قَتَلُوا عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَقَعَ مَا وَقَعَ وَلَكِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اجْتَهَدَ وَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ.
تَنْبِيهٌ:
لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ قَوْلِهِ: وَالْإِمْسَاكُ إلَى آخِرِهِ وَقَوْلِهِ: وَأَنْ يُلْتَمَسَ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ، وَالثَّانِي فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ إذْ فَرْضُهُمْ الْبَيَانُ وَإِزَالَةُ الْإِشْكَالِ.
(وَالطَّاعَةُ) أَيْ الِانْقِيَادُ وَاجِبٌ (لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ) بِالِاعْتِقَادِ وَالْفِعْلِ بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَالنَّهْيِ عَنْ الزَّوَاجِرِ،
ــ
[حاشية العدوي]
بَايَعَ لَهُ وَرَأَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِتَسْلِيمِهِمْ مَعَ كَثْرَةِ عَشَائِرِهِمْ وَاخْتِلَاطِهِمْ بِالْعَسْكَرِ تُؤَدِّي إلَى اضْطِرَابِ أَمْرِ الْإِمَامَةِ وَتَفَاقُمِ الْفِتَنِ، وَأَنَّ الْإِمْهَالَ بِتَسْلِيمِهِمْ لِيَتَحَقَّق تَمَكُّنُهُ هُوَ الصَّوَابُ فَحَقِّقْ الْأَمْرَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ لَهُ أَجْرًا وَاحِدًا، وَاخْتَلَفُوا فِي إمَامَتِهِ بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [قَوْلُهُ: لَكِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْحَقِّ] اُنْظُرْ هَلْ لَهُ مَفْهُومٌ وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَلْيُحَرَّرْ، وَأَهْلُ الْحَقِّ عِبَارَةٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَشَاعِرَةٍ وَمَاتُرِيدِيَّةٍ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ كَانَ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَشْمَلُ مَنْ كَانَ قَبْلَ ظُهُورِ الشَّيْخَيْنِ أَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ وَأَبَا مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيَّ.
[قَوْلُهُ: فَلَهُ أَجْرَانِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَجْرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ لَهُ فَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْإِصَابَةُ فَلَيْسَتْ بِاخْتِيَارِيَّةٍ لَهُ فَمَا وَجْهُ تَرْتِيبِ الْأَجْرِ عَلَيْهَا؟ قُلْت: هِيَ أَثَرُ اجْتِهَادِهِ فَنُزِّلَتْ مَنْزِلَتُهُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأَوَّلَ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ إلَخْ] أَيْ أَوْ يُقَالُ: الْمَطْلُوبُ ابْتِدَاءُ الْإِمْسَاكِ مِنْ الْمُكَلَّفِ، فَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ وَتَكَلَّمَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَلْتَمِسَ لَهُمْ أَحْسَنَ الْمَخَارِجِ كُلٌّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَالسَّامِعِ، وَجَوَابُ الشَّارِحِ لَا يُفِيدُ نَهْيَ الْخَاصَّةِ عَنْ التَّكَلُّمِ فِي ذَلِكَ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ هَذَا الْجَوَابِ.
قَالَ عج: وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ: وَالْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ مَعْنَاهُ حَيْثُ كَانَ ذِكْرُ مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ اللَّوْمِ عَنْهُمْ وَإِلَّا لَمْ يُطْلَبْ الْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، بَلْ رُبَّمَا يُطْلَبُ ذِكْرُهُ اهـ.
[قَوْلُهُ: الْبَيَانُ إلَخْ] الْبَيَانُ بِمَعْنَى التَّبْيِينِ وَهُوَ إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي، فَعَطْفُ الْإِزَالَةِ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ.
[قَوْلُهُ: أَيْ الِانْقِيَادُ] مَنْ طَاعَ يَطُوعُ إذْ انْقَادَ. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ] هَذَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِقَوْلِ الزَّنَاتِيِّ مَنْدُوبٌ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخَبَرَ مَحْذُوفٌ، وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَوْنٌ خَاصٌّ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ اتَّكَلَ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْخَارِجِيَّةِ كَقَوْلِهِ {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: ٥٩] إلَخْ. [قَوْلُهُ: بِالِاعْتِقَادِ] الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ إنَّ الطَّاعَةَ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ، فَمَتَى انْتَفَى أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَاصٍ أَيْ اعْتِقَادُ أَنَّهُمْ أَئِمَّةٌ وَأَنَّ طَاعَتَهُمْ وَاجِبَةٌ، وَأَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الْقَوْلَ. [قَوْلُهُ: بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ إلَخْ] تَصْوِيرٌ لِلْفِعْلِ، فَالِامْتِثَالُ هُوَ الطَّاعَةُ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ، وَحِينَئِذٍ فَإِيقَاعُ الْإِطَاعَةِ عَلَى الْأَوَامِرِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمُطَاعَ حَقِيقَةً ذُو الْأَمْرِ.
[قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ عَنْ الزَّوَاجِرِ] لَا يَخْفَى أَنَّ النَّهْيَ مِنْ صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ لَا مِنْ صِفَاتِ رَعِيَّتِهِمْ، فَيُجَابُ بِأَنَّهُ ضَمَّنَ النَّهْيَ مَعْنَى الْكَفِّ وَالْمَعْنَى، وَالْكَفُّ عَنْ الزَّوَاجِرِ أَيْ مَزْجُورَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ الزَّوَاجِرَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَوَانِعِ، وَالْكَفُّ لَيْسَ عَنْهَا بَلْ عَنْ مَزْجُورَاتِهِمْ أَيْ مَمْنُوعَاتِهِمْ أَيْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي مَنَعُوهَا وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ إذَا أَمَرُوا وَنَهَوْا بِمَا يُوَافِقُ الشَّرِيعَةَ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ أَمَرُوا بِمَعْصِيَةٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا مَثَلًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ إطَاعَتُهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمَأْمُورَ حِينَئِذٍ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُكْرَهِ فِي إتْيَانِهَا وَتَرْكِهَا، وَفِعْلُ الْمَكْرُوهِ لَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ لَكِنْ يَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوهِ الْإِكْرَاهِ، فَفِي سَبِّ مُسْلِمٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ مَثَلًا يَكْفِي فِيهِ الْإِكْرَاهُ بِخَوْفِ وُقُوعِ مُؤْلِمٍ مَنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ، وَلَوْ قَالَ: أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ صَفْعٍ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْكُفْرِ وَسَبِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَذْفُ الْمُسْلِمِ وَسَبُّ الصَّحَابِيِّ مَثَلًا فَلَا يَكْفِي فِي الْإِقْدَامِ إلَّا الْإِكْرَاهُ بِخَوْفِ إيقَاعِ الْقَتْلِ بِالْمُكْرَهِ، وَصَبْرُهُ أَجْمَلُ، وَأَمَّا قَتْلُ الْمُسْلِمِ وَقَطْعُهُ وَالزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ أَوْ ذَاتِ زَوْجٍ