للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ، لِأَنَّهُ لَمَّا وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِإِيجَادِ هَذَا التَّأْلِيفِ صَارَ كَالْمُحَقَّقِ الْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ فِي مَوَاطِنَ مِنْ الشَّرْعِ. ثَانِيهَا: لِأَيِّ شَيْءٍ زَكَّى نَفْسَهُ وَفِيهَا تَزْكِيَةٌ وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنْهَا قَالَ تَعَالَى {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: ٣٢] أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَنْ بَلَغَ دَرَجَةَ التَّأْلِيفِ، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صُنْعِ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ، وَمَنَاقِبُ الشَّيْخِ وَسِيرَتُهُ مَعْرُوفَةٌ نَقَلْنَا مِنْهَا جُمْلَةً فِي الْأَصْلِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَلَمَّا كَانَ تَأْلِيفُ هَذَا الْكِتَابِ وَالْإِقْدَارُ

ــ

[حاشية العدوي]

وَقَوْلُهُ: مَوْضِعَ الْمُسْتَقْبَلِ أَيْ مَوْضِعَ الْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ بِالْقَرِينَةِ، وَهُوَ لَفْظُ الْمُضَارِعِ. [قَوْلُهُ: تَنْزِيلًا لَهُ] أَيْ لِلْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ بِمَعْنَى الْحَدَثِ، فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ أَوْ أَنَّ الْعِبَارَةَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ لِمَدْلُولِهِ الَّذِي هُوَ الْحَدَثُ الِاسْتِقْبَالِيُّ وَهُوَ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ تَنْزِيلِهِ إلَخْ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ] عِلَّةٌ لِتِلْكَ الْعِلَّةِ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ ظُهُورِهِ إذْ هُوَ إنَّمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا مُسْتَقِلًّا لِلِاسْتِعْمَالِ الْمَذْكُورِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَلِّلَ التَّنْزِيلَ بِقَوْلِهِ: لِرَغْبَتِهِ فِي حُصُولِهِ أَوْ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي تَعْلِيلِ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَثِقَ إلَخْ.

[قَوْلُهُ: بِإِيجَادِ هَذَا التَّأْلِيفِ] أَيْ الْمُؤَلَّفِ وَأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ، وَالْأَصْلُ بِإِيجَادِهِ أَيْ إيجَادِ اللَّهِ إيَّاهُ أَوْ إيجَادِهِ هُوَ بِمَعْنَى اكْتِسَابِهِ.

[قَوْلُهُ: كَالْمُحَقَّقِ الْمَوْجُودِ إلَخْ] يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الْمَوْجُودِ، تَفْسِيرًا لِلْمُحَقَّقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَيْ كَالْمَوْجُودِ بِالْفِعْلِ الْمُحَقَّقِ، أَيْ الَّذِي لَا شَكَّ فِي وُجُودِهِ، أَيْ وَإِذَا صَارَ كَالْمُحَقَّقِ الْمَوْجُودِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ] أَيْ الظَّنُّ الْغَالِبُ أَيْ الْقَوِيُّ بَلْ الظَّنُّ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ يُجْعَلُ كَالْيَقِينِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الشَّرْعِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ صَارَ كَالْمُحَقَّقِ. [قَوْلُهُ: فِي مَوَاطِنَ إلَخْ] أَيْ كَالْوُضُوءِ لَا كَالصَّلَاةِ، أَيْ فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ وُضُوءَهُ بَاقٍ وَتَوَهَّمَ عَدَمَ بَقَائِهِ فَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ، وَإِذَا ظَنَّ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَتَوَهَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً فَقَطْ فَيَعْمَلُ عَلَى رَكْعَةٍ فَقَطْ، وَأَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْبَحْثَ مَرْجِعُهُ عِلْمُ الْبَيَانِ لَا الشَّرْعُ، فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ إلَخْ.

[قَوْلُهُ: وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ] أَيْ الشَّارِعُ الَّذِي هُوَ اللَّهُ حَقِيقَةً، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجَازًا أَيْ نَهْيَ تَحْرِيمٍ، إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْجَابِ أَوْ الرِّيَاءِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِرَافِ بِالنِّعْمَةِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: جَائِزٌ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: ١١] ، وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ إذَا انْتَفَى قَصْدُ كُلٍّ مِنْ الرِّيَاءِ وَالْإِعْجَابِ وَالِاعْتِرَافِ تَرْجِيحًا لِجَانِبٍ دَرْءِ الْمَفْسَدَةِ.

وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ إمَّا تَحْرِيمٌ أَوْ كَرَاهَةٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ. [قَوْلُهُ: بِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَنْ بَلَغَ دَرَجَةَ إلَخْ] أَيْ بِأَنَّ التَّكْنِيَةَ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا أَوْ التَّزْكِيَةَ الْمُتَحَقِّقَةَ بِهَا وَبِغَيْرِهَا وَهُوَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَعَاظَمْ بِالْعِلْمِ» . وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ عَظَّمَهُ لَا الْفَخْرَ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّهُ مَذْمُومٌ. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: ١١] . وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ الْمُجَامِعُ لِلنَّدْبِ، وَإِضَافَةُ دَرَجَةٍ لِمَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ أَيْ سَوَاءٌ أَلَّفَ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ دَرَجَةَ التَّدْرِيسِ عَلَى وَجْهِهَا الْمَرَضِيِّ تَسْتَلْزِمُ دَرَجَةَ التَّأْلِيفِ وَأَنَّ مَنْ بَلَغَ دَرَجَةَ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ كَالْكَرَمِ يَجُوزُ لَهُ التَّكْنِيَةُ

[قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّ ذَلِكَ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الَّذِي كَنَّاهُ إنَّمَا هُوَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَكَتَبُوهَا كَذَلِكَ لِاسْتِحْبَابِ مُخَاطَبَةِ أَهْلِ الْفَضْلِ بِهَا كَمَا فِي تت، وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ التَّكْنِيَةَ مُسْتَحَبَّةٌ صَدَرَتْ مِنْ الْمَشَايِخِ أَوْ مِنْ التَّلَامِذَةِ، وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ يَمْنَعْ أَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ عَلَى عُمُومِهَا وَالثَّانِي بِالتَّسْلِيمِ.

[قَوْلُهُ: مِنْ صُنْعِ] مِنْ لِلِابْتِدَاءِ أَيْ نَاشِئًا مِنْ صُنْعِ لَا أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ. [قَوْلُهُ: وَمَنَاقِبُ الشَّيْخِ] جَمْعُ مَنْقَبَةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْفِعْلِ الْكَرِيمِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَسِيرَتُهُ] أَيْ طَرِيقَتُهُ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْقَبَةِ لِانْفِرَادِهَا بِتَلْقِيبِهِ بِمَالِكٍ الْأَصْغَرِ مَثَلًا إذْ لَا يُقَالُ فِيهِ مَنْقَبَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلًا لَهُ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: مَعْرُوفَةٌ] أَيْ فَلَا يَتَأَتَّى الطَّعْنُ فِيهَا. [قَوْلُهُ: نَقَلْنَا مِنْهَا جُمْلَةً إلَخْ] مِنْهَا كَثْرَةُ حِفْظِهِ. وَدِيَانَتِهِ وَكَمَالُ وَرَعِهِ وَزُهْدِهِ وَصَلَهُ اللَّهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: صِحَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>