للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُقِلَّ الرِّوَايَةَ جَهْدَهُ وَيُنْصِفَ جُلَسَاءَهُ وَيُلِينَ لَهُمْ جَانِبَهُ وَيُثْبِتَ سَائِلَهُ وَيُلْزِمَ نَفْسَهُ الصَّبْرَ وَيَتَوَقَّى الضَّجَرَ وَيَصْفَحَ عَنْ زَلَّةِ جَلِيسِهِ وَلَا يُؤَاخِذَهُ بِعَثْرَتِهِ، وَمَنْ جَالَسَ عَالِمًا فَلْيَنْظُرْ إلَيْهِ بِعَيْنِ الْإِجْلَالِ وَلْيَنْصِتْ لَهُ عِنْدَ الْمَقَالِ فَإِنْ رَاجَعَهُ رَاجَعَهُ تَفَهُّمًا لَا تَعَنُّتًا وَلَا يُعَارِضُهُ فِي جَوَابِ سَائِلٍ يَسْأَلُهُ، فَإِنَّهُ يُلْبِسُ بِذَلِكَ عَلَى السَّائِلِ وَيُزْرِي بِالْمَسْئُولِ وَلَا يَنْتَظِرُ

ــ

[حاشية العدوي]

وَأَرَادَ بِالطَّاعَةِ وَاجِبَةً وَمَنْدُوبَةً فَإِذَنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَعِقَابٍ وَلَوْمٍ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَكْرُوهِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى فَإِذَا قُصِرَتْ الطَّاعَةُ عَلَى الْوَاجِبَةِ اقْتِصَارًا عَلَى الْحَالَةِ التَّكْلِيفِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ تَمَّ كَلَامُهُ.

[قَوْلُهُ: وَيَحِقُّ] أَيْ وَيَجِبُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَقَتَلَ.

[قَوْلُهُ: أَنْ يَتَوَاضَعَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عِلْمِهِ] أَيْ فِي حَالِ إفَادَتِهِ عِلْمَهُ أَوْ فِي حَالِ اتِّصَافِهِ بِعِلْمِهِ، أَيْ فَلَا يَتَكَبَّرُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ فَيَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ الشُّكْرُ بِقَدْرِهَا وَمِنْ جُمْلَتِهِ بَلْ رُكْنُهُ الْأَعْظَمُ التَّوَاضُعُ، فَقَدْ سَمِعْت مِنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى كَانَ فِي سِيَاسَتِهِ مَعَ الْحَوَارِيِّينَ فَأَمَرَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ أَنْ يَأْتُوا لَهُ بِمَاءِ وُضُوءٍ فَوَضَّأَ جَمِيعَهُمْ وَغَسَلَ أَقْدَامَهُمْ وَجَمَعَ الْمَاءَ الْفَاضِلَ مِنْ ذَلِكَ فَشَرِبَهُ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لِمَ فَعَلْت هَذَا؟ فَقَالَ: أَرَدْت أَنْ أُعَلِّمَكُمْ التَّوَاضُعَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: عُلَمَاءُ الْآخِرَةِ يُعْرَفُونَ بِسِيمَاهُمْ مِنْ السَّكِينَةِ وَالذُّلِّ وَالتَّوَاضُعِ، أَمَّا التَّمَشْدُقُ وَالِاسْتِغْرَاقُ فِي الضَّحِكِ وَالْحِدَّةُ فِي الْحَرَكَةِ وَالنُّطْقِ فَمِنْ آثَارِ الْبَطَرِ وَالْغَفْلَةِ وَذَلِكَ دَأْبُ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا.

[قَوْلُهُ: وَيَحْتَرِسُ مِنْ نَفْسِهِ] أَيْ وَيَتَحَفَّظُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَسْتَعِينُ عَلَيْهَا بِمُخَالَفَتِهَا فَإِنَّهَا لَا تَأْمُرُ بِخَيْرٍ أَبَدًا إلَّا وَلَهَا فِيهِ دَسِيسَةٌ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَمَرَتْهُ نَفْسُهُ بِالْجِهَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ ثَوَابٍ خُصُوصًا إذَا قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ فَدَعَا اللَّهَ أَنْ يُطْلِعَهُ عَلَى دَسِيسَةِ نَفْسِهِ فَأُلْهِمَ أَنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تُقْتَلَ فِي الْمَعْرَكَةِ لِتَسْتَرِيحَ بِالْقَتْلِ مِنْ قَتْلِكَ لَهَا كُلَّ يَوْمٍ بِمُخَالَفَتِهَا، [قَوْلُهُ: وَيَقِفُ عَلَى مَا أُشْكِلَ. . . إلَخْ] كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ النُّسَخِ أَيْ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَمْ يَدْرِ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ فَيَقِفُ عِنْدَهُ كِنَايَةً عَنْ اجْتِنَابِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا أَوْ يَجُرُّهُ إلَى مُحَرَّمٍ لِخَبَرِ: " الْحَلَالُ بَيِّنٌ. . . إلَخْ.

[قَوْلُهُ: وَيُقِلُّ الرِّوَايَةَ] أَيْ وَيُقِلُّ مِنْ رِوَايَتِهِ الْحَدِيثَ أَوْ مُطْلَقِ الْعِلْمِ لِغَيْرِهِ، أَيْ لَا يُكْثِرُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ مَظِنَّةُ الْخَطَأِ وَعَدَمِ الضَّبْطِ بِخِلَافِ الْقِلَّةِ فَيَقْوَى مَعَهَا التَّحَرِّي وَالضَّبْطُ فَيَكُونُ أَبْعَدَ مِنْ الْخَطَأِ.

[قَوْلُهُ: جُهْدَهُ] بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا فِي لُغَةِ الْحِجَازِ وَبِالْفَتْحِ فِي غَيْرِهَا الْوُسْعُ وَالطَّاقَةُ، وَقِيلَ الْمَضْمُومُ الطَّاقَةُ وَالْمَفْتُوحُ الْمَشَقَّةُ.

[قَوْلُهُ: وَيُنْصِفُ. . . إلَخْ] مِنْ أَنْصَفَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَيْ يُنْصِفُ جِنْسَ جُلَسَائِهِ أَيْ فَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ.

[قَوْلُهُ: وَيُلَيِّنُ لَهُمْ جَانِبَهُ] يُقْرَأُ بِأَوْجُهٍ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ لَانَ أَوْ أَلَانَ أَوْ لَيَّنَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمْ وَعَدَمِ قِيَامِهِ مَعَ حَظِّ نَفْسِهِ.

[قَوْلُهُ: وَيُثَبِّتُ سَائِلَهُ] مِنْ أَثْبَتَ أَوْ ثَبَّتَ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ أَيْ بِإِعْطَائِهِ جَوَابًا كَاشِفًا عَنْ مَسْئُولِهِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فِي حِيرَةٍ وَلَا تَرَدُّدٍ، أَوْ إرْشَادِهِ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى فِي السُّؤَالِ كَذَا وَكَذَا وَجَوَابُهُ كَذَا وَكَذَا.

[قَوْلُهُ: وَيُلْزِمُ نَفْسَهُ الصَّبْرَ] فَلَا يَنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَقُومُ مَعَ حَضِّهَا وَيَحْبِسُهَا عَلَى مَا تَكْرَهُ، وَلَا يَخْفَى الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَيَلِينُ لَهُمْ جَانِبَهُ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي تَقْرِيرِهِ.

[قَوْلُهُ: وَيَتَوَقَّى الضَّجَرَ] أَيْ يَتَبَاعَدُ عَنْ الضَّجَرِ أَيْ الْقَلَقِ وَالِاهْتِمَامِ وَهُوَ مِنْ وَادِي مَا قَبْلَهُ، [قَوْلُهُ: وَيَصْفَحُ] أَيْ يَعْرِضُ وَيَتَغَافَلُ.

[قَوْلُهُ: عَنْ زَلَّةٍ] بِفَتْحِ الزَّايِ أَيْ مَا يَقَعُ مِنْهُ مِنْ الْخَطَأِ، [قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَاخِذُهُ بِعَثْرَتِهِ] أَيْ الَّتِي هِيَ زَلَّتُهُ فَالْإِظْهَارُ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ إشَارَةٌ إلَى تَرَادُفِهِمَا.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ جَالَسَ عَالِمًا] أَيْ مَثَلًا أَوْ صَاحَبَهُ فَيَصْدُقُ بِالْجُلُوسِ وَغَيْرِهِ.

[قَوْلُهُ: فَلْيَنْظُرْ] الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ [قَوْلُهُ: بِعَيْنِ الْإِجْلَالِ] أَيْ التَّعْظِيمِ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨] فَمَنْ مَدَحَهُ اللَّهُ أَوْ أَعَزَّهُ فَيُعَزُّ وَيُكْرَمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الثِّقَاتِ أَنَّ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ مَا أَوْرَثَ خَشْيَةً فَلَا عَالِمَ إلَّا مَنْ يَخْشَى اللَّهَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَشْيَةِ وَالْخَوْفِ.

[قَوْلُهُ: وَلْيُنْصِتْ لَهُ عِنْدَ الْمَقَالِ] مِنْ أَنْصَتَ أَوْ مِنْ نَصَتَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَيْ يَسْكُتُ عِنْدَ قَوْلِهِ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ رَاجَعَهُ] أَيْ أَرَادَ مُرَاجَعَتَهُ وَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا.

[قَوْلُهُ: رَاجَعَهُ تَفَهُّمًا] أَيْ مُرَاجَعَةَ تَفَهُّمٍ أَوْ حَالَ كَوْنِهِ مُتَفَهِّمًا أَيْ مُرِيدًا الْفَهْمَ أَوْ طَالِبًا لَهُ أَوْ لِأَجْلِ التَّفَهُّمِ، وَقَوْلُهُ: لَا تَعَنُّتًا عَلَى نَسَقِ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>