للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَاحِدَ كَالْجَمَاعَةِ لِوُجُودِ الْحَفَظَةِ مَعَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي السَّلَامِ (وَيَقُولُ الرَّادُّ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ) بِوَاوِ التَّشْرِيكِ وَتَقْدِيمِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ (أَوْ يَقُولُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) بِتَقْدِيمِ السَّلَامِ مُنَكَّرًا بِغَيْرِ وَاوٍ وَتَأْخِيرِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ (كَمَا قِيلَ لَهُ) فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهَذَا لِأَنَّ السَّلَامَ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا مُعَرَّفًا كَمَا قَدَّمْنَا، وَاَلَّذِي فِي الذَّخِيرَةِ وَيَقُولُ الرَّادُّ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ كَمَا قِيلَ لَهُ (وَأَكْثَرُ مَا يَنْتَهِي السَّلَامُ إلَى الْبَرَكَةِ) كَذَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَالَ فِيهِ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ سَلَفًا وَخَلَفًا، فَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلْيَلْزَمُكَ إذَا سَلَّمَ عَلَيْك إنْسَانٌ وَانْتَهَى فِي سَلَامِهِ إلَى الْبَرَكَةِ (أَنْ تَقُولَ فِي رَدِّك) عَلَيْهِ (وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَلَا تَقُلْ) عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ (فِي رَدِّك) عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْك (سَلَامُ اللَّهِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ] ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاحِدَ كَالْجَمَاعَةِ] أَيْ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا إلَّا أَنَّهُ كَالْجَمَاعَةِ مِنْ حَيْثُ وُجُودِ الْحَفَظَةِ مَعَهُ، لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يَكُونُوا مُسَلَّمًا عَلَيْهِمْ لَا قَصْدًا وَلَا تَبَعًا، وَإِنَّمَا الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَاحِدُ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ جَمَاعَةٌ لِوُجُودِ الْحَفَظَةِ [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ] أَيْ فَلَوْ قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْك فَلَا يَكْفِي هَذَا ظَاهِرُهُ، أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَحِينَئِذٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِ سَلَامِ الِابْتِدَاءِ وَالْإِتْيَانِ بِمِيمِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ فِي الْحَدِيثِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ.

[قَوْلُهُ: وَيَقُولُ الرَّادُّ. . . إلَخْ] كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي الرَّدِّ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، وَلَوْ كَانَ الْمُسَلِّمُ أَتَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ أَوْ مَعَ زِيَادَةِ وَبَرَكَاتُهُ، وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ التَّلْقِينُ حَيْثُ قَالَ: إنْ زَادَ لَفْظُ الرَّدِّ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَوْ نَقَصَ جَازَ وَنَحْوُهُ فِي الْمَعُونَةِ.

[قَوْلُهُ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ] مُسْمِعًا لِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَتَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَى الْأَصَمِّ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ إلَّا إنْ كَانَ يَفْهَمُ مِنْهُ كَالْإِشَارَةِ.

[قَوْلُهُ: بِوَاوِ التَّشْرِيكِ] أَيْ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ السَّلَامُ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، فَيَصِيرُ الرَّادُّ مُسَلَّمًا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ لَوْ أَجَابَ بِغَيْرِ وَاوٍ لَا يَكُون مُجِيبًا وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، وَاَلَّذِي عِنْدَ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ يَسْقُطُ لَكِنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا أَوْلَى لِأَنَّ الْكَلَامَ مَعَهَا جُمْلَتَانِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ فِي الرَّدِّ: وَعَلَيْك السَّلَامُ بِحَذْفِ الْمِيمِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا سَلَامٌ عَلَيْك بِتَنْكِيرِ السَّلَامِ وَحَذْفِ مِيمِ عَلَيْكُمْ وَتَقْدِيمِ لَفْظِ السَّلَامِ فَلَا يَكْفِي وَلَا يَضُرُّ اللَّحْنُ فِيمَا يَظْهَرُ.

[قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الذَّخِيرَةِ] أَتَى بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ لِلْمُصَنِّفِ مُخَالِفًا [قَوْلُهُ: كَمَا قِيلَ لَهُ] ظَاهِرُهُ تُسَاوِيهِمَا وَالْأَحْسَنُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فَإِنَّهُ قَالَ: الِاخْتِيَارُ أَنْ يَقُولَ الْمُبْتَدِئُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَيَقُولَ الرَّادُّ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِلَفْظِ الرَّدِّ وَالرَّدُّ بِلَفْظِ الِابْتِدَاءِ وَلَا يُجْزِئُ السَّلَامُ فَقَطْ بَدْءًا وَرَدًّا كَالصَّلَاةِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَتُتْبَعُ كَالصَّلَاةِ.

[قَوْلُهُ: وَأَكْثَرُ مَا يَنْتَهِي السَّلَامُ] أَيْ فِي الِابْتِدَاءِ وَالرَّدِّ عِنْدَ إرَادَةِ الزِّيَادَةِ، أَيْ وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ إنَّمَا هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ، أَيْ فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ثُمَّ زَادَ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا أَيْ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ مَنْ هَذَا أَيْ الَّذِي زَادَ عَلَى التَّحِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ قَالُوا: هَذَا الْيَمَانِيُّ الَّذِي يَغْشَاك فَعَرَّفُوهُ إيَّاهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ السَّلَامَ انْتَهَى إلَى الْبَرَكَةِ أَيْ فَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا.

[قَوْلُهُ: غُلُوٌّ] أَيْ زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ: وَبِدْعَةٌ أَيْ أَمْرٌ مُحْدَثٌ وَهُوَ لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ: فَيَكُونُ مَكْرُوهًا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْ نِهَايَةَ كَلَامِ الْمُوَطَّأِ ثُمَّ أَقُولُ: رَاجَعْت شَرْحَ الْمُوَطَّأِ فَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ أَيْ قَوْلَهُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. . . إلَخْ غَيْرٍ فَلَعَلَّهَا رِوَايَةٌ أُخْرَى غَيْرَ مَا رَأَيْت إلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغُلُوَّ وَالْبِدْعَةَ لَا يُنْتِجَانِ خُصُوصَ الْكَرَاهَةِ.

[قَوْلُهُ: وَلَا تَقُلْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ] التَّعْبِيرُ بِالْكَرَاهَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>