للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْإِقْدَارِ عَلَيْهِ (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ وَفَّى بِمَا شَرَطَهُ فِي دِيبَاجَةِ كِتَابِهِ فَقَالَ: (قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَدْ آتَيْنَا عَلَى مَا) أَيْ بِمَا (شَرَطْنَا) فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا (أَنْ نَأْتِيَ بِهِ فِي كِتَابِنَا هَذَا) مِنْ الْمَسَائِلِ (مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ رَغِبَ فِي تَعْلِيمِ ذَلِكَ مِنْ الصِّغَارِ وَمَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ الْكِبَارِ وَفِيهِ) أَيْ

ــ

[حاشية العدوي]

لِلِاسْتِئْنَافِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا خَبَرِيَّةً لَفْظًا وَمَعْنًى، وَالثَّانِيَةُ إنْشَائِيَّةً مَعْنًى فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا كَمَالُ الِانْقِطَاعِ الْمُوجِبُ لِعَدَمِ الْعَطْفِ، وَيَحْتَمِلُ الْمَقَامُ غَيْرَ ذَلِكَ وَابْتَدَأَ كِتَابَهُ بِالْحَمْدِ وَخَتَمَهُ بِهِ لِأَنَّ اللَّهَ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ ابْتَدَأَ خَلْقَهُ بِالْحَمْدِ وَخَتَمَهُ بِهِ حَيْثُ قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [الأنعام: ١] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر: ٧٥] كَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ تَأَسِّيًا بِأَحَدِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ وَهُوَ التَّوْرَاةُ فَإِنَّهَا مُبْتَدَأَةٌ بِأَوَّلِ الْأَنْعَامِ وَخُتِمَتْ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَمْدَ الْمُقَيَّدَ أَفْضَلُ مِنْ الْمُطْلَقِ وَقِيلَ الْمُطْلَقُ أَفْضَلُ.

[قَوْلُهُ: أَيْ وَفَّقَنَا] تَفْسِيرٌ لِهَدَانَا، لَا يَخْفَى أَنَّ الْهِدَايَةَ تَارَةً تُفَسَّرُ بِالدَّلَالَةِ مُطْلَقًا وَتَارَةً بِالدَّلَالَةِ الْمُوصِلَةِ وَتَارَةً بِخَلْقِ الِاهْتِدَاءِ، فَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْهِدَايَةِ هُنَا الدَّلَالَةُ الْمُوصِلَةُ أَيْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي دَلَّنَا عَلَى هَذَا التَّأْلِيفِ دَلَالَةً وَصَّلَتْنَا لَهُ، وَيُرَادُ بِهَا خَلْقُ الِاهْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ التَّوْفِيقُ بِجَعْلِ الِاهْتِدَاءِ الْقُدْرَةَ عَلَى الطَّاعَةِ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ إلَّا أَنَّنَا نَرْتَكِبُ التَّجْرِيدَ أَيْ تَجْرِيدَ الْكَلِمَةِ عَنْ بَعْضِ مَعْنَاهَا أَيْ حَذْفُهُ فَتَدَبَّرْ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ فِينَا قُدْرَةً عَلَى تَأْلِيفِ هَذَا أَوْ يَجْعَلُ الِاهْتِدَاءَ الطَّاعَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّوْفِيقَ خَلْقُ الطَّاعَةِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ وَيَرْتَكِبُ التَّجْرِيدَ أَيْضًا، وَالْمَعْنَى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَنَا لِهَذَا التَّأْلِيفِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ أَيْ خَلَقَنَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِنَا هَذَا.

