يُطْلَبَ (لَهُمْ أَحْسَنُ الْمَخَارِجِ) أَيْ التَّأْوِيلَاتِ.
(وَ) أَحَقُّ أَنْ (يُظَنَّ) بِمَعْنَى يُتَيَقَّنُ (بِهِمْ أَحْسَنُ الْمَذَاهِبِ) أَيْ الْآرَاءِ الْمُتَّبَعَةِ فِي الدِّينِ. حَاصِلُ مَا قَالَ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَأَوَّلَ مَا نُقِلَ عَنْهُمْ نَقْلًا صَحِيحًا مِمَّا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنْ قِتَالٍ وَخِلَافٍ أَحْسَنَ التَّأْوِيلِ، فَيُؤَوِّلُ مَا وَقَعَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَبَ انْعِقَادَ الْبَيْعَةِ أَوَّلًا إذْ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ وَلَا يَسْتَقِيمُ أَمْرُ النَّاسِ إلَّا بِالْإِمَامِ، وَطَلَبَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقِصَاصَ مِنْ الَّذِينَ
ــ
[حاشية العدوي]
وَهُوَ مَا كَانَ مُخَلَّصًا مِنْ وَرْطَةِ الْقُبْحِ [قَوْلُهُ: أَيْ يُطْلَبَ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالطَّلَبِ التَّحْصِيلَ. [قَوْلُهُ: أَيْ التَّأْوِيلَاتِ] أَيْ فَالْمَخَارِجُ جَمْعُ مَخْرَجٍ بِمَعْنَى التَّأْوِيلِ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَخْرَجٌ مَصْدَرًا مِيمِيًّا بِمَعْنَى الْخُرُوجِ، فَالتