{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار: ١٠] {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: ١١] {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: ١٢] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ» الْحَدِيثَ. وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ جَحَدَهُ أَوْ كَذَّبَ بِهِ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَسُمُّوا حَفَظَةً لِحِفْظِهِمْ مَا يَصْدُرُ مِنْ الْإِنْسَانِ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ وَعِلْمِهِمْ بِهِ وَلِحِفْظِهِمْ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْجِنِّ
ــ
[حاشية العدوي]
رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ تَحْصُلُ عِنْدَ صُدُورِ الْحَسَنِ عَنْ الْقَلْبِ وَرَائِحَةٌ خَبِيثَةٌ تَصْدُرُ صُدُورَ السَّيِّئِ فَقَدْ سُئِلَ سُفْيَانُ كَيْفَ تَعْلَمُ الْمَلَائِكَةُ أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ أَوْ سَيِّئَةٍ قَالَ: إذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَجَدُوا رِيحَ الْمِسْكِ، وَإِذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَجَدُوا رِيحَ النَّتِنِ اهـ.
قَالَ الْهَيْتَمِيُّ: وَلَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ تَعْيِينُ الْحَسَنِ مَا هُوَ وَلَا تَعْيِينُ السَّيِّئِ مَا هُوَ فِيمَا يَظْهَرُ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ أَيْ التَّعْيِينَ بِإِلْهَامٍ أَوْ بِكَشْفٍ عَنْ الْقَلْبِ، وَمَا يَحْدُثُ فِيهِ كَمَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ كَذَا ذَكَرَ اللَّقَانِيُّ.
ثُمَّ أَقُولُ: وَلَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الرَّائِحَةِ فِي الْهَمِّ، إذَا كَانَ بِسَيِّئَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكْتَبُ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ فِي الْكَتْبِ حَسَنَةً إذَا تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ وَرَغْبَةً فِيمَا عِنْدَهُ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: مَلَائِكَةٌ] فَاعِلٌ يَتَعَاقَبُونَ وَهِيَ لُغَةُ مَنْ يُلْحِقُ الْفِعْلَ عَلَامَةَ التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ] تَمَامُهُ «وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِكَتْبِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ، فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِدْلَال بِهِ. وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ حَيْثُ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُمَا مَلَكَانِ بِالنَّوْعِ لَا بِالشَّخْصِ، فَلِكُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَلَكَانِ فَهُمَا أَرْبَعَةٌ اثْنَانِ بِاللَّيْلِ وَاثْنَانِ بِالنَّهَارِ، وَعَلَيْهِ فَمَلَكَا اللَّيْلِ اثْنَانِ مُعَيَّنَانِ دَائِمًا وَكَذَلِكَ مَلَكَا النَّهَارِ كَمَا ذَكَرَهُ عج وَقِيلَ: هُمَا مَلَكَانِ يَلْزَمَانِ الْعَبْدَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ أَنْ تَرَدَّدَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَلَكَيْ الْإِنْسَانِ لَا يَتَغَيَّرَانِ عَلَيْهِ مَا دَامَ حَيًّا، وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُ أَحَدِ الْمَلَكَيْنِ لِلْآخَرِ: إذَا لَمْ يَسْتَغْفِرْ دَاخِلَ السِّتِّ سَاعَاتٍ بَعْدَ عَمَلِ السَّيِّئَةِ اُكْتُبْ أَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْهُ فَبِئْسَ الْقَرِينُ مَا أَقَلَّ مُرَاقَبَتَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَقَلَّ اسْتِحْيَاءَهُ، وَلَا يُقَالُ: ذَلِكَ لِمَنْ يَكُونَانِ مَعَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ لِسَانِ الْعَرَبِ اهـ.
قَالَ عج: وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ وَقْتِ الصُّعُودِ، قُلْت: وَرَأَيْت لِلْحَافِظِ السُّيُوطِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّ مَلَائِكَةَ النَّهَارِ تَصْعَدُ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَحِينَئِذٍ فَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ تَكْتُبُ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ لِلْغُرُوبِ اهـ.
وَاجْتِمَاعُهُمْ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لُطْفٌ مِنْ اللَّهِ لِأَجْلِ أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمْ لَهُمْ بِمَا يَشْهَدُونَ مِنْ طَاعَتِهِمْ. [قَوْلُهُ: أَوْ كَذَّبَ بِهِ] التَّكْذِيبُ جَحْدٌ فَلَا حَاجَةَ لَهُ، فَقَدْ قَالَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: مَنْ كَذَّبَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ لِثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ.
قَالَ تَعَالَى إلَى آخِرِ مَا قَالَ شَارِحُنَا، وَأَمَّا مَنْ جَهِلَهُ فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ كَمَا قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ.
وَقَالَ الْأُصُولِيُّونَ: لَيْسَ بِكَافِرٍ وَصَوَّبَهُ اللَّقَانِيُّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَرَدِّدَ الْمَحْكُومَ بِكُفْرِهِ هُوَ مَنْ تَرَدَّدَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَصْرِيحِ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ بِهِ أَوْ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ كَافِرٌ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنْ هَذَا التَّكْفِيرَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى الْجَحْدِ أَوْ الشَّكِّ إنَّمَا جَاءَ مِنْ حَيْثُ وُرُودُ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِهِ وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ أَوْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ إنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ أَنْكَرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ الْمُتَحَقِّقِ فِي الْقُرْآنِ لِتَوَاتُرِهِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ وُرُودِ الْحَدِيثِ أَوْ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ [قَوْلُهُ: وَعِلْمِهِمْ بِهِ] الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ إذْ الْمُفِيدُ لِلْمُرَادِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ لِحِفْظِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَلِحِفْظِهِمْ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْجِنِّ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ الْكَاتِبَيْنِ هُمَا الْحَافِظَانِ مِنْ الْجِنِّ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُمَا لَا يَتَصَرَّفَانِ إلَّا فِي تَقْدِيرِ مَا يَصْدُرُ مِنْ الْإِنْسَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ فَهُمَا حَفَظَةٌ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَا غَيْرُ، ذَكَرَ هَذَا الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ لِلْعَقِيدَةِ.