للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْعَالِمِ فِتْنَةً وَلَا تُؤْخَذُ عَلَيْهِ عَثْرَةٌ، وَبِقَدْرِ إجْلَالِ الطَّالِبِ لِلْعَالِمِ يَنْتَفِعُ الطَّالِبُ بِمَا يَسْتَفِيدُ مِنْ عِلْمِهِ، وَمَنْ نَاظَرَهُ فِي عِلْمٍ فَبِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَتَرْكِ الِاسْتِعْلَاءِ فَحُسْنُ التَّأَنِّي وَجَمِيلُ الْأَدَبِ مُعِينَانِ عَلَى الْعِلْمِ وَنِعْمَ وَزِيرُ الْعِلْمِ الْحِلْمُ.

وَمَا أَوْلَى بِالْعِلْمِ صِيَانَةَ نَفْسِهِ عَنْ كُلِّ دَنَاءَةٍ وَعَيْبٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْثَمًا وَإِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُرُوءَةِ وَالْأَدَبِ وَصِيَانَةِ

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْ التَّعَنُّتُ إدْخَالُ الْأَذَى عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يُعَارِضُهُ فِي جَوَابِ سَائِلٍ يَسْأَلُهُ] أَيْ لَا يُقَابِلُهُ فِي جَوَابٍ حَصَلَ مِنْهُ لِسَائِلِهِ بِحَيْثُ يَقُولُ لَهُ: الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ كَذَا لَا مَا أَجَبْت بِهِ أَوْ لَا يُبَادِرُ بِالْجَوَابِ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ احْتِرَامِ الشَّيْخِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ الشَّيْخِ خَطَأً، وَيُرْشِدُهُ لِلصَّوَابِ بِأَدَبٍ وَاحْتِرَامٍ لِلشَّيْخِ غَيْرَ قَاصِدٍ الِاسْتِعْلَاءَ فَإِنَّهُ لَا لَوْمَ فِيهِ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُلْبِسُ بِذَلِكَ عَلَى السَّائِلِ] مِنْ بَابِ ضَرَبَ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: لَبَّسْت الْأَمْرَ عَلَى زَيْدٍ لَبْسًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَفِي التَّنْزِيلِ وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ وَالتَّشْدِيدُ مُبَالَغَةٌ انْتَهَى.

وَقَالَ الْمُفَسِّرُ لِلْآيَةِ: شَبَّهْنَا وَخَلَطْنَا أَيْ خَلَطَ عَلَى السَّائِلِ بِمُعَارَضَتِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ الصَّوَابُ أَجَوَابُ الشَّيْخِ أَوْ جَوَابُ هَذَا الْمُعَارِضِ أَوْ مَنْ هُوَ الْأَوْلَى بِالِالْتِفَاتِ إلَيْهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُعَارَضَةِ.

[قَوْلُهُ: وَيُزْرِي بِالْمَسْئُولِ] مِنْ أَزَرَى بِالشَّيْءِ تَهَاوَنَ بِهِ فَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ.

١ -

[قَوْلُهُ: وَلَا يَنْتَظِرُ بِالْعَالِمِ فِتْنَةً] أَيْ مِحْنَةً وَابْتِلَاءً بِحَيْثُ تَلْتَفِتُ نَفْسُهُ أَنَّهُ يَقَعُ مِنْهُ زَلَّةٌ فَتَضْمَحِلَّ مَرْتَبَتُهُ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ شَرَفٌ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ.

[قَوْلُهُ: وَلَا تُؤْخَذُ عَلَيْهِ عَثْرَةٌ] أَيْ زَلَّةٌ أَيْ إذَا وَقَعَ مِنْهُ أَمْرٌ جَاءَ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ بِحَيْثُ تَنْقُصُ مَرْتَبَتُهُ وَلَا يُقَامُ بِوَاجِبِ حَقِّهِ، وَلْيَسْتَعِنْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْ الْبَشَرِ الَّذِي لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ عِصْمَةٌ.

[قَوْلُهُ: وَبِقَدْرِ إجْلَالِ الطَّالِبِ] أَيْ بِقَدْرِ تَعْظِيمِ الطَّالِبِ لِلْعَالِمِ يَنْتَفِعُ الطَّالِبُ بِمَا حَصَّلَهُ مِنْ عِلْمِهِ، أَيْ وَبِقَدْرِ تَحْقِيرِ الطَّالِبِ لِلْعَالِمِ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِعِلْمِهِ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ مُصْلِحُ الدِّينِ أَفَنْدِي فِي كِتَابِ الْحَيَاةِ مَا نَصُّهُ: وَيَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَتَوَاضَعَ لِشَيْخِهِ وَيَتَأَدَّبَ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ سِنًّا وَأَقَلَّ شُهْرَةً وَنَسَبًا وَسِلَاحًا وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَبِتَوَاضُعِهِ يَدْرِي الْعِلْمَ إلَى آخِرِ مَا قَالَ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ نَاظَرَهُ. . . إلَخْ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى حَالِ الطَّالِبِ مَعَ شَيْخِهِ طَفِقَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حَالِ الطَّلَبَةِ مَعَ بَعْضِهِمْ أَوْ الشُّيُوخِ مَعَ بَعْضِهِمْ أَيْ مَنْ نَاظَرَ عَالِمًا أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ مَا ذَكَرْنَا، وَالْمُنَاظَرَةُ الْمُجَادَلَةُ بِأَنْ يَخْتَلِفَا فِي أَمْرٍ وَيُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْصُرَ مَقَالَتَهُ بِشَيْءٍ يُقِيمُهُ.

[قَوْلُهُ: فَبِالسَّكِينَةِ] أَيْ فَلْيَكُنْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَعْنًى مُلْتَبِسًا بِالسَّكِينَةِ أَوْ مَعَ السَّكِينَةِ أَيْ الطُّمَأْنِينَةِ. . . إلَخْ، وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمِصْبَاحِ تُفِيدُ تَرَادُفَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِالتَّغَايُرِ بِأَنْ تَقُولَ: السَّكِينَةُ تَرْجِعُ إلَى عَدَمِ اضْطِرَابِ الْجَوَارِحِ، وَالْوَقَارُ يَرْجِعُ إلَى احْتِرَامِ الْمُنَاظِرِ وَالِالْتِفَاتِ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ.

[قَوْلُهُ: وَتَرْكُ الِاسْتِعْلَاءِ] أَيْ إظْهَارُ الْعُلُوِّ وَهُوَ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى بِالسَّكِينَةِ وَهُوَ لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ.

[قَوْلُهُ: فَحَسَنٌ] بِالْفَاءِ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَبِالسَّكِينَةِ أَخٌ أَيْ لِأَنَّ حُسْنَ التَّأَنِّي الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْعَجَلَةِ أَيْ لِأَنَّ التَّأَنِّي الْحَسَنَ هُوَ وَصْفٌ مُخَصِّصٌ لِأَنَّ عَدَمَ الْعَجَلَةِ قَدْ يُذَمُّ وَيَظْهَرُ كَوْنُهُ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ: فَبِالسَّكِينَةِ عَلَى مَا قَرَرْنَا سَابِقًا، وَقَوْلُهُ: وَجَمِيلُ الْأَدَبِ أَيْ وَالْأَدَبُ الْجَمِيلُ أَيْ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّهِ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْوَقَارِ عَلَى مَا قُلْنَا.

[قَوْلُهُ: مُعِينَانِ عَلَى الْعِلْمِ] أَيْ فَمَنْ نَاظَرَ عَالِمًا وَتَحَلَّى بِمَا ذُكِرَ يُرْجَى أَنْ يُعْطَى الصَّوَابَ مِنْ الْعِلْمِ وَتَثْبُتَ لَهُ الْغَلَبَةُ عَلَى مُنَاظِرِهِ.

[قَوْلُهُ: وَنِعْمَ وَزِيرُ الْعِلْمِ الْحِلْمُ] أَيْ أَنَّ الْعِلْمَ كَالْمَلِكِ وَالْحِلْمَ كَالْوَزِيرِ لَهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ نِظَامَ الْمَلِكِ بِالْوَزِيرِ وَلِذَلِكَ قِيلَ إنَّ الْوَزِيرَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوِزْرِ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ عَنْ الْمَلِكِ ثِقَلَ التَّدْبِيرِ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ: مَا شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ عَالِمٍ مَعَهُ حِلْمٌ إنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِعِلْمٍ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ بِحِلْمٍ، يَقُولُ الشَّيْطَانُ: إنَّ سُكُوتَهُ عَلَيَّ أَشَدُّ مِنْ كَلَامِهِ.

[قَوْلُهُ: وَمَا أَوْلَى بِالْعَالِمِ] " مَا " تَعَجُّبِيَّةٌ أَيْ وَمَا أَحَقُّ بِالْعَالِمِ صِيَانَةُ نَفْسِهِ أَيْ أَنَّ صِيَانَةَ نَفْسِهِ عَنْ كُلِّ دَنَاءَةٍ أَمْرٌ عَظِيمٌ يُتَعَجَّبُ مِنْ حَقِّيَّتِهَا أَيْ حِفْظِ نَفْسِهِ.

[قَوْلُهُ: عَنْ كُلِّ دَنَاءَةٍ] أَيْ خُبْثِ فِعْلٍ فَمَا بَعْدَهُ تَفْسِيرٌ لَهُ.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْثَمًا] أَيْ إثْمًا أَيْ مَعْصِيَةً.

[قَوْلُهُ: بِالْمُرُوءَةِ] بِضَمِّ الْمِيمِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُرُوءَةُ الِارْتِفَاعُ عَنْ كُلِّ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>