للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا، إلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحَيَّتَانِ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالَمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ

ــ

[حاشية العدوي]

أَحْمَدَ بَابَا، [قَوْلُهُ: وَقَائِدٌ إلَيْهَا] عَطْفٌ مُرَادِفٌ.

[قَوْلُهُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا] أَيْ طَرِيقًا حِسِّيَّةً أَوْ مَعْنَوِيَّةً، وَنَكَّرَهَا لِيَتَنَاوَلَ أَنْوَاعَ الطَّرِيقِ الْمُوصِلَةِ إلَى تَحْصِيلِ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: يَلْتَمِسُ حَالٌ أَوْ صِفَةٌ أَيْ يَطْلُبُ فَاسْتَعَارَ لَهُ اللَّمْسَ.

[قَوْلُهُ: فِيهِ] أَيْ فِي غَايَتِهِ أَوْ بِسَبَبِهِ وَإِرَادَةُ الْحَقِيقَةِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ لِبُعْدِهِ.

[قَوْلُهُ: عِلْمًا] نَكَّرَهُ لِيَشْمَلَ كُلَّ عِلْمٍ وَآلَتَهُ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ مَا جَلَّ وَقَلَّ وَتَقْيِيدُهُ بِقَصْدِ وَجْهِ اللَّهِ لَا حَاجَةَ لَهُ لِاشْتِرَاطِهِ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ لَكِنْ قَدْ يُعْتَذَرُ لِقَائِلِهِ هُنَا بِأَنَّ تَطَرُّقَ الرِّيَاءِ بِالْعِلْمِ أَكْثَرُ فَاحْتِيجَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْإِخْلَاصِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: يَلْتَمِسُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ الْجَزَاءِ الْمَوْعُودِ بِهِ حُصُولُهُ فَيَحْصُلُ إذَا بَذَلَ الْجَهْدَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ وَإِنْ لَمْ يُحَصِّلْ شَيْئًا لِنَحْوِ بَلَادَةٍ.

[قَوْلُهُ: لَهُ] كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ نُسَخِهِ وَنُسَخِ تَحْقِيقِ الْمَبَانِي وتت، وَفِي الْجَامِعِ بِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ أَيْ بِسَبَبِ السُّلُوكِ الْمَفْهُومِ مِنْ سَلَكَ أَوْ عَائِدٌ عَلَى مَنْ، وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ طَرِيقًا فِي الْآخِرَةِ أَوْ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يُوَفِّقَهُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِتَعَبٍ وَنَصَبٍ، وَأَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا فَمَنْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ فِي طَلَبِهِ سَهُلَتْ لَهُ سُبُلُ الْجَنَّةِ سِيَّمَا إنْ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ، قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُجَازِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْ يَسْلُكَ بِهِ طَرِيقًا لَا صُعُوبَةَ فِيهِ وَلَا هَوْلَ إلَى أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ سَالِمًا [قَوْلُهُ: وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ] يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْكُلُّ وَيَحْتَمِلُ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْهُمْ.

[قَوْلُهُ: لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا] جَمْعُ جَنَاحٍ وَهُوَ لِلطَّائِرِ بِمَنْزِلَةِ الْيَدِ لِلْإِنْسَانِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمِنْ الْمَجَازِ: خَفَضَ لَهُ جَنَاحَهُ.

[قَوْلُهُ: لِطَالِبِ الْعِلْمِ] الشَّرْعِيِّ أَيْ أَوْ آلَتِهِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا لِنَعْمَلَ بِهِ وَتَعْلِيمُهُ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ.

[قَوْلُهُ: رِضًا بِمَا يَصْنَعُ] وَفِي رِوَايَةٍ بِمَا يَطْلُبُ، وَوَضْعُ أَجْنِحَتِهَا عِبَارَةٌ عَنْ حُضُورِهَا مَجْلِسَهُ أَوْ تَوْقِيرِهِ وَتَعْظِيمِهِ أَوْ إعَانَتِهِ عَلَى بُلُوغِ مَقَاصِدِهِ أَوْ قِيَامِهِمْ فِي كَيْدِ أَعْدَائِهِ وَكِفَايَتِهِ شَرَّهُمْ أَوْ عَنْ تَوَاضُعِهَا وَدُعَائِهَا لَهُ أَوْ وَضْعِ الْأَجْنِحَةِ لِتَكُونَ مَوْطِئًا لَهُ إذَا مَشَى أَوْ إظْلَالِهِمْ.

[قَوْلُهُ: وَإِنَّ الْعَالِمَ] هَذَا حَدِيثٌ آخَرُ، [قَوْلُهُ: لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ] أَيْ يَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ غُفْرَانَ ذَنْبِهِ إنْ كَانَ لَهُ ذَنْبٌ أَوْ إنْعَامًا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَنْبٌ، فَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.

[قَوْلُهُ: مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ] أَيْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ فِي الْأَرْضِ] أَيْ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: حَتَّى الْحِيتَانُ بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْ فِي الْأَرْضِ، وَبَالَغَ عَلَى الْحِيتَانِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مَسْتُورَةً بِالْبَحْرِ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ رُبَّمَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَمَّنْ يَسْتَغْفِرُ فَأَفَادَ أَنَّهُ حَتَّى الْحِيتَانُ، وَقَوْلُهُ: فِي الْمَاءِ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجَمَادَاتِ لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَغْفِرِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ مَنْ فِي الْأَرْضِ مَنْ كَانَ مِنْ الْإِنْسِ أَوْ الْجِنِّ وَكَانَ كَافِرًا أَوْ لَمْ يُوَفَّقْ لِلِاسْتِغْفَارِ.

[قَوْلُهُ: وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ] أَرَادَ بِالْعَالِمِ مَنْ صَرَفَ زَمَانَهُ لِلتَّعْلِيمِ وَالْإِفْتَاءِ وَالتَّصْنِيفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَبِالْعَابِدِ مَنْ انْقَطَعَ بِالْعِبَادَةِ تَارِكًا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا وَلَا يُرَادُ أَنَّ الْعَالِمَ الْمُفَضَّلَ عَارٍ عَنْ الْعَمَلِ وَالْعَابِدَ عَنْ الْعِلْمِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ غَالِبٌ عَلَى عَمَلِهِ وَعَمَلَ هَذَا غَالِبٌ عَلَى عَمَلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْفَضْلِ كَثْرَةُ ثَوَابِ مَا يُعْطِيهِ اللَّهُ لِلْعَبْدِ فِي الْآخِرَةِ مِنْ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ وَلَذَّاتِهَا وَمَأْكَلِهَا وَمَشْرَبِهَا وَنَعِيمِهَا الْجُسْمَانِيِّ أَوْ مَا يُمْنَحُ مِنْ مَقَامَاتِ الْقُرْبِ وَلَذَّةِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَسَمَاعِ كَلَامِهِ وَلَذَّةِ الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَ كَشْفِ الْغِطَاءِ.

قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: فِيهِ أَنَّ نُورَ الْعِلْمِ يَزِيدُ عَلَى نُورِ الْعِبَادَةِ كَمَا مَثَّلَ بِالْقَمَرِ بِالنِّسْبَةِ لِسَائِرِ الْكَوَاكِبِ.

[قَوْلُهُ: وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ] هَذَا حَدِيثٌ آخَرُ أَيْ عُلَمَاءَ الشَّرْعِ.

[قَوْلُهُ: الْأَنْبِيَاءُ] بِنَاءً عَلَى تَرَادُفِ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ أَوْ إطْلَاقًا لِلْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، أَوْ وَرَثَةَ هَذَا الْجِنْسِ إلْحَاقًا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا بِمَنْ كَانَ رَسُولًا.

[قَوْلُهُ: دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا] أَيْ وَلَا غَيْرَهُمَا، وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِعُمُومِ نَفْعِهِمَا وَشِدَّةِ التَّعَلُّقِ بِادِّخَارِهِمَا غَالِبًا.

[قَوْلُهُ: الْعِلْمُ] أَيْ جِنْسُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ الشَّامِلِ لِأُصُولِ الدِّينِ وَالْفُرُوعِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>