كَذَلِكَ الْمَاشِي مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ مُعِينَةٌ لَهُ عَلَى طَرِيقِهِ وَيَتَحَرَّزُ بِهَا (وَقَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ) أَيْ قِرَاءَةُ الْمَاشِي إلَى السُّوقِ (لِلْمُتَعَلِّمِ وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ (وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي سَبْعٍ) أَيْ سَبْعِ لَيَالٍ (فَذَلِكَ حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَمَلَ أَكْثَرِ السَّلَفِ (وَ) لَكِنَّ (التَّفَهُّمَ مَعَ قِلَّةِ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ) مِنْ سَرْدِ حُرُوفِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [محمد: ٢٤] ج: أَفْتَى بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ غَيْرَ مَا مَرَّةٍ بِأَنَّ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِلَا فَهْمٍ لَا ثَوَابَ لَهُ أَلْبَتَّةَ زَاعِمًا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ: هُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا وَكُنْت لَا أَرْتَضِي مِنْهُ هَذِهِ الْفَتْوَى وَيُحْمَلُ مَا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إنْ صَحَّ إنَّمَا هُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي فَهْمِ الْقُرْآنِ أَحْسَنُ انْتَهَى. (وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ لَمْ يَقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ) وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ» .
(وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقُولَ) مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (عِنْدَ رُكُوبِهِ) أَيْ عِنْدَ وَضْعِ رِجْلِهِ فِي غَرْزِ الرِّكَابِ «بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ» أَيْ الْحَافِظُ «فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ» أَيْ الْوَكِيلُ بِمَعْنَى الرَّازِقِ لَهُمْ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ» أَيْ أَتَحَصَّنُ «بِك مِنْ وَعْثَاءِ» بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَشَقَّةِ «السَّفَرِ وَ» أَعُوذُ بِك مِنْ «كَآبَةِ» بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْهَمْزِ وَالْمَدِّ «الْمُنْقَلَبِ» بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ، أَيْ أَعُوذُ بِك أَنْ أَنْقَلِبَ إلَى مَا يَقْتَضِي كَآبَةً أَيْ سُوءُ حَالٍ مِنْ فَوَاتِ مَا أُرِيدُ أَوْ وُقُوعِ مَا أَحْذَرُ
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْضًا.
[قَوْلُهُ: وَيَتَحَرَّزُ بِهَا] أَيْ يَتَحَصَّنُ بِهَا مِنْ الْمُؤْذِي الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ فِي طَرِيقِ الْمُسَافِرِ.
[قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: أَيْ سَبْعُ لَيَالٍ] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْأَيَّامَ لَا خُصُوصَ اللَّيْلِ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَمَلَ أَكْثَرِ السَّلَفِ] أَيْ وَهُوَ نِهَايَةُ مَا انْتَهَى إلَيْهِ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَاخْتَلَفَتْ طُرُقُهُمْ فِي التَّجْزِئَةِ وَأَحْسَنُهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ثَلَاثُ سُورٍ فَيَقِفُ عَلَى سُورَةِ الْعُقُودِ، وَفِي الثَّانِي خَمْسُ سُورٍ فَيَقِفُ عَلَى يُونُسَ، وَفِي الثَّالِثِ سَبْعُ سُورٍ فَيَقِفُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَفِي الرَّابِعِ تِسْعُ سُورٍ فَيَقِفُ عَلَى الشُّعَرَاءِ، وَفِي الْخَامِسِ إحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً فَيَقِفُ عَلَى الصَّافَّاتِ، وَفِي السَّادِسِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سُورَةً فَيَقِفُ عَلَى الْحُجُرَاتِ، وَفِي السَّابِعِ يَخْتِمُ اهـ.
وَإِنَّمَا قَالَ أَكْثَرُ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ السَّلَفِ كَانُوا يَخْتِمُونَ كُلَّ يَوْمٍ وَذَلِكَ بِحَسَبِ قُوَّةِ حَالِهِمْ أَوْ هُوَ كَرَامَةٌ لَهُمْ كَمَا حُكِيَ عَنْ مُوسَى صَاحِبِ الشَّيْخِ أَبِي مَدْيَنَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ بَيْنَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ خَتْمَةٍ.
[قَوْلُهُ: مَعَ قِلَّةِ الْقُرْآنِ] وَلَوْ زَادَتْ مُدَّتُهَا عَلَى سَبْعِ لَيَالٍ كَمَا فِي تت.
[قَوْلُهُ: مَنْ سَرَدَ حُرُوفَهُ] أَيْ بِلَا تَفَهُّمٍ، وَقَوْلُهُ: عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَمُقَابِلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ السَّرْدَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَهْمِ مَعَ قِلَّةِ الْقُرْآنِ.
[قَوْلُهُ: غَيْرَ مَا مَرَّةٍ] أَيْ غَيْرُ مَرَّةٍ أَيْ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ فَمَا زَائِدَةٌ.
[قَوْلُهُ: يَحْمِلُ أَسْفَارًا] أَيْ كُتُبًا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا [قَوْلُهُ: وَكُنْت لَا أَرْتَضِي] أَيْ فَالْمُعْتَمَدُ حُصُولَ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلْقَارِئِ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ الْمُتَعَبِّدُ بِتِلَاوَتِهِ.
[قَوْلُهُ: لَمْ يَقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ] وَهَذَا مَعَ مَعْرِفَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَانِيَهُ وَفَهْمِ مَا فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ، مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ [قَوْلُهُ: لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ] أَيْ لَمْ يَفْهَمْ مَعَانِيَهُ أَيْ لَمْ يُحِطْ بِمَعْنَاهُ بِتَمَامِهِ.
[قَوْلُهُ: وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ] أَتَى بِهِ كَأَنَّهُ إشَارَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ.
[قَوْلُهُ: لِلْمُسَافِرِ] أَيْ مُرِيدِ السَّفَرِ [قَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ] أَيْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُلْتَزِمِ صِحَّتُهَا [قَوْلُهُ غَرْزُ الرِّكَابِ] الْغَرْزُ رِكَابٌ مِنْ جِلْدٍ تُوضَعُ فِيهِ الرِّجْلُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ، وَفَسَّرَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ بِمُطْلَقِ الرِّكَابِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ زَايٍ مَنْقُوطَةٍ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: لَا حَاجَةَ لِتِلْكَ الْإِضَافَةِ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْئِيِّ لِلْكُلِّيِّ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَضْعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ سَوَاءٌ كَانَ غَرْزًا أَمْ لَا.
[قَوْلُهُ: أَيْ الْحَافِظِ فِي السَّفَرِ. . . إلَخْ] أَيْ بِدَفْعِ الْمَكْرُوهِ عَنْهُ وَتَسْهِيلِ أُمُورِهِ الَّتِي بِهَا صَلَاحُ حَالِهِ.
[قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الرَّازِقِ] الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ كَمَا فِي تت أَيْ الْوَكِيلِ فِي حِفْظِهِمْ بَعْدَ سَفَرِي عَنْهُمْ أَيْ الْقَائِمِ بِأُمُورِهِمْ.
[قَوْلُهُ: أَنْ أَنْقَلِبَ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنْقَلَبَ يَأْتِي مَصْدَرًا وَاسْمَ مَكَان وَهُوَ هُنَا مَصْدَرٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