للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَوْلَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» لَقُلْت: الْعَذَابُ قِطْعَةٌ مِنْ السَّفَرِ

(وَلَا يَنْبَغِي) بِمَعْنَى لَا يَحِلُّ (أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ) الشَّابَّةُ (مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا سَفَرَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» . ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةً فَقَالَ: (إلَّا فِي حَجِّ الْفَرِيضَةِ خَاصَّةً فِي قَوْلِ مَالِكٍ) فَإِنَّ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ (فِي رُفْقَةٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا (مَأْمُونَةٍ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ، ثُمَّ بَالَغَ عَلَى سَفَرِهَا مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ فَقَالَ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ فَذَلِكَ لَهَا) وَقَيَّدْنَا بِالشَّابَّةِ احْتِرَازًا مِنْ الْمُتَجَالَّةِ فَإِنَّهَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَنَّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ قَبْلُ: «لَا يَخْلُو رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهُ بِمَحْرَمٍ» ، وَاحْتَرَزَ بِالْفَرِيضَةِ مِنْ حَجَّةِ التَّطَوُّعِ وَسَائِرِ الْأَسْفَارِ وَبِمَأْمُونَةٍ مِنْ غَيْرِهَا.

وَفِي قَوْلِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ تَبَرُّؤٌ مِنْهُ وَمَيْلٌ إلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا تَحُجُّ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَوْ أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ، وَكَذَا إذَا اسْتَرَقَّتْ وَقَدَرَتْ عَلَى الْهُرُوبِ. الْقَرَافِيُّ: وَكَذَا كُلُّ فَرْضٍ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[حاشية العدوي]

تَنْبِيهٌ:

فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي فِي السَّفَرِ الْمُسَامَحَةُ فِي الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ وَالْحَرَجِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ مَنْ كَانَ فِي الْعَذَابِ كَيْفَ يُطَالِبُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ اهـ.

[قَوْلُهُ: قَالَتْ عَائِشَةُ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ عَائِشَةَ هَذَا مُبَالَغَةٌ.

[قَوْلُهُ: تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ] يَوْمِ الْقِيَامَةِ هَذَا الْوَصْفُ ذُكِرَ لِتَأْكِيدِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ، بِأَنَّهَا إذَا سَافَرَتْ بِلَا مَحْرَمٍ خَالَفَتْ شَرْطَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الْمُقْتَضِي الْوُقُوفَ عِنْدَمَا نُهِيَتْ عَنْهُ، أَوْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ إخْرَاجَ الْكَافِرَةِ كِتَابِيَّةً أَوْ حَرْبِيَّةً كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَمَسُّكًا بِالْمَفْهُومِ.

[قَوْلُهُ: مَسِيرَةَ] مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى السَّيْرِ كَمَعِيشَةٍ بِمَعْنَى الْعَيْشِ وَلَيْسَتْ التَّاءُ فِيهِ لِلْمَرَّةِ.

[قَوْلُهُ: مَحْرَمٍ] بِفَتْحِ الْمِيمِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ إلَّا أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ تَنْزِيهًا سَفَرَهَا مَعَ ابْنِ زَوْجِهَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَحَدَاثَةِ الْحُرْمَةِ، وَلِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى النَّفْرَةِ عَنْ امْرَأَةِ الْأَبِ لَيْسَ كَالدَّاعِي إلَى النَّفْرَةِ عَنْ سَائِرِ الْمَحَارِمِ، زَادَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَوْ زَوْجٌ وَفِي مَعْنَاهُ السَّيِّدُ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ ذِكْرَ الزَّوْجِ لَقِيسَ عَلَى الْمُحْرِمِ قِيَاسًا جَلِيًّا.

[قَوْلُهُ: ذِي مَحْرَمٍ] أَيْ ذِي حَرَامٍ مِنْهَا.

[قَوْلُهُ: إلَّا فِي حَجِّ الْفَرِيضَةِ] شَمِلَ النَّذْرَ وَالْقَضَاءَ وَالْحِنْثَ.

[قَوْلُهُ: خَاصَّةً] سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ.

[قَوْلُهُ: لَكِنْ بِشَرْطِ] قِيلَ يُكْتَفَى بِنِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الْمَجْمُوعِ أَوْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ كَالْمَرْأَةِ.

[قَوْلُهُ: فَذَلِكَ لَهَا] مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ إلَّا فِي حَجِّ الْفَرِيضَةِ فَذَلِكَ لَهَا [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ الْمُتَجَالَّةِ] أَيْ الَّتِي لَا تُشْتَهَى تُسَافِرُ فِي كُلِّ الْأَسْفَارِ بِلَا زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ تَخْصِيصٌ لِلْعُمُومِ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا حَرَامٌ وَمَا لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ مِنْ جَسَدِهَا غَالِبًا عَوْرَةٌ فَالْمَظِنَّةُ مَوْجُودَةٌ فِيهَا، وَالْعُمُومُ صَالِحٌ لَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْهُ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَرْأَةُ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا وَمَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ وَلَوْ كَبِيرَةً، وَقَدْ قَالُوا: لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ وَيَجْتَمِعُ فِي الْأَسْفَارِ مِنْ سُفَهَاءِ النَّاسِ وَسَقَطِهِمْ مَنْ لَا يَرْتَفِعُ عَنْ الْفَاحِشَةِ بِالْعَجُوزِ وَغَيْرِهَا لِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِ وَقِلَّةِ دِينِهِ وَمُرُوءَتِهِ وَحَيَائِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ. . . إلَخْ] إلَّا أَنَّك عَلِمْت أَنَّهُ تَابِعٌ لِلصَّحِيحَيْنِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَحُمِلَتْ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ السَّائِلِينَ وَاخْتِلَافِ الْخَوَاطِرِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُعَلَّقٌ بِأَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ فَقَدْ رُوِيَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَرُوِيَ لَيْلَةٍ، وَرُوِيَ يَوْمَيْنِ، وَرُوِيَ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَرُوِيَ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَرُوِيَ بَرِيدٌ.

[قَوْلُهُ: تَبَرُّؤٌ مِنْهُ] يُجَابُ بِأَنَّهُ قَصَرَهَا عَلَى مَالِكٍ لِكَوْنِهَا مَنْسُوبَةً لَهُ لَا لِلتَّبَرِّي وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ] أَيْ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ.

[قَوْلُهُ: وَكَذَا كُلُّ فَرْضٍ] مِنْ ذَلِكَ الرُّجُوعِ إلَى الْمَنْزِلِ لِإِتْمَامِ الْعِدَّةِ إذَا خَرَجَتْ ضَرُورَةً فَمَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا. .

<<  <  ج: ص:  >  >>