للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا) قَالَ مُؤَلِّفُ هَذَا الشَّرْحِ الْمُبَارَكِ عَلِيٌّ أَبُو الْحَسَنِ الْمَالِكِيُّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمَشَايِخِهِ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ: وَأَنَا أَخْتِمُ هَذَا الشَّرْحَ وَهُوَ رَابِعُ شَرْحٍ لِي عَلَى الرِّسَالَةِ بِمَا خَتَمَ بِهِ ابْنُ شَاسٍ الْجَوَاهِرَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: اعْلَمْ أَنَّ جِمَاعَ الْخَيْرِ كُلِّهِ فِي تَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاعْتِزَالِ شُرُورِ النَّاسِ، وَمِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ وَقَدْ قِيلَ: لَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يُرَى إلَّا سَاعِيًا فِي تَحْصِيلِ حَسَنَةٍ لِمَعَادِهِ أَوْ دِرْهَمٍ لِمَعَاشِهِ، فَكَيْفَ بِهِ مَعَ ذَلِكَ إنْ كَانَ مُؤْمِنًا عَالِمًا بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَيَحِقُّ عَلَى الْعَالِمِ أَنْ يَتَوَاضَعَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَمَلِهِ وَيَحْتَرِسَ مِنْ نَفْسِهِ وَيَقِفَ عَلَى مَا أُشْكِلَ عَلَيْهِ،

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَسَلَّمَ] مَعْطُوفٌ عَلَى صَلَّى جُمْلَتَانِ خَبَرِيَّتَانِ لَفْظًا إنْشَائِيَّتَانِ مَعْنًى.

[قَوْلُهُ: تَسْلِيمًا] مَصْدَرُ سَلَّمَ وَأَكَّدَهُ وَلَمْ يُؤَكِّدْ الصَّلَاةَ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَذَكَرُوا وَجْهَهُ فَلْيُرَاجَعْ، وَقَوْلُهُ: كَثِيرًا أَيْ تَحِيَّةً كَثِيرَةً وَكَأَنَّهُ يَقُولُ يَا رَبِّ حَيِّهِ تَحِيَّةً كَثِيرَةً وَهَذَا وَصْفٌ مُفِيدٌ لِعَظَمَةِ السَّلَامِ مِنْ حَيْثُ الْكَمِّيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْكَثْرَةِ وَالْكَيْفِيَّةِ مِنْ حَيْثُ جَعْلِ التَّنْوِينَ لِلتَّعْظِيمِ.

[قَوْلُهُ: قَالَ مُؤَلِّفُ. . . إلَخْ] مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَلَا نُعِيدُهُ.

[قَوْلُهُ: وَأَنَا أَخْتِمُ. . . إلَخْ] مَقُولُ الْقَوْلِ أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ فَنِّ التَّصَوُّفِ الَّذِي بِهِ صَلَاحُ الْبَاطِنِ فَيَكُونُ هَذَا التَّأْلِيفُ جَامِعًا لِفُنُونٍ ثَلَاثَةٍ فَنُّ أُصُولِ الدِّينِ وَفَنُّ الْفِقْهِ وَفَنُّ التَّصَوُّفِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ رَابِعُ شَرْحٍ لِي عَلَى الرِّسَالَةِ] غَايَةُ الْأَمَانِي وَهُوَ أَكْبَرُهَا ثُمَّ تَحْقِيقُ الْمَبَانِي ثُمَّ الْفَيْضُ الرَّحْمَانِيُّ ثُمَّ هَذَا الشَّرْحُ الَّذِي هُوَ كِفَايَةُ الطَّالِبِ وَلَهُ شَرْحَانِ عَلَى الْخُطْبَةِ وَالْعَقِيدَةِ فَهَذِهِ سِتَّةٌ أَرْبَعَةٌ عَلَى الْكِتَابِ بِتَمَامِهِ وَقَدْ عَلِمْتهَا وَاثْنَانِ عَلَى الْعَقِيدَةِ أَفَادَهُ صَاحِبُ مَقَالِيدِ الْأَسَانِيدِ.

[قَوْلُهُ: ابْنُ شَاسٍ. . . إلَخْ] هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَجْمِ بْنِ شَاسٍ كَانَ فَقِيهًا فَاضِلًا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ عَالِمًا بِقَوَاعِدِهِ لَهُ كِتَابُ الْجَوَاهِرِ الثَّمِينَةِ فِي مَذْهَبِ عَالِمِ الْمَدِينَةِ وَضَعَهُ عَلَى تَرْتِيبِ الْوَجِيزِ لِلْإِمَامِ أَبِي حَامِدِ الْغَزَالِيِّ، وَكَانَ مُدَرِّسًا بِمِصْرَ بِالْمَدْرَسَةِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْجَامِعِ الْعَتِيقِ، وَتَوَجَّهَ إلَى ثَغْرِ دِمْيَاطَ لَمَّا أَخَذَهُ الْعَدُوُّ الْمَخْذُولُ بِنِيَّةِ الْجِهَادِ تُوُفِّيَ هُنَاكَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ أَوْ فِي رَجَبٍ سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّمِائَةٍ وَصَنَّفَ غَيْرَ الْجَوَاهِرِ وَمَالَ إلَى النَّظَرِ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَالِاشْتِغَالِ بِهَا، وَكَانَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْوَرَعِ وَبَعْدَ عَوْدِهِ مِنْ الْحَجِّ امْتَنَعَ مِنْ الْفُتْيَا إلَى حِينِ وَفَاتِهِ وَهُوَ مِنْ بَيْتِ إمَارَةٍ أَفَادَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْعَلَّامَةُ إبْرَاهِيمُ بْنُ فَرْحُونٍ.

[قَوْلُهُ: جِمَاعُ الْخَيْرِ] بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ وَجَمْعُ الْخَيْرِ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ.

[قَوْلُهُ: فِي تَقْوَى اللَّهِ] أَيْ امْتِثَالِ مَأْمُورَاتِهِ وَتَرْكِ مَنْهِيَّاتِهِ، [قَوْلُهُ: وَاعْتِزَالُ شُرُورِ النَّاسِ] أَيْ وَالْبُعْدُ مِنْ شُرُورِ النَّاسِ، وَالْقَصْدُ الْبُعْدُ عَنْ النَّاسِ فَيَسْلَمُ مِنْ شَرِّهِمْ بِحَيْثُ تَكُونُ تِلْكَ السَّلَامَةُ قَائِدَةً لَا عِلَّةً غَائِيَّةً.

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ: الْبَلَاءُ كُلُّهُ مَجْمُوعٌ فِي ثَلَاثَةٍ خَوْفُ الْخَلْقِ وَهَمُّ الرِّزْقِ وَالرِّضَا عَنْ النَّفْسِ، وَالْعَافِيَةُ وَالْخَيْرَاتُ مَجْمُوعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ الثِّقَةُ بِاَللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَالرِّضَا عَنْ اللَّهِ بِكُلِّ حَالٍ وَاتِّقَاءُ شُرُورِ النَّاسِ مَا أَمْكَنَ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْ حُسْنِ. . . إلَخْ] تَقَدَّمَ مَا فِيهِ، [قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ] لَيْسَ قَصْدُهُ التَّضْعِيفَ بَلْ حِكَايَةُ مَا صَدَرَ مِنْ قَائِلِهِ.

[قَوْلُهُ: لَا يَنْبَغِي] أَيْ يَجِبُ أَوْ يَنْدُبُ بِاعْتِبَارِ مَا يَلِيقُ بِكُلٍّ فَهُوَ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.

[قَوْلُهُ: أَنْ يُرَى] أَيْ يَرَاهُ الْغَيْرُ أَوْ يَرَى نَفْسَهُ فَهُوَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَوْ الْفَاعِلِ، وَالثَّانِي أَوْلَى وَهِيَ إمَّا بَصَرِيَّةٌ أَوْ عِلْمِيَّةٌ فَسَاعِيًا حَالٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي عَلَى الثَّانِي.

[قَوْلُهُ: فِي تَحْصِيلِ حَسَنَةٍ] يَسْتَعِدُّ بِهَا لِمَعَادِهِ أَيْ لِعَوْدِهِ أَيْ رُجُوعُهُ إلَى اللَّهِ فِي دَارِ الْجَزَاءِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ دِرْهَمٍ] أَوْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ فَتُجُوِّزَ الْجَمْعُ، [قَوْلُهُ: لِمَعَاشِهِ] أَيْ لِعَيْشِهِ أَيْ مَا يَقْتَاتُهُ وَيَقُومُ بِهِ حَالُهُ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ١٧٢] أَيْ حَلَالَاتِ.

[قَوْلُهُ: فَكَيْفَ بِهِ] أَيْ بِالْعَاقِلِ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ اسْتِعْظَامَ هَذَا الْأَمْرِ أَيْ عَدَّهُ عَظِيمًا إذَا صَدَرَ مِنْ عُلُوٍّ قَوْلُهُ مَعَ ذَلِكَ أَيْ مَعَ رُؤْيَتِهِ سَاعِيًا فِي تَحْصِيلِ مَا ذُكِرَ إنْ كَانَ مُؤْمِنًا عَالِمًا، وَالْوَصْفُ بِالْعِلْمِ هُوَ الرُّوحُ أَيْ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الِاسْتِفْهَامُ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، فَقَوْلُهُ: مُؤْمِنًا تَوْطِئَةً إذْ الْحَدِيثُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَاقِلِ أَيْ كَامِلِ الْعَقْلِ أَوْ أَنَّ غَيْرَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ] هُوَ مَعَ مَا قَبْلَهُ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>