للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدِّينِ وَنَزَاهَةِ الْأَنْفُسِ لَذَوُو الْعِلْمِ، وَحَقِيقٌ عَلَى الْعَالِمِ أَنْ لَا يَخْطُوَ خُطْوَةً لَا يَبْتَغِي بِهَا ثَوَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَجْلِسَ مَجْلِسًا يَخَافُ عَاقِبَةَ وِزْرِهِ، فَإِنْ اُبْتُلِيَ بِالْجُلُوسِ فِيهِ فَلْيَقُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِوَاجِبِ حَقِّهِ فِي إرْشَادِ مَنْ اسْتَحْضَرَهُ وَوَعْظِهِ وَلَا يُجَالِسُهُ بِمُوَافَقَتِهِ فِيمَا يُخَالِفُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَرْضَاتِهِ وَلَا يَتَعَرَّضُ مِنْهُ حَاجَةً لِنَفْسِهِ، وَلَا أَحْسَبُهُ وَإِنْ قَامَ بِذَلِكَ يَنْجُو وَلَا يَسْلَمُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ إجْلَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إجْلَالُ الْعَالِمِ الْعَامِلِ وَإِجْلَالُ الْإِمَامِ الْمُقْسِطِ،

ــ

[حاشية العدوي]

يُرَى أَنَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لَا يُحَافِظُ عَلَى دِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا.

[قَوْلُهُ: وَالْأَدَبُ] يَرْجِعُ إلَى حُسْنِ الْخُلُقِ وَالرِّيَاضَةِ الْمَحْمُودَةِ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا عِلْمَ إلَّا مَعَ التُّقَى وَلَا عَقْلَ إلَّا مَعَ الْأَدَبِ.

[قَوْلُهُ: وَصِيَانَةُ الدِّينِ] أَيْ وَحِفْظُ الدِّينِ عَمَّا يُخِلُّ بِهِ.

[قَوْلُهُ: وَنَزَاهَةُ] أَيْ وَتَبَاعُدُ الْأَنْفُسِ عَنْ الرَّذَائِلِ وَلَمَّا كَانَ فِي إجَابَتِهِ لِكُلِّ مَنْ دَعَاهُ دَنَاءَةٌ قِيلَ: لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُجِيبَ كُلَّ مَنْ دَعَاهُ.

[قَوْلُهُ: لَذَوُو الْعِلْمِ] أَيْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ وَهُوَ خَبَرُ إنَّ أَوْلَى. . . إلَخْ أَيْ لِأَنَّهُمْ وَرَثَةُ أُولِي الْعِلْمِ التَّامِّ الَّذِي هُمْ الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ تَحَلَّوْا بِأَكْمَلِ الصِّفَاتِ، فَلْيَكُنْ الْوَارِثُ كَذَلِكَ لِوِرَاثَتِهِ الْمُقْتَضِيَةِ لِمَا ذُكِرَ فَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِمَا ذُكِرَ انْتَفَتْ عَنْهُ الْوِرَاثَةُ لِأَنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ مُسْتَلْزِمٌ لِنَفْيِ الْمَلْزُومِ.

[قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَخْطُوَ خَطْوَةً] بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَاحِدُ الْخَطَوَاتِ مِثْلُ شَهْوَةٍ وَشَهَوَاتٍ، وَأَمَّا بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ مَا بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ وَاحِدُ الْخُطُوَاتِ بِضَمِّ الْخَاءِ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرُفَاتٍ،.

[قَوْلُهُ: لَا يَبْتَغِي بِهَا ثَوَابَ] أَيْ إثَابَةَ اللَّهِ عَلَى خُطْوَتِهِ بِحَيْثُ لَا تَكُونُ خُطْوَتُهُ مُحَرَّمَةً وَلَا مَكْرُوهَةً وَلَا مُبَاحَةً بَلْ مَنْدُوبَةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ لِأَنَّ الْإِثَابَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي مُقَابَلَتِهِمَا، وَالْمُرَادُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ تَكُونَ خُطْوَتُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ مِمَّا كَانَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُنَافِي مَرْتَبَةَ الْكُمَّلِ الَّذِينَ لَا يَقْصِدُونَ بِخُطُوَاتِهِمْ ثَوَابًا لَا دُنْيَوِيًّا وَلَا أُخْرَوِيًّا.

[قَوْلُهُ: عَاقِبَةَ وِزْرِهِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ عَاقِبَةٌ هِيَ وِزْرُهُ أَيْ إثْمُهُ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ اُبْتُلِيَ بِالْجُلُوسِ فِيهِ] أَيْ فِي الَّذِي يَخَافُ عَاقِبَةَ وِزْرِهِ جَعَلَ الْجُلُوسَ فِيهِ بَلِيَّةً وَمُصِيبَةً مِنْ حَيْثُ إنَّ عَاقِبَتَهُ الْإِثْمُ.

[قَوْلُهُ: بِوَاجِبِ حَقِّهِ] أَيْ بِحَقِّهِ الْوَاجِبِ أَيْ حَقِّ الْجُلُوسِ أَوْ حَقِّ الْمَجْلِسِ.

[قَوْلُهُ: فِي إرْشَادِ] أَيْ مِنْ إرْشَادِ بَيَانٌ لِحَقِّهِ الْوَاجِبِ أَيْ مِنْ كَوْنِهِ يُرْشِدُهُ أَيْ يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَقْوَمِ أَوْ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ مَقْصُودًا ذَلِكَ الْخَاصُّ مُبَالَغَةً فِي الْإِرْشَادِ وَكَأَنَّهُ عَيْنُ ذَلِكَ الْعَامِّ.

[قَوْلُهُ: مَنْ اسْتَحْضَرَهُ] أَيْ طَلَبَ حُضُورَهُ لِأَنَّ مَنْ طَلَبَ حُضُورَهُ صَارَ لَهُ مِنَّةٌ عَلَيْهِ فَلَا يَقُومُ بِهِ بَاعِثٌ عَلَى إرْشَادِهِ، وَقَوْلُهُ: وَوَعْظِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى إرْشَادِهِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يُجَالِسُهُ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلْيَقُمْ أَيْ وَلَا يَسْتَمِرَّ جَالِسًا مَعَهُ مَعَ مُوَافَقَتِهِ فِي أَمْرٍ يَخَافُ الشَّخْصُ: أَوْ مُطْلَقًا فَهُوَ إمَّا بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ.

[قَوْلُهُ: فِي مَرْضَاتِهِ] أَيْ بِسَبَبِ رِضَا مَنْ اسْتَحْضَرَهُ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَرَّضُ مِنْهُ حَاجَةً لِنَفْسِهِ] أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَرَّضَ مِنْهُ حَاجَةً لِنَفْسِهِ يَضْعُفُ عَنْ إرْشَادِهِ وَنُصْحِهِ، وَأَيْضًا فَهُوَ يُذْهِبُ الْعِلْمَ فَقَدْ نُقِلَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ بِحَضْرَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَا يَذْهَبُ بِالْعِلْمِ مِنْ قُلُوبِ الْعُلَمَاءِ بَعْد أَنْ حَفِظُوهُ وَعَقَلُوهُ؟ فَقَالَ: يُذْهِبُهُ الطَّمَعُ وَشَرَهُ النَّفْسِ وَطَلَبُ الْحَاجَاتِ إلَى النَّاسِ، فَقَالَ: صَدَقْت.

[قَوْلُهُ: وَلَا أَحْسَبُهُ. . . إلَخْ] قَصَدَ بِذَلِكَ الْحَثَّ عَلَى التَّبَاعُدِ عَنْ الْجُلُوسِ فِيمَا يَخَافُ عَاقِبَةَ وِزْرِهِ وَإِنْ عَزَمَ عَلَى أَنَّهُ يَقُومُ بِوَاجِبِ حَقِّهِ أَيْ وَلَا أَظُنُّهُ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ قَامَ بِذَلِكَ يَنْجُو لِعُرُوضِ غَفْلَةٍ عَنْ الْإِرْشَادِ مَعَ وُجُودِ مُوجِبِهِ أَوْ خَطَأٌ فِي اجْتِهَادِهِ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يَسْلَمُ] مَعْطُوفٌ عَلَى يَنْجُو وَلَا لِلتَّأْكِيدِ فَلَوْ حَذَفَهَا مَا ضَرَّهُ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ، [قَوْلُهُ: فِيمَا بَيْنَهُ. . . إلَخْ] أَيْ وَلَا يَسْلَمُ فِي حَالَةٍ بَيْنَ نَفْسِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَبَيْنَ اللَّهِ مِنْ تَقْصِيرٍ وَقَعَ مِنْهُ، وَلَا يُشْعِرُ أَيْ وَلَا يَسْلَمُ بِاعْتِبَارٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَإِنْ قُلْت: يَكُونُ حِينَئِذٍ غَافِلًا وَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَكَيْفَ يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ؟ قُلْت: الْمُؤَاخَذَةُ مِنْ حَيْثُ قُدُومِهِ أَوَّلًا عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ الَّذِي يَخَافُ عَاقِبَةَ وِزْرِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَيُؤَاخَذُ بِهَا، وَمَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ مِنْ إرْشَادٍ غَيْرُ مُحَقَّقٍ عَلَى أَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ فَبُعْدُهُ عَنْ الْمَجْلِسِ دَرْءٌ لِمَفْسَدَةِ الْوِزْرِ، أَيْ مَفْسَدَةٍ هِيَ الْوِزْرُ يُقَدَّمُ عَلَى جَلْبِ مَصْلَحَةِ الْإِرْشَادِ أَيْ مَصْلَحَةٍ هِيَ الْإِرْشَادُ.

[قَوْلُهُ: إجْلَالُ الْعَالِمِ الْعَامِلِ] أَيْ أَنَّ تَعْظِيمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>