للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّيْخِ فَالْقَرْنُ الْأَوَّلُ الصَّحَابَةُ حَتَّى يَنْقَرِضُوا.

وَالثَّانِي التَّابِعُونَ حَتَّى يَنْقَرِضُوا، وَالثَّالِثُ تَابِعُ التَّابِعِينَ حَتَّى يَنْقَرِضُوا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ السُّنُونَ، وَاخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِائَةٌ وَاخْتُلِفَ هَلْ مَا بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْمَمْدُوحَةِ سَوَاءٌ أَوْ مُتَفَاضِلُونَ، قَوْلَانِ، فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ تَفْضِيلِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ يُعَارِضُهُ مَا رُوِيَ بِإِسْنَادٍ رُوَاتِهِ ثِقَاتٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ هَلْ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا؟ قَالَ: «نَعَمْ قَوْمٌ يَجِيئُونَ بَعْدَكُمْ فَيَجِدُونَ كِتَابًا بَيْنَ لَوْحَيْنِ فَيُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهِ وَيُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي وَيُصَدِّقُونَ بِمَا جِئْت وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ فَهُمْ خَيْرٌ مِنْكُمْ» قُلْت: أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْضِيلِهِمْ فِي جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ تَفْضِيلُهُمْ مُطْلَقًا.

(تَنْبِيهٌ)

الْخَيْرِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ إمَّا بِاعْتِبَارِ الْبَاطِنِ وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ، وَذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِخَبَرٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّفَاوُتِ فِي خِصَالِ الْفَضَائِلِ، فَمَنْ كَثُرَتْ فِيهِ فَهُوَ أَفْضَلُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ فَكَمْ مِنْ قَلِيلِ الْعَمَلِ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرِهِ.

ــ

[حاشية العدوي]

إلَخْ] هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا اعْتَمَدَهُ عج وَمَا بَعْدَهُ ضَعِيفٌ، وَمُفَادُ هَذَا أَنَّ الْجِيلَ هُوَ نَفْسُ الصَّحَابَةِ وَيُؤَيِّدُهُ فِي الْجُمْلَةِ قَوْلُ الْمِصْبَاحِ الْجِيلُ الْأُمَّةُ. [قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِائَةٌ إلَخْ] وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ قِيلَ عَشَرَةٌ، وَقِيلَ: عِشْرُونَ. وَقِيلَ: غَيْرَ ذَلِكَ وَدَلِيلُ الْأَصَحِّ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى رَأْسِ يَتِيمٍ وَقَالَ لَهُ: عِشْ قَرْنًا» فَعَاشَ مِائَةَ عَامٍ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَنْ وُجِدَ فِي الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَكُنْ تَابِعِيًّا خَيْرٌ مِمَّنْ وُجِدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَوْ تَابِعِيًّا. [قَوْلُهُ: الْمَمْدُوحَةِ] دَخَلَ فِيهَا الرَّابِعُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ ك: وَاخْتُلِفَ فِي تَفْضِيلِ الرَّابِعِ لِشَكِّ الرَّاوِي فِيهِ [قَوْلُهُ: أَوْ مُتَفَاضِلُونَ] أَيْ كُلُّ قَرْنٍ أَفْضَلُ مِنْ الَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ عَامٍ أَوْ مَا مِنْ يَوْمٍ إلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ» . وَرُوِيَ «فِي كُلِّ عَامٍ تُرْذَلُونَ» .

[قَوْلُهُ: بَيْنَ لَوْحَيْنِ] الْمُرَادُ بِهِمَا دَفَّتَا الْمُصْحَفِ. [قَوْلُهُ: وَيُؤْمِنُونَ بِي] هَذَا دَاخِلٌ فِي الْإِيمَانِ بِمَا فِيهِ، وَقَوْلُهُ: وَيُصَدِّقُونِ بِمَا جِئْت بِهِ هَذَا أَعَمُّ مِمَّا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: فِي جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ] وَهُوَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَلَمْ يَرَوْهُ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِالْعِلِّيَّةِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: فَهُمْ خَيْرٌ مِنْكُمْ لِمَا ذُكِرَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّفْضِيلَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الطَّائِعِينَ. [قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ الْبَاطِنِ] أَيْ وَالظَّاهِرِ. [قَوْلُهُ: وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ بِاعْتِبَارِ الْبَاطِنِ. [قَوْلُهُ: وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ إلَخْ] أَيْ وَرَفْعِ الْمَرَاتِبِ وَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ مِقْدَارٌ مِنْ الْجَزَاءِ يُعْطِيهِ اللَّهُ فِي نَظِيرِ أَعْمَالِهِمْ وَهُوَ قَدْ يَكُونُ رَفْعَ دَرَجَاتٍ وَغَيْرَهَا، هَذَا إذَا أُرِيدَ مِنْ رَفْعِ الْمَرَاتِبِ إعْطَاءُ مَنَازِلَ عَالِيَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُرَادَ كَثْرَةُ النِّعَمِ وَعِظَمُ الْإِحْسَانِ، وَيَكُونُ مُرَادِفًا ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَجَدْت بَعْضَ مَنْ كَتَبَ عَلَى مُسْلِمٍ ذَكَرَهُمَا فَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

[قَوْلُهُ: وَذَلِكَ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ كَثْرَةِ الثَّوَابِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: إلَّا بِخَبَرٍ مَقْطُوعٍ بِهِ] أَيْ بِقَوْلٍ وَارِدٍ عَنْ الرَّسُولِ تَحَقَّقَ وُرُودُهُ عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ، وَارْتَضَى اللَّقَانِيُّ هَذَا الطَّرَفَ وَهُوَ أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الثَّوَابِ، وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى خَبَرٍ مَقْطُوعٍ بِهِ كَمَا قَالَ شَارِحُنَا بَلْ يُعْلَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ آوَوْا وَنَصَرُوا وَجَاهَدُوا وَصَبَرُوا وَتَصَدَّقُوا بِأَمْوَالِهِمْ عَلَى فَاقَةٍ وَبَاعُوا النُّفُوسَ فِي صُحْبَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ إلَخْ] حَاصِلُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْأَفْضَلِيَّةُ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْقَرْنِ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ، بَلْ مَنْ كَانَتْ خِصَالُهُ أَكْثَرُ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَمَنْ كَانَتْ خِصَالُهُ مِنْ الَّذِي بَعْدَهُ أَكْثَرُ أَفْضَلَ مِنْ الَّذِي خِصَالُهُ أَقَلُّ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ. فَقَوْلُهُ: فَلَا يَحْصُلُ إلَخْ أَيْ وَإِذَا كَانَ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ أَيْ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>