[قَوْلُهُ: وَالْإِقْدَارُ عَلَيْهِ] أَيْ جَعَلَ الْمَوْلَى لَنَا قُدْرَةً عَلَيْهِ فَإِذَنْ عَطْفُهُ عَلَى تَأْلِيفٍ مُضِرٌّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ الَّذِي وَفَّقَنَا لِلْإِقْدَارِ عَلَيْهِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ فَيُجَابُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ وَفَّقَنَا لِسَبَبِ الْإِقْدَارِ عَلَى تَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعُلُومِ، وَبِقَوْلِهِ: الْكِتَابُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ الْكِتَابُ ثُمَّ إنْ جُعِلَ عِبَارَةً عَنْ الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ يَكُونُ فِي الْعِبَارَةِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ بِأَنْ تَقُولَ: شُبِّهَتْ الْأَلْفَاظُ الْمُعَيَّنَةُ مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنِهَا وَشِدَّةِ تَمَيُّزِهَا بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ كَمَا هُوَ التَّحْقِيقُ، وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ فَإِنْ قُلْت تِلْكَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي جَعَلَهَا مُشَارًا إلَيْهَا ذِهْنِيَّةٌ أَوْ خَارِجِيَّةٌ؟ قُلْت: ذِهْنِيَّةٌ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ أَعْرَاضٌ تَنْقَضِي بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهَا عَلَى مَا ذَكَرُوا.

[قَوْلُهُ: وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ] أَيْ لِتَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ إلَيْهِ، فَظَهَرَ أَنَّ صِلَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَحْذُوفَةٌ وَجَوَابُ لَوْلَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَمَا كُنَّا [قَوْلُهُ: بِمَا شَرَطَهُ] أَيْ حَيْثُ قَالَ: فَأَجَبْته أَيْ وَعْدٌ بِهِ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالشَّرْطِ إشَارَةً إلَى قُوَّةِ ذَلِكَ الْوَعْدِ أَوْ الْتَزَمَهُ أَيْ بِمَا الْتَزَمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ.

[قَوْلُهُ: فِي دِيبَاجَةِ كِتَابِهِ] أَيْ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ مُسْتَعَارٌ أَيْ مَنْقُولٌ مِنْ دِيبَاجَةِ الْوَجْهِ بِمَعْنَى وَجْنَتِهِ وَلِلْإِنْسَانِ دِيبَاجَتَانِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ بِمَا شَرَطْنَا] إشَارَةً إلَى أَنَّ عَلَى بِمَعْنَى الْبَاءِ أَوْ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِهَا مَعَ تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ عَلَى آخِرِ مَا شَرَطْنَا [قَوْلُهُ: أَنْ نَأْتِيَ بِهِ] أَيْ قَدْ وَفَّيْنَا بِشَيْءٍ شَرَطْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا أَنْ نَأْتِيَ بِهِ.

[قَوْلُهُ: هَذَا] أَيْ وَهُوَ الرِّسَالَةُ لَا غَيْرُهَا مِنْ كُتُبِهِ كَالنَّوَادِرِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ لَهُ كُتُبًا كَثِيرَةً وَالْكِتَابُ هُوَ الْمُجْتَمِعُ عَلَى أَحْكَامٍ.

[قَوْلُهُ: مِنْ الْمَسَائِلِ] بَيَانٌ لِمَا وَالْمَسَائِلُ جَمْعُ مَسْأَلَةٍ تُطْلَقُ عَلَى النِّسْبَةِ الْخَبَرِيَّةِ وَعَلَى الْقَضِيَّةِ، وَقَدْ وَضَّحْنَا مَا يَلِيقُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِيَكُونَ بَيَانًا لَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَيَانٌ لِمَا، أَيْ فَيَبْقَى الْبَيَانُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَيُبَيَّنُ ذَلِكَ الْمُبَيِّنَ بِأَنَّهُ الْمَسَائِلُ.

[قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ] إشَارَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: ٢٣] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٤] [قَوْلُهُ: فِي تَعْلِيمٍ] مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ، وَقَوْلُهُ: ذَلِكَ مَفْعُولٌ لِتَعْلِيمٍ أَيْ يَنْتَفِعُ بِهِ أَشْخَاصٌ رَغِبْت فِي كَوْنِ شَيْخِهِمْ يُعَلِّمُهُمْ ذَلِكَ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الصِّغَارِ بَيَانٌ لِمَنْ وَأَرَادَ بِالصِّغَارِ مَنْ كَانَ مُبْتَدِئًا فِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>