للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِحَظٍّ وَافِرٍ» .

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (وَاللَّجَأُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْجِيمِ أَيْ الِاسْتِنَادُ وَالرُّجُوعُ (إلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) أَيْ الْقُرْآنِ (وَ) إلَى (سُنَّةِ نَبِيِّهِ) مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا أَفْعَالُهُ وَأَقْوَالُهُ وَتَقْرِيرَاتُهُ (وَ) إلَى (اتِّبَاعِ سَبِيلِ) أَيْ طَرِيقِ (الْمُؤْمِنِينَ) الْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْإِجْمَاعُ (وَ) اتِّبَاعِ (خَيْرِ الْقُرُونِ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وَقَوْلُهُ: (نَجَاةٌ) خَبَرُ اللَّجَأِ ثُمَّ بَيَّنَ ثَمَرَةَ الرُّجُوعِ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ: (فَفِي الْمَفْزَعِ) أَيْ اللَّجَأِ (إلَى ذَلِكَ) أَيْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (الْعِصْمَةُ) أَيْ الْحِفْظُ وَالِامْتِنَاعُ وَقَوْلُهُ: (وَفِي اتِّبَاعِ) سَبِيلِ (السَّلَفِ الصَّالِحِ) الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَهْلُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ، وَمَنْ اتَّصَفَ بِأَوْصَافِهِمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ (النَّجَاةُ) أَيْ الْخَلَاصُ تَكْرَارٌ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَهُمْ الْقُدْوَةُ) مُثَلَّثُ الْقَافِ (فِي تَأْوِيلِ مَا تَأَوَّلُوهُ وَاسْتِخْرَاجِ مَا اسْتَنْبَطُوهُ) التَّأْوِيلُ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ ".

ــ

[حاشية العدوي]

فِي الْأَوَّلِ وَكَذَا فِي الثَّانِي عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ أَيْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا وَأَخَذْنَاهُ عَنْهُ قَدْ جَاءُوا بِهِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ عُلَمَاءُ كُلِّ أَمَةٍ وَرَثَةُ نَبِيِّهَا، [قَوْلُهُ: فَمَنْ أَخَذَهُ] أَيْ تَنَاوَلَهُ.

[قَوْلُهُ: أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ] أَيْ بِنَصِيبٍ تَامٍّ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا وَرِثَهُ خَوَاصُّهُ فَهُوَ أَعْظَمُ وِرَاثَةً، وَفِي التَّعْبِيرِ بِأَخَذَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَعْيٍ فِي تَحْصِيلِهِ وَأَنَّهُ لَا يُنَالُ عَادَةً بِدُونِهِ وَأَنَّ الِالْتِفَاتَ إلَى حُصُولِهِ بِدُونِهِ طَمَعٌ مَذْمُومٌ.

[قَوْلُهُ: وَالرُّجُوعُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا] أَيْ وَأَمَّا فِي غَيْرِ مَا هُنَا فَيُرَادُ بِهَا مَا يَشْمَلُ أَوْصَافَهُ [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهَا] أَيْ بِالطَّرِيقِ، وَقَوْلُهُ: هُنَا يُفِيدُ أَنَّ طَرِيقَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ يُرَادُ بِهَا مَعْنًى غَيْرُ الْإِجْمَاعِ كَأَنْ يُرَادَ طَرِيقَتُهُمْ مِنْ التَّقْوَى وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ.

[قَوْلُهُ: مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ] ، مِنْ بَيَانِيَّةٌ أَيْ الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أَيْ أُظْهِرَتْ لِلنَّاسِ [قَوْلُهُ: نَجَاةٌ] أَيْ خَلَاصٌ مِنْ الْهَلَاكِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي يَعْلَمُ أَحْكَامَهَا، وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَيَكْفِيهِ اتِّبَاعُ مَذْهَبِ مُقَلِّدِهِ [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ ثَمَرَةَ الرُّجُوعِ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الثَّمَرَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ النَّجَاةُ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا لِأَنَّ الْمَعْنَى بِسَبَبِ نَجَاةٍ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّةَ كَوْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَبَبَ النَّجَاةِ بِقَوْلِهِ: فَفِي. . . إلَخْ.

[قَوْلُهُ: أَيْ اللَّجَأُ] أَيْ فَأَرَادَ بِالْمَفْزَعِ الْفَزَعَ [قَوْلُهُ: أَيْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكِتَابِ. . . إلَخْ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ: وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ [قَوْلُهُ: وَالِامْتِنَاعُ] أَيْ مِنْ الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَهْلُ الْقُرُونِ] أَيْ لَا خُصُوصَ الصَّحَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا تَكْرَارَ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ تَكْرَارٌ.

[قَوْلُهُ: مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ] لَا مُطْلَقِ الْأَهْلِ لَكِنَّ هَذَا فِيمَنْ عَدَا الْأَوَّلَ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْ اتَّصَفَ بِأَوْصَافِهِمْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَهْلُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ.

[قَوْلُهُ: مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ] أَيْ اتَّصَفَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَجَعَلَهُ فِي التَّحْقِيقِ تَكْرَارًا بِقَيْدِ أَنْ يُرَادَ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ خُصُوصُ الصَّحْبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ حَكَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا عَنْ ك ثُمَّ قَالَ ك: وَإِنَّمَا كَانُوا قُدْوَةً فِيمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُمْ جَمَعُوا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ الْعِلْمَ الْكَامِلَ وَالْوَرَعَ الْفَاضِلَ وَالنَّظَرَ السَّدِيدَ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِمْ الْإِصَابَةُ وَلَوْلَا هَذِهِ الشُّرُوطُ مَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ.

[قَوْلُهُ: كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ. . . إلَخْ] عَلَى تَسْلِيمِ التَّكْرَارِ بِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا الشَّامِلِ لِأَهْلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهُمْ الْقُدْوَةُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقَلِّدِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ إلَّا الصَّحْبَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ تَأْوِيلِ مَا تَأَوَّلُوهُ وَاسْتِنْبَاطِ مَا اسْتَنْبَطُوهُ، وَأَمَّا عَلَى قَصْرِ السَّلَفِ الصَّالِحِ عَلَى الصَّحْبِ فَقَطْ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّكْرَارُ يَكُونُ قَوْلُهُ: وَهُمْ الْقُدْوَةُ. . . إلَخْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَهِدِ وَالْمُقَلِّدِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا يَقُولُ: إنَّ الصَّحَابِيَّ فَقَطْ يُقَلَّدُ فِيمَا يَسْتَنْبِطُهُ أَوْ يَتَأَوَّلُهُ وَأَمَّا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: مُثَلَّثُ الْقَافِ] إلَّا أَنَّ الْفَتْحَ لَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ أَيْ الْمُتَّبَعُونَ.

[قَوْلُهُ: لَا صَلَاةَ. . . إلَخْ] فَظَاهِرُهُ لَا صَلَاةَ صَحِيحَةً، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ الْأَصْلِيِّ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ مِنْ أَصْلِهَا وَلَا يَصِحُّ قَطْعًا فَيُلْتَفَتُ إلَى الْقَرِيبِ مِنْهُ، وَهُوَ نَفْيُ الْكَمَالِ فَيَكُونُ نَفْيُ الصِّحَّةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ هُوَ الظَّاهِرُ فَتَقْدِيرُهُ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً تَأْوِيلٌ لِأَنَّهُ صَرَفَ النَّظَرَ عَنْ ظَاهِرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>