فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ أَدْرَكَ مَالِكٌ زَمَانَنَا لَاتَّخَذَ أَسَدًا ضَارِيًا
(وَلَا بَأْسَ بِخِصَاءِ) بِالْمَدِّ (الْغَنَمِ) الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ (لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ لُحُومِهَا) وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: غَنَمٌ فَإِنَّ الْخِصَاءَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا (وَنُهِيَ عَنْ خِصَاءِ الْخَيْلِ) ق: يَعْنِي نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، قِيلَ: نَهْيَ تَحْرِيمٍ وَأَمَّا خِصَاءُ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَجَائِزٌ وَخِصَاءُ الْآدَمِيِّ حَرَامٌ إجْمَاعًا
(وَيُكْرَهُ الْوَسْمُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الْعَلَامَةُ بِالنَّارِ أَوْ بِالشَّرْطِ (فِي الْوَجْهِ) لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ، أَمَّا لَوْ كَانَ بِصَبْغِ حِنَّاءٍ أَوْ غَيْرِهِ لَجَازَ (وَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ بِالْمَوْسِمِ (فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ الْوَجْهِ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ وَأَرْخَصَ فِي السِّمَةِ فِي الْأُذُنِ» (وَيَتَرَفَّقُ بِالْمَمْلُوكِ) فِي أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَحَمْلِهِ (وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُوَطَّأِ: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» .
ــ
[حاشية العدوي]
مَنْ كَانَ لَا يُحِبُّ عَلِيًّا أَكْثَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَهُوَ كَافِرٌ.
[قَوْلُهُ: ضَارِيًا] أَيْ مُجْتَرِئًا أَيْ لَهُ جَرَاءَةٌ.
[قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِخِصَاءِ. . . إلَخْ] أَيْ فَهُوَ جَائِزٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ.
[قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ لُحُومِهَا] لِأَنَّهُ يُطَيِّبُهُ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ كَانَ الْخِصَاءُ بِقَطْعِ الْخُصْيَتَيْنِ أَوْ سَلِّهِمَا مَعَ بَقَاءِ الْجِلْدِ.
[قَوْلُهُ: قِيلَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ] أَيْ النَّهْيُ عَنْ خِصَاءِ الْخَيْلِ أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْقِصُ الْقُوَّةَ وَيُذْهِبُ النَّسْلَ مِنْهَا مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الرُّكُوبُ وَمُقَابِلٌ، قِيلَ: مَا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّلْقِينِ مِنْ الْكَرَاهَةِ فَقَدْ قَالَ وَيُكْرَهُ خِصَاءُ الْخَيْلِ وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْأَوَّلِ يُفِيدُ أَنَّهُ الرَّاجِحُ إلَّا أَنْ يَكْلُبَ الْفَرَسُ فَيَجُوزُ خِصَاؤُهُ
[قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ] وَالْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا كَمَا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ] وَأَمَّا بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فَهُوَ الْأَثَرُ كَائِنًا مَا كَانَ لِوَسْمٍ كَانَ أَوْ لِغَيْرِهِ فَهُوَ أَعْلَمُ، وَلِذَلِكَ رَوَى الْمُصَنِّفُ بِالْوَجْهَيْنِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ أَصَحُّ فِي الرِّوَايَةِ وَالْأُولَى أَصَحُّ مَعْنًى كَمَا فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: فِي الْوَجْهِ] أَيْ وَجْهِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَقَدْ أَنْكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ وَسَمَ حِمَارًا فِي وَجْهِهِ بِالْكَيِّ.
[قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرُ الْوَجْهِ] أَيْ كَالْجَمَلِ وَالْفَرَسِ وَالْبَقَرَةِ تَوَسُّمُهَا فِي رَقَبَتِهَا أَوْ جَنْبِهَا أَوْ الْغَنَمِ فِي أُذُنَيْهَا لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِغَيْرِهَا، وَيَعْرِفَهَا مَالِكُهَا بِوَسْمِ اسْمِهِ عَلَيْهَا وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ، وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَيَحْرُمُ الْوَسْمُ فِي وَجْهِهِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ تت.
[قَوْلُهُ: وَأَرْخَصَ فِي السِّمَةِ] أَيْ الْعَلَامَةِ فِي الْأُذُنِ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَحْتَاجُ لَهَا لِلتَّمْيِيزِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ السِّمَةُ يُقَوِّي قِرَاءَةَ الْمُصَنِّفِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ.
[قَوْلُهُ: فِي أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَحَمْلِهِ] كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ وَحَمْلُهُ بِالْحَاءِ وَالْأَحْسَنُ مَا فِي التَّحْقِيقِ وَعِلْمُهُ بِالْعَيْنِ لِأَنَّ الْعَمَلَ أَعَمُّ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ] أَيْ فَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُكَلِّفَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمَا وَلَا مَا لَا تَتَحَمَّلُهُ أَبْدَانُهُمَا مِنْ الْخِدْمَةِ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُمَا مِمَّا لَا يَقْدِرَانِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ دَأْبُ أَهْلِ الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ، وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطْحَنُ مَعَ الْخَادِمِ كَذَا قَالَ ك فَإِذَا كَلَّفَ مَمْلُوكَهُ مَا لَا يُطِيقُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: بِالْمَعْرُوفِ] قَالَ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ: لِلْمَمْلُوكِ اللَّامُ لِلتَّمْلِيكِ أَيْ طَعَامُ الْمَمْلُوكِ وَكِسْوَتُهُ حَقٌّ لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ فَقَدَّمَ الْخَبَرَ لِأَنَّهُ أَهَمُّ إذْ الْمُقَامُ بِصَدَدِ تَمْلِيكِهِ مَا ذُكِرَ.
وَقَوْلُهُ: بِالْمَعْرُوفِ أَيْ بِلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ عَلَى اللَّائِقِ بِأَمْثَالِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ أَيْ الْمَمْلُوكِ قَالَ الْحَافِظُ: مُقْتَضَاهُ الرَّدُّ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ فَمَنْ زَادَ عَلَيْهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا فَالْوَاجِبُ مُطْلَقُ الْمُوَاسَاةِ لَا الْمُوَاسَاةُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَمَنْ أَخَذَ بِالْأَكْمَلِ فَعَلَ الْأَفْضَلَ مِنْ عَدَمِ اسْتِئْثَارِهِ عَلَى عِيَالِهِ، وَإِنْ جَازَ كَذَا قَالَ شَارِحُهَا: وَقَوْلُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ أَيْ الدَّوَامَ عَلَيْهِ أَيْ لَا يُكَلَّفُ إلَّا جِنْسَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَالنَّفْيُ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ لِلْمَمَالِيكِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ، وَأَلْحَقَ بِهِمْ مِنْ مَعْنَاهُمْ مِنْ أَجِيرٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. .