للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَ» أَعُوذُ بِك مِنْ «سُوءِ الْمَنْظَرِ» أَيْ مَا يُسِيءُ النَّظَرُ إلَيْهِ ( «فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ» . ك: هَذَا حَدِيثٌ خَرَّجَهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ وَجَاءَ لَفْظُهُ مُخْتَلِفًا. (وَيَقُولُ الرَّاكِبُ إذَا اسْتَوَى) أَيْ اسْتَقَرَّ (عَلَى) ظَهْرِ (الدَّابَّةِ) وَكَذَا الْمَاشِي عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْمَشْيِ: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ» أَيْ مُطِيقِينَ قَادِرِينَ «وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ» أَيْ رَاجِعُونَ

(وَتُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَغْرِيرًا لِلْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَإِذْلَالًا لِلدِّينِ (وَ) كَذَلِكَ تُكْرَهُ التِّجَارَةُ (إلَى بَلَدِ السُّودَانِ) الْكُفَّارِ مِنْهُمْ لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ (وَالسَّلَام) فِي الْمُوَطَّأِ «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " الْحَدِيثُ، قَالَتْ

ــ

[حاشية العدوي]

هَذَا الْحَلُّ، وَقَضِيَّةُ حَلِّهِ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِ اللَّامِ إلَى الْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِهَا بِوَاسِطَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الرُّجُوعَ الَّذِي هُوَ مَعْنًى مُنْقَلِبٌ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّيْءِ الَّذِي يَقْتَضِي الْكَآبَةَ أَيْ سُوءَ الْحَالِ، وَإِذَا تَعَلَّقَ بِالشَّيْءِ الَّذِي يَقْتَضِي الْكَآبَةَ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْكَآبَةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، أَيْ أَعُوذُ بِك مِنْ سُوءِ حَالٍ مَنْسُوبٍ لِلرُّجُوعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ الْكَآبَةَ بِالْحُزْنِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ.

[قَوْلُهُ: مِنْ فَوَاتِ مَالٍ] بَيَانٌ لِمَا.

[قَوْلُهُ: مِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ] الْمَنْظَرُ بِفَتْحِ الظَّاءِ مَا نَظَرْت إلَيْهِ فَأَعْجَبَك أَوْ أَسَاءَك كَمَا فِي الْقَامُوسِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، أَيْ الْمَنْظَرُ السَّيِّئُ أَيْ الْمَنْظَرُ الَّذِي يَسُوءُك أَيْ يُحْزِنُك، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُطَابِقُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ أَيْ مَا يَسُوءُنِي إذَا نَظَرْت إلَيْهِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ.

[قَوْلُهُ: فِي الْأَهْلِ] مُتَعَلِّقٌ بِالْمَنْظَرِ أَيْ السُّوءُ الْكَائِنُ. . . إلَخْ بِحَيْثُ يَلْحَقُ الْأَهْلَ وَالْمَالَ أُمُورُ مَشَقَّةٍ.

[قَوْلُهُ: هَذَا حَدِيثٌ خَرَّجَهُ] كَذَا فِي ك وَلَمْ يُبَيِّنْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَلْفَاظَ الْمُخْتَلِفَةَ وَلَا دَاعِيَ لِجَلْبِهَا إذْ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْبَاعِثُ لَهُ عَلَى هَذَا إفَادَةُ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا ضَعِيفٌ، وَأَنَّك إذَا رَأَيْت فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ مَا يُخَالِفُهُ لَا تَعْتَرِضُهُ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ.

[قَوْلُهُ: يَقُولُ الرَّاكِبُ] أَيْ وَيَقُولُ رَاكِبُ السَّفِينَةِ بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [قَوْلُهُ: سَخَّرَ لَنَا هَذَا] أَيْ ذَلِّلْ، هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِرَاكِبِ الدَّابَّةِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَاشِي فَيَقْصِدُ سُبْحَانَ الَّذِي أَقَدْرَنَا عَلَى هَذَا [قَوْلُهُ: مُقْرِنِينَ] تَفْسِيرٌ لِمُطِيقِينَ.

[قَوْلُهُ: أَيْ رَاجِعُونَ] بِالْمَوْتِ وَحِكْمَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ هُنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ بِرُكُوبِهِ مَظِنَّةَ الْمَوْتِ بِطَرْحِهَا إيَّاهُ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَغْرِيرًا] أَيْ إذَا كَانَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ فِي بَابِ الصَّوْمِ [قَوْلُهُ: الْكُفَّارُ مِنْهُمْ] أَيْ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ السُّودَانَ لَيْسُوا مِثْلَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ فِي شِدَّةِ الْحَمِيَّةِ، فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ جَوَازُ السَّفَرِ لَهُمْ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ارْتِكَابُ الْمُحَرَّمِ، وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِلَادُ السُّودَانِ وَلَوْ الْمُسْلِمِينَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمُخَاطَرَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ مِنْ أَجْلِ الْعَطَشِ وَالْخَوْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: السَّفَرُ] يَدْخُلُ فِيهِ الرَّاكِبُ وَالْمَاشِي [قَوْلُهُ: قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ] جُزْءٌ مِنْ الْعَذَابِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادِرُ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْعَذَابِ، أَيْ الْأَلَمِ النَّاشِئِ عَنْ الْمَشَقَّةِ؛ لِمَا يَحْصُلُ فِي الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ مِنْ تَرْكِ الْمَأْلُوفِ كَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْخَوْفِ وَخُشُونَةِ الْعَيْشِ وَلِفِرَاقِ الْأَحْبَابِ وَفِي تَحْقِيقِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْعَذَابِ فَقِيلَ: عَذَابُ الدُّنْيَا وَقِيلَ عَذَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا مُمْتَزِجَةٌ بِالْآخِرَةِ، فَكُلُّ سُرُورٍ أَوْ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَكُلُّ هَمٍّ وَحُزْنٍ وَعَذَابٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ النَّارِ.

[قَوْلُهُ: نَوْمُهُ. . . إلَخْ] بِنَصْبِ الثَّلَاثَةِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ مِنْ نَوْمِهِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيَمْنَعَ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ مَفْعُولَيْنِ كَأَعْطَى وَفَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ اسْتِئْنَافًا كَالْجَوَابِ لِمَنْ قَالَ: لِمَ كَانَ كَذَلِكَ فَقَالَ: يَمْنَعُ وَجْهَ ذَلِكَ الِاشْتِمَالُ عَلَى الْمَشَقَّةِ، وَقَدْ جَاءَ التَّعْلِيلُ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ وَلَفْظُهُ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» لِأَنَّ الرَّجُلَ يَشْتَغِلُ فِيهِ عَنْ صَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ، وَالْمُرَادُ مَنْعُ الْكَمَالِ لَا الْأَصْلِ.

[قَوْلُهُ: الْحَدِيثُ] تَمَامُهُ «فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ» اهـ، وَنَهْمَتُهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَضُبِطَ بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ حَاجَتُهُ وَقَوْلُهُ: مِنْ وَجْهِهِ أَيْ مِنْ مَقْصِدِهِ، وَقَوْلُهُ: فَلْيُعَجِّلْ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُشَدَّدَةً أَيْ فَلْيُعَجِّلْ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>