَةَ عَلَى الْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ لَهُ يُكْتَبُ. [قَوْلُهُ: يَكْتُبُونَ إلَخْ] قَالَ عج: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكِتَابَةَ الَّتِي تَكْتُبُهَا الْمَلَائِكَةُ لَيْسَتْ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْغَزَالِيَّ ذَكَرَ عَنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّ الْمَكْتُوبَ عَلَيْهِ لَيْسَ حُرُوفًا.

قَالَ: وَإِنَّمَا ثُبُوتُ الْمَعْلُومَاتِ فِيهِ كَثُبُوتِهَا فِي الْعَقْلِ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَأَقْوَالُهُمْ] إشَارَةً إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ قَاصِرٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَعْمَالِ مَا يَشْمَلُ الْأَقْوَالَ. [قَوْلُهُ: حَتَّى الْمُبَاحَ] أَيْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَيْ فَيَكْتُبُهُ كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ، وَقِيلَ: لَا يَكْتُبُونَهُ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الصَّغَائِرِ الْمَغْفُورَةِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْكُتُبِ، وَفَائِدَةُ كَتْبِ الْمُبَاحِ كَمَا فِي عج رَجَاءُ الْكَفِّ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَرْضُ مِثْلِ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَا يَلِيقُ، فَإِذَا اسْتَحْضَرَ الْعَبْدُ ذَلِكَ رُبَّمَا انْكَفَّ عَنْهُ.

أَقُولُ: وَيُقَالُ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى فِي الصَّغَائِرِ الْمَغْفُورَةِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ.

[قَوْلُهُ: وَالْأَنِينَ فِي الْمَرَضِ] أَيْ لِمَا رَوَاهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ كُلَّ شَيْءٍ صَدَرَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْقَصْدِ، أَوْ الذُّهُولِ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ، وَالْأَنِينُ التَّصْوِيتُ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَعْنًى أَمْ لَا.

[قَوْلُهُ: وَعَمَلَ الْقَلْبِ] مَنْصُوبٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُبَاحِ، فَإِنْ قُلْت: مَا الْمُرَادُ بِعَمَلِ الْقَلْبِ؟ قُلْت: هُوَ النَّدَمُ وَالْهَمُّ وَالْعَزْمُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نُقِلَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَأْتِي قَرِيبًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ الْعُجْبُ وَنَحْوُهُ أَوْ أَوْلَى فَتَدَبَّرْ. وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ خَمْسُ مَرَاتِبَ: هَاجِسٌ وَهُوَ مَا يُلْقَى فِيهَا، وَخَاطِرٌ وَهُوَ جَرَيَانُهُ فِيهَا، وَحَدِيثُ نَفْسٍ وَهُوَ تَرَدُّدُهَا هَلْ تَفْعَلُ أَمْ لَا، وَهَمٌّ وَهُوَ تَرْجِيحُ قَصْدِ الْفِعْلِ، وَعَزْمٌ وَهُوَ قُوَّةُ ذَلِكَ الْقَصْدِ وَالْجَزْمِ.

أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَلَا كَتْبَ فِيهَا، وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَتَفْتَرِقُ الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ فَالْحَسَنَةُ تُكْتَبُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهَا مَانِعٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا لِنَحْوِ كَسَلٍ، وَالسَّيِّئَةُ لَا تُكْتَبُ وَلَوْ كَانَ الْهَمُّ بِهَا فِي الْمُحَرَّمِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ تَرَكَهَا خَوْفَ النَّاسِ أَوْ رِيَاءً أَوْ كَسَلًا أَوْ عَدَمَ شَهْوَةٍ لَمْ يُكْتَبْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَإِنْ تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ أَوْ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدَهُ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ كَمَا ذَكَرَ اللَّقَانِيُّ أَنَّ مَنْ تَرَكَ عَمَلَ السَّيِّئَةِ خَوْفَ النَّاسِ أَوْ رِيَاءً أَثِمَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْمَخْلُوقِ عَلَى خَوْفِ اللَّهِ حَرَامٌ وَكَذَلِكَ الرِّيَاءُ، وَأَنَّ فِعْلَ تِلْكَ السَّيِّئَةِ الَّتِي هَمَّ بِهَا كُتِبَ الْفِعْلُ وَحْدَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، وَالْهَمُّ مَرْفُوعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَأَمَّا الْخَامِسُ فَيُكْتَبُ مُطْلَقًا حَسَنَةً وَسَيِّئَةً مَا لَمْ يَكُنْ التَّرْكُ لِخَوْفِ اللَّهِ فَإِنْ تَرَكَهَا حِسْبَةً لَهُ كُتِبَتْ حَسَنَةً بِالْأَوْلَى مِنْ الْهَمِّ وَالْعَزْمِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ كُتِبَتْ سَيِّئَةً لَكِنَّهَا لَا تُسَاوِيهَا، فَعَزْمُ كُلٍّ مِنْ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ لَا يُسَاوِي فِعْلَهَا وَإِنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ ذَنْبِ وَسَيِّئَةٍ أُخْرَى، وَالْعَزْمُ عَلَى الْحَسَنَةِ يُسَاوِي الْهَمَّ بِهَا الْوَارِدُ فِي خَبَرِ وَمَنْ هَمَّ بِهَا وَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً أَيْ غَيْرَ نَاقِصَةٍ فِي عِظَمِ الْقَدْرِ لَا التَّضْعِيفِ إلَى الْعَشْرِ، ثُمَّ أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَزْمَ وَإِنْ سَاوَى الْهَمَّ فِي عَدَمِ التَّضْعِيفِ إلَّا أَنَّهُمَا مُتَفَاوِتَانِ كَيْفِيَّةً فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: يَجْعَلُ اللَّهُ إلَخْ] جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَقَوْلُهُ: عَمَلَ الْقَلْبِ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ وَالْأَصْلُ يَجْعَلُ اللَّهُ لَهُمْ عَلَامَةً عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: يُمَيِّزُونَ بِذَلِكَ] ذُكِرَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا بِمَعْنَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقُولَ بِهَا أَيْ بِالْعَلَامَةِ، وَتِلْكَ الْعَلَامَةُ قِيلَ هِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>