عَلَيْهِ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَكَانَ شُكْرُ الْمُنْعِمِ وَاجِبًا قَالَ:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ) أَدَاءً لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» . وَلَا يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ، حَدِيثُ الْبَسْمَلَةِ الْمُتَقَدِّمِ. فَإِنَّ حَدِيثَ الْبَسْمَلَةِ حُمِلَ عَلَى ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ بِحَيْثُ لَا يَسْبِقُهُ أَمْرٌ مِنْ الْأُمُورِ، وَحَدِيثُ التَّحْمِيدِ عَلَى ابْتِدَاءِ مَا عَدَا التَّسْمِيَةَ، وَآثَرَ الِابْتِدَاءَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ
ــ
[حاشية العدوي]
الْبَدَنِ وَالسَّعَةُ فِي الْعِلْمِ وَالْمَالِ، وَمَنْ قَرَأَ كِتَابَهُ هَذَا وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ جَمِيعُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ أَوْ بَعْضُهَا، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِخَلِيفَةِ مَالِكٍ وَبِمَالِكٍ الْأَصْغَرِ، وَكَانَ يُقَالُ فِيهِ: قُطْبُ الْمَذْهَبِ، وَكَانَ صَاحِبَ فِرَاسَةٍ فَرُبَّمَا قَالَ: حَدَّثَتْنِي نَفْسِي أَنَّ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ كَذَا وَكَذَا سُؤَالًا فَأَيُّكُمْ صَاحِبُ سُؤَالِ كَذَا فَيَقُولُ: أَنَا فَيُجِيبُهُ. [قَوْلُهُ: فِي الْأَصْلِ] تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَخَّصَهُ مِنْ شَرْحَيْنِ الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ، فَهُمَا الْأَصْلُ ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ كُلًّا مِنْهُمَا، أَوْ أَحَدَهُمَا يُعْلَمُ تَحْقِيقُ ذَلِكَ بِمُرَاجَعَتِهِمَا.
[قَوْلُهُ: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ] أَيْ عَلَى نَقْلِنَا جُمْلَةً مِنْ مَنَاقِبِهِ؛ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ حَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ أَوْ لِشَرْحِهِ الْبَرَكَةُ، أَوْ لِكَوْنِهِ تَحْصِيلَ عِلْمٍ وَهُوَ نِعْمَةٌ فَيَنْبَغِي الْحَمْدُ عَلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ، أَوْ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى تِلْكَ الْمَنَاقِبِ وَالسِّيرَةِ فَيَكُونُ حَمْدًا عَلَى نِعْمَةٍ وَاصِلَةٍ لِلْغَيْرِ. [قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ تَأْلِيفُ هَذَا الْكِتَابِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ جَمْعُ نِعْمَةٍ بِمَعْنَى مُنْعَمٍ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْإِقْدَارُ عَلَيْهِ] أَيْ جَعَلَ لَهُ قُدْرَةً عَلَيْهِ، وَالْجَعْلُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ بِوُجُودِ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ، فَهُوَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ جَمْعِ نِعْمَةٍ بِمَعْنَى إنْعَامٍ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنِّعَمِ مَا يَشْمَلُ الْمُنْعَمَ بِهِ، وَيَكُونُ نَاظِرًا إلَى الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ التَّأْلِيفُ وَنَفْسُ الْإِنْعَامِ، وَيَكُونُ نَاظِرًا إلَى الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْإِقْدَارُ.
[قَوْلُهُ: وَكَانَ شُكْرُ الْمُنْعِمِ وَاجِبًا] أَيْ مُتَأَكِّدًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الشُّكْرُ اللِّسَانِيُّ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ لِأَنَّهُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ.
[قَوْلُهُ: أَدَاءً لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ] أَيْ تَأَكَّدَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: كُلُّ أَمْرٍ إلَخْ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَعْمُولِيَّةِ أَوْ الْبَدَلِيَّةِ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ أَجْذَمُ] أَيْ كَالرَّجُلِ الْأَجْذَمِ أَيْ الْأَقْطَعِ، كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، أَوْ مَنْ قَامَ بِهِ الْجُذَامُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَمَا قِيلَ فِي أَقْطَعَ مِنْ التَّشْبِيهِ وَالِاسْتِعَارَةِ يُقَالُ فِي أَجْذَمَ.
[قَوْلُهُ: هَذَا الْحَدِيثُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعَارَضَةَ مُفَاعَلَةٌ تَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَيَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الْحَدِيثُ فَاعِلًا وَحَدِيثَ مَفْعُولًا وَالْعَكْسُ، إلَّا أَنَّ الْأَنْسَبَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْبَسْمَلَةِ مُتَقَدِّمٌ اعْتِبَارًا فَتُسْنَدُ الْمُعَارَضَةُ لِلْمُتَأَخِّرِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ حَدِيثَ إلَخْ] أَيْ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَيْنِ إذَا كَانَ ظَاهِرُهُمَا التَّعَارُضَ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَانَ إعْمَالُهُمَا أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِمَا، أَوْ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ هُنَا مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: بِحَيْثُ إلَخْ] حَيْثِيَّةُ تَقْيِيدٍ أَيْ بِقَيْدٍ وَإِضَافَةِ قَيْدٍ لِمَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: وَحَدِيثُ التَّحْمِيدِ] التَّحْمِيدُ مَصْدَرُ حَمَّدَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ أَكْثَرَ مِنْ الْحَمْدِ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَالْأَنْسَبُ وَحَدِيثُ الْحَمْدِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْحَمْدِ.
[قَوْلُهُ: عَلَى ابْتِدَاءِ مَا عَدَا التَّسْمِيَةَ] أَيْ عَلَى ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ خَلَا جُمْلَةَ الْبَسْمَلَةِ فَإِنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ أَيْ وَمَا عَدَا قَوْلَهُ: وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حُمِلَ عَلَى الِابْتِدَاءِ مَا عَدَا التَّسْمِيَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ حَدِيثَ الْبَسْمَلَةِ حُمِلَ عَلَى الِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَالْحَمْدَلَةُ عَلَى الْإِضَافِيِّ وَبَيْنَهُمَا التَّبَايُنُ عَلَى تَقْرِيرِهِ، فَإِنْ قُلْت هَلَّا عُكِسَ الْأَمْرُ بِحَمْلِ حَدِيثِ الْحَمْدَلَةِ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَالْبَسْمَلَةِ عَلَى الْإِضَافِيِّ؟ قُلْت: إنَّمَا لَمْ يَعْكِسْ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْبَسْمَلَةِ أَقْوَى مِنْ حَدِيثِ الْحَمْدَلَةِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْبَسْمَلَةِ صَحِيحٌ وَحَدِيثَ الْحَمْدَلَةِ حَسَنٌ كَذَا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِمُوَافَقَةِ كِتَابِ اللَّهِ الْوَارِدِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ سَمَّى إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ، فَالْمُرَادُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَكَأَنَّهَا أَيْ التَّسْمِيَةُ صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهَا فَلَا اعْتِرَاضَ.
[قَوْلُهُ: وَآثَرَ] أَيْ فَضَّلَ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: آثَرْته بِالْمَدِّ فَضَّلْتُهُ اهـ. أَيْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ فَضَّلَهُ حَيْثُ تَلَبَّسَ بِهِ وَاتَّصَفَ بِهِ.
[قَوْلُهُ: دَلَالَةً] أَيْ لِأَجْلِ الدَّلَالَةِ عَلَى عِظَمِهَا فَهِيَ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّلَالَةَ