للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دَلَالَةً عَلَى عِظَمِهَا حَيْثُ جُعِلَتْ مُفْتَتَحًا لِلْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. وَالْحَمْدُ لُغَةً الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ؛ لِأَجْلِ جَمِيلٍ اخْتِيَارِيٍّ. وَاصْطِلَاحًا فِعْلٌ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا، وَذَلِكَ الْفِعْلُ إمَّا فِعْلُ الْقَلْبِ أَعْنِي

ــ

[حاشية العدوي]

الْمَذْكُورَةَ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ: لِعِظَمِهَا لَصَحَّ أَيْضًا وَكَانَتْ عِلَّةً بِدُونِ الْوَصْفِ بِكَوْنِهَا غَائِيَّةً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الشَّيْءِ عِلَّةٌ فِيهِ وَتَكُونُ غَائِيَّةً وَغَيْرَ غَائِيَّةٍ. [قَوْلُهُ: حَيْثُ جُعِلَتْ] حَيْثِيَّةَ تَعْلِيلٍ لِقَوْلِهِ: عِظَمِهَا أَيْ إنَّمَا كَانَتْ عَظِيمَةً؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ الَّذِي هُوَ مُنَاسِبٌ لِلرُّبُوبِيَّةِ الَّتِي هِيَ وَصْفٌ ثَابِتٌ دَائِمٌ، وَظَهَرَ مِمَّا قَرَرْنَاهُ أَنَّ الْحَيْثِيَّةَ تَأْتِي لِلتَّعْلِيلِ، وَتَأْتِي لِلتَّقْيِيدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَهَا مَعْنًى ثَالِثٌ وَهُوَ: أَنَّهَا تَكُونُ لِلْإِطْلَاقِ، تَقُولُ: أَكْرِمْ زَيْدًا مِنْ حَيْثُ هُوَ أَيْ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا.

[قَوْلُهُ: مُفْتَتَحًا] أَيْ مُبْتَدَأً كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: لُغَةً] أَيْ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ الْحَمْدِ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ تَقْدِيرًا، وَالْأَصْلُ وَتَفْسِيرُ الْحَمْدِ حَالَةَ كَوْنِهِ كَائِنًا فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْطُ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ مُقْتَضٍ لِلْعَمَلِ. [قَوْلُهُ: الْوَصْفُ] أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِاللِّسَانِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَيَشْمَلُ حَمْدَ الْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَيَّدَ بِاللِّسَانِ بِمَعْنَى آلَةِ النُّطْقِ وَلَوْ غَيْرَ الْمَعْهُودَةِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ كَمَا إذَا نَطَقَتْ يَدُهُ مَثَلًا فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ غَيْرِهِ هُوَ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ اهـ.

[قَوْلُهُ: بِالْجَمِيلِ إلَخْ] الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَحْمُودُ بِهِ لَا لِلسَّبَبِيَّةِ وَإِلَّا لَكَانَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ مُتَكَرِّرًا مَعَ قَوْلِهِ لِأَجْلِ جَمِيلٍ إلَخْ، وَالْمَحْمُودُ بِهِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا كَصَبَاحَةِ الْوَجْهِ وَالْمُرَادُ الْجَمِيلُ، وَلَوْ فِي زَعْمِ الْحَامِدِ أَوْ فِي زَعْمِ الْمَحْمُودِ، لَكِنْ عَلَى زَعْمِ الْحَامِدِ يَدْخُلُ الْوَصْفُ بِالظُّلْمِ عِنْدَ اعْتِقَادِ مَنْ ذُكِرَ حُسْنُهُ بِخِلَافِ الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا.

وَأَرْكَانُ الْحَمْدِ خَمْسَةٌ: حَامِدٌ وَمَحْمُودٌ وَمَحْمُودٌ بِهِ وَمَحْمُودٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ. وَالتَّعْرِيفُ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهَا، فَالْوَصْفُ يَتَضَمَّنُ وَاصِفًا وَمَوْصُوفًا أَيْ الْحَامِدَ وَالْمَحْمُودَ، وَالثَّالِثُ هُوَ قَوْلُهُ: بِالْجَمِيلِ.

