كِتَابِنَا (مَا يُؤَدِّي) أَيْ يُبَلِّغُ (الْجَاهِلَ إلَى عِلْمِ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ دِينِهِ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعَقِيدَةِ.
(وَيَعْمَلُ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ) كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ (وَيُفْهِمُ كَثِيرًا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُنُونِهِ) أَيْ فُرُوعِهِ (وَ) فِيهِ أَيْضًا (مِنْ السُّنَنِ وَالرَّغَائِبِ وَالْآدَابِ) كَمَا عَلِمْت ذَلِكَ كُلُّهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ) أَيْ أَطْلُبُ مِنْهُ (أَنْ يَنْفَعَنَا وَإِيَّاكَ بِمَا عَلَّمَنَا وَيُعِينَنَا وَإِيَّاكَ عَلَى الْقِيَامِ بِحَقِّهِ فِيمَا كَلَّفَنَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا
ــ
[حاشية العدوي]
الْعِلْمِ وَلَوْ كَبِيرًا فِي السِّنِّ [قَوْلُهُ: وَمَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ] مَعْطُوفٌ عَلَى رَغِبَ أَيْ لِنَحْوِ مُرَاجَعَةٍ أَوْ تَعْلِيمٍ لِلْغَيْرِ وَالتَّعْبِيرُ بِالرَّغْبَةِ فِي الصِّغَارِ وَالِاحْتِيَاجِ فِي الْكِبَارِ ظَاهِرٌ، وَأَرَادَ بِالْكِبَارِ جَمْعُ كَبِيرٍ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُبْتَدِئًا فِي الْعِلْمِ.
[قَوْلُهُ: وَفِيهِ] الْوَاوُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ تَعْلِيلٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الِانْتِفَاعِ أَيْ إنَّمَا قُلْت يُنْتَفَعُ. . . إلَخْ لِأَنَّ فِيهِ أَوَّلَهُ وَلِلرَّغْبَةِ وَالِاحْتِيَاجِ.
[قَوْلُهُ: مَا] أَيْ شَيْءٌ أَوْ الَّذِي.
[قَوْلُهُ: أَيْ يُبَلِّغُ الْجَاهِلَ] أَيْ يُوَصِّلُهُ هَذَا نَاظِرٌ لِلْمُبْتَدِئِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُبْتَدِئَ جَاهِلٌ أَيْ خَالٍ عَنْ الْعِلْمِ فَيَرْغَبُ فِي تَعَلُّمِهِ، وَيَحْتَاجُ الْكَبِيرُ إلَيْهَا لِيُعَلِّمَ ذَلِكَ الْجَاهِلَ.
[قَوْلُهُ: مِنْ دِينِهِ] بَيَانٌ لِمَا بِحَمْلِ الدِّينِ عَلَى خُصُوصِ النِّسَبِ الْمُعْتَقَدَةِ لِيَكُونَ الْمَعْطُوفَ مُغَايِرًا [قَوْلُهُ: وَهُوَ] أَيْ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ دِينِهِ مَا ذُكِرَ فِي الْعَقِيدَةِ أَيْ مِنْ النِّسَبِ الْمُعْتَقَدَةِ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْمَدْلُولِ فِي الدَّالِّ لِأَنَّ الْعَقِيدَةَ اسْمٌ لِلْبَابِ الْأَوَّلِ الْمُتَعَلِّقِ بِأُصُولِ الدِّينِ، [قَوْلُهُ: مِنْ فَرَائِضِهِ] أَيْ الْمَفْرُوضَاتُ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: وَيُفْهَمُ] عُطِفَ عَلَى يُؤَدِّي بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ.
تَنْبِيهٌ:
الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ فِيهِ الْمُؤَدِّي لِمَا ذُكِرَ عِبَارَاتُهُ الَّتِي هُوَ جُزْءٌ مِنْهُ.
١ -
[قَوْلُهُ: مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ] أَرَادَ بِهِ قَوَاعِدَ الْفِقْهِ الْكُلِّيَّةِ وَأَرَادَ بِفُرُوعِهِ جُزْئِيَّاتِهَا.
[قَوْلُهُ: وَفِيهِ أَيْضًا] لَا حَاجَةَ لِفِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ السُّنَنِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ [قَوْلُهُ: مِنْ السُّنَنِ. . . إلَخْ] وَهِيَ مَعْلُومَةٌ.
[قَوْلُهُ: وَالرَّغَائِبُ. . . إلَخْ] أَرَادَ الْجِنْسَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا رَغِيبَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَنَا وَهِيَ الْفَجْرُ أَوْ أَرَادَ بِهِ مَا رَغَّبَ فِيهِ الشَّارِعُ وَأَكَّدَهُ مِمَّا عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ مُرَغَّبٌ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَبًّا.
[قَوْلُهُ: وَالْآدَابُ] جَمْعُ أَدَبٍ وَهُوَ مَا يَتَحَلَّى بِهِ الشَّخْصُ مِنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مِمَّا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ وَإِيضَاحُهُ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ يَظْهَرُ لَك أَنَّ فِي الْآدَابِ مَا هُوَ وَاجِبٌ وَمَا هُوَ سُنَّةٌ وَمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، فَعَطْفُهُ عَلَى السُّنَنِ وَالرَّغَائِبِ إمَّا مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ أَوْ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ بِقَصْرِ السُّنَنِ وَالرَّغَائِبِ عَلَى مَا عَبَّرَ فِيهِ بِعُنْوَانِ السُّنَّةِ وَالتَّرْغِيبِ وَالْآدَابِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ.
[قَوْلُهُ: كَمَا عَلِمْت ذَلِكَ كُلَّهُ] كَأَنَّهُ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَمَا قُلْته لَك صَحِيحٌ لِعِلْمِك كُلَّ ذَلِكَ عِلْمًا نَاشِئًا عَنْ الْحَاسَّةِ، وَقَوْلُهُ: وَلِلَّهِ. . . إلَخْ لَمَّا كَانَ احْتِوَاءُ الْكِتَابِ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ نِعَمِ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَمَّةِ نَاسَبَ أَنْ يُحْمَدَ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا فَقَالَ: وَلِلَّهِ الْحَمْدُ بِتَقْدِيمِ الْمَجْرُورِ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ.
[قَوْلُهُ: عَزَّ] أَيْ قَوِيَ بِوَصْفِهِ بِصِفَاتِ التَّخَلِّي وَالتَّحَلِّي أَيْ التَّخَلِّي عَمَّا لَا يَلِيقُ وَالتَّحَلِّي بِمَا يَلِيقُ، وَقَوْلُهُ: وَجَلَّ أَيْ عَظُمَ بِمَا ذُكِرَ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ أَيْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ قُوَّتِهِ بِمَا ذُكِرَ عِظَمُهُ أَوْ عَزَّ بِوَصْفِهِ بِصِفَاتِ التَّخَلِّي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَجَلَّ بِوَصْفِهِ بِصِفَاتِ التَّحَلِّي بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ التَّخْلِيَةِ عَلَى التَّحْلِيَةِ.
[قَوْلُهُ: أَنْ يَنْفَعَنَا] الْمَقَامُ مَقَامُ خُضُوعٍ وَذُلٍّ، فَالْمُنَاسِبُ يَنْفَعُنِي وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهَا مِمَّا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَتَلَامِذَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: وَإِيَّاكَ] أَيْ يَا مُرِيدَ الْعِلْمِ وَمَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَحْرُمُ وَمَا يُطْلَبُ مِنْهُ شَرْعًا أَوْ يَا مُحْرِزَ السَّائِلِ فِي تَأْلِيفِهِ.
[قَوْلُهُ: بِحَقِّهِ] أَيْ بِالْحُكْمِ الْوَاجِبِ لَهُ فِيمَا كَلَّفَنَا اللَّهُ بِهِ أَيْ فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَنَحْوِهِمَا بِأَنْ نُؤَدِّيَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ بِحَيْثُ لَا نَأْتِي بِهِ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ تَرْكٌ لِذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: وَلَا حَوْلَ] الْوَاوُ لِلتَّعْلِيلِ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَإِنَّمَا وَجَّهْت سُؤَالِي لَهُ لِأَنَّهُ لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَتِهِ إلَّا بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: نَبِيُّهُ آثَرَهُ عَلَى رَسُولِهِ مَعَ أَنَّ الرِّسَالَةَ أَشْرَفُ إشَارَةً إلَى كَمَالِ النُّبُوَّةِ فِيهِ وَأَنَّهُ وَصْفٌ كَامِلٌ بِالنَّظَرِ لَهُ يُنَوِّهُ بِذِكْرِهِ وَيَرْفَعُ فَأَوْلَى غَيْرُهُ مِنْ رَسُولِهِ وَلَوْ عَبَّرَ بِرَسُولِهِ لَمْ يُسْتَفَدْ ذَلِكَ،