للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: ٨٢] وَفِي الْمُوَطَّأِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِالِاسْتِرْقَاءِ» . الْبَاجِيُّ: وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَكِتَابِهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعَلِّقَ. عَلَى النُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضِ الشَّيْءَ مِنْ الْقُرْآنِ إذَا خُرِزَ عَلَيْهِ أَدِيمٌ (وَ) كَذَا لَا بَأْسَ (بِالتَّعَوُّذِ) ق: هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: ٣٦] وَفِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ فِي يَدَيْهِ وَيَمْسَحُ بِهِمَا مَا بَلَغَ مِنْ جَسَدِهِ»

(وَ) كَذَا لَا بَأْسَ بِ (التَّعَالُجِ) أَيْ بِمُعَالَجَةِ الْمَرِيضِ الدَّاءُ بِالدَّوَاءِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» وَأَفْضَلُ مَا يَتَعَالَجُ بِهِ الْحِمْيَةُ وَهِيَ تَرْكُ الطَّعَامِ لِمَا وَرَدَ أَنَّ الْحِمْيَةَ رَأْسُ الدَّوَاءِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ التَّعَالُجِ لَأَغْنَى عَنْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي بَعْدَهُ (وَ) هِيَ (شُرْبُ الدَّوَاءِ) بِفَتْحِ

ــ

[حاشية العدوي]

كَمَا فِي عج.

[قَوْلُهُ: أَمَرَ بِالِاسْتِرْقَاءِ] أَيْ فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ «دُخِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِحَاضِنَتِهِمَا: مَالِي أَرَاهُمَا ضَارِعَيْنِ فَقَالَتْ حَاضِنَتُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ يُسْرِعُ إلَيْهِمَا الْعَيْنَ وَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ نَسْتَرْقِيَ لَهُمَا إلَّا أَنَّا لَا نَدْرِي مَا يُوَافِقُك مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْتَرْقُوا لَهُمَا فَإِنَّهُ لَوْ سَبَقَ شَيْءٌ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ» انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ: ضَارِعَيْنِ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ نَحِيلَيْ الْجِسْمِ، وَقَوْلُهُ: اسْتَرْقُوا بِسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ مِنْ الرُّقْيَةِ وَهِيَ الْعُوذَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَا يُرْقَى بِهِ مِنْ الدُّعَاءِ لِطَلَبِ الشِّفَاءِ، أَيْ اُطْلُبُوا لَهُمَا مَنْ يَرْقِيهِمَا فَإِنْ قُلْت أَمْرُهُ بِالِاسْتِرْقَاءِ يُنَافِي مَا وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرِقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِرْقَاءَ الْمُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى ضَرَرِ الْمَرَضِ، وَالْمَطْلُوبُ فِعْلُهُ فِي حَقِّ الضَّعِيفِ وَلَا يَكُونُ الِاسْتِرْقَاءُ مُنَافِيًا لِلتَّوَكُّلِ.

[قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَعِذْ} [النحل: ٩٨]] أَيْ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ.

[قَوْلُهُ: {الشَّيْطَانِ} [النحل: ٩٨]] مِنْ شَطَنَ إذَا بَعُدَ أَوْ شَاطَ إذَا احْتَرَقَ [قَوْلُهُ: {الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨]] أَيْ الْمَرْجُومُ أَيْ الْمَطْرُودُ.

[قَوْلُهُ: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا} [آل عمران: ٣٦]] أَيْ مَرْيَمَ وَقَوْلُهُ: وَذُرِّيَّتَهَا أَيْ أَوْلَادَهَا، أَيْ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ.

[قَوْلُهُ: إذَا اشْتَكَى] أَيْ مَرِضَ [قَوْلُهُ: بِالْمُعَوِّذَاتِ] بِكَسْرِ الْوَاوِ الْإِخْلَاصُ وَالْفَلَقُ وَالنَّاسُ، فَأَطْلَقَ عَلَى الْإِخْلَاصِ مُعَوِّذَةً تَغْلِيبًا وَلِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ صِفَةِ الْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ إذَا اشْتَكَى قَرَأَ عَلَى نَفْسِهِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ» ، وَكَذَا قَالَ الْحَافِظُ الْمُعْتَمَدُ: أَنَّهُ تَغْلِيبٌ لَا لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُرَادَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي يُتَعَوَّذُ بِهَا مِنْ السُّورَتَيْنِ.

[قَوْلُهُ: وَيَنْفِثُ] بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ أَيْ يُخْرِجُ الرِّيحَ مِنْ فَمِهِ فِي يَدِهِ مَعَ شَيْءٍ مِنْ رِيقِهِ وَيَمْسَحُ جَسَدَهُ.

وَقَالَ الْحَافِظُ: أَيْ يَتْفُلُ بِلَا رِيقٍ أَوْ مَعَ رِيقٍ خَفِيفٍ.

قَالَ عِيَاضٌ: وَفَائِدَةُ النَّفْثِ التَّبَرُّكُ بِتِلْكَ الرُّطُوبَةِ أَوْ الْهَوَاءِ الَّذِي مَسَّهُ الذِّكْرُ كَمَا يُتَبَرَّكُ بِغُسَالَةِ مَا يُكْتَبُ مِنْ الذِّكْرِ وَفِيهِ تَفَاؤُلٌ بِزَوَالِ الْأَلَمِ وَانْفِصَالِهِ كَانْفِصَالِ ذَلِكَ النَّفَسِ، وَخَصَّ الْمُعَوِّذَاتِ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّعَوُّذِ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا فَفِي الْإِخْلَاصِ كَمَالُ التَّوْحِيدِ، وَفِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ مَا يَعُمُّ الْأَشْبَاحَ وَالْأَرْوَاحَ، قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ شَارِحُ الْحَدِيثِ.

[قَوْلُهُ: يَمْسَحُ بِهِمَا مَا بَلَغَ مِنْ جَسَدِهِ] أَيْ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، فَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا أَمْكَنَهُ مِنْ جَسَدِهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَسْتُورًا بِاللِّبَاسِ، هَذَا مَا ظَهَرَ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ فِي مُسْلِمٍ إلَّا قَوْلَهُ: كَانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ فِي يَدَيْهِ إلَى آخِرِهَا.

[قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا بَأْسَ بِالتَّعَالُجِ] أَيْ يَجُوزُ التَّعَالُجُ بَلْ صَرَّحَ ق بِاسْتِحْبَابِهِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ بِمُعَالَجَةٍ] وَلَا يُعَالِجُ الْمَرِيضَ إلَّا الْعَالِمُ بِالطِّبِّ لِئَلَّا يَضُرَّهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْفَعُهُ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالطِّبِّ وَمَاتَ الْعَلِيلُ مِنْ عِلَاجِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ.

[قَوْلُهُ: الْحَمِيَّةُ] هِيَ خُلُوُّ الْمَعِدَةِ مِنْ الْأَكْلِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَيَنْدُبُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقْتَصِرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>