وَالرَّابِعُ: هُوَ قَوْلُهُ لِأَجْلِ جَمِيلٍ اخْتِيَارِيٍّ، وَالْمَحْمُودُ بِهِ مَعْنًى فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَالٍّ عَلَيْهِ وَهِيَ الصِّيغَةُ الَّتِي هِيَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ عَلَى جِهَةٍ هِيَ التَّعْظِيمُ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ، فَلَا يُقَالُ لَهُ حَمْدٌ، وَهُنَا سُؤَالٌ وَجَوَابٌ اُنْظُرْهُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْعِزِّيَّةِ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَمْ يَحْذِفْ جِهَةَ إشْعَارًا بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحَمْدِ لَيْسَ نَفْسَ التَّعْظِيمِ الظَّاهِرِيِّ الَّذِي هُوَ مُوَافَقَةُ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ طَرِيقَتُهُ وَطُرُزُهُ أَعْنِي عَدَمَ مُخَالَفَةِ الْأَرْكَانِ، وَكَذَا الْحَالُ فِي التَّعْظِيمِ الْبَاطِنِيِّ. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ جَمِيلٍ إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْجَمِيلُ، مُتَعَدِّيًا كَالْإِنْعَامِ عَلَى الْغَيْرِ أَوْ قَاصِرًا كَحُسْنِ خَطِّهِ. [قَوْلُهُ: اخْتِيَارِيٌّ] أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، فَشَمَلَ الْحَمْدَ عَلَى ذَاتِ الْمَوْلَى وَصِفَاتِهِ، فَإِنَّهَا اخْتِيَارِيَّةٌ حُكْمًا، أَمَّا الذَّاتُ، فَلِأَنَّهَا مَنْشَأُ أَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ، وَأَمَّا الصِّفَاتُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ ذَاتَهُ الْمُقَدَّسَةَ اسْتَلْزَمَتْهَا اسْتِلْزَامًا لَا يَقْبَلُ الِانْفِكَاكَ، فَنَزَلَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ بِسَبَبِ اسْتِلْزَامِ الذَّاتِ إيَّاهَا مَنْزِلَةَ أَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ لَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالذَّاتِ، الصِّفَاتُ بِالِاسْتِلْزَامِ وَالْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ بِالْإِيجَادِ.

[قَوْلُهُ: وَاصْطِلَاحًا] أَيْ اصْطِلَاحَ النَّاسِ أَيْ عُرْفَهُمْ لَا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، إذْ لَوْ كَانَ مُرَادًا لَاخْتَصَّ الْمُتَعَلِّقُ بِاَللَّهِ تَعَالَى.

[قَوْلُهُ: فِعْلٌ إلَخْ] الْمُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ وَالشَّأْنُ عَلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ اللُّغَةِ كَمَا ذَكَرَهُ حَفِيدُ السَّعْدِ أَيْ فَصَحَّ شُمُولُهُ لِمَا كَانَ بِاللِّسَانِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ قَوْلٌ لَا فِعْلٌ، وَلَمَّا كَانَ بِالْجَنَانِ وَهُوَ كَيْفِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ لَا فِعْلٌ قَالَهُ الشَّيْخُ يَاسِينُ. [قَوْلُهُ: يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِ إلَخْ] ظَاهِرٌ فِي اللِّسَانِ وَفِعْلِ الْجَوَارِحِ، وَأَمَّا فِعْلُ الْقَلْبِ فَهُوَ خَفِيٌّ، فَيُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْحَامِدِ بِإِلْهَامٍ أَوْ بِقَوْلٍ مِنْ الْحَامِدِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْ الْحَامِدِ حَمْدًا وَاحِدًا وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْآخَرِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا] أَيْ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ إمَّا بِفَعَلَ أَوْ بِيَشْعُرُ أَوْ بِتَعْظِيمٍ أَيْ لَا بِاعْتِبَارِهِ وَحْدَهُ بَلْ بِاعْتِبَارِ تَقْيِيدِهِ بِغَيْرِهِ [قَوْلُهُ: بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا] مَفْهُومٌ مِنْ تَعَلُّقِ تَعْظِيمٍ بِالْمُنْعِمِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِعِلِّيَّةِ الْمَأْخَذِ وَهُوَ الْإِنْعَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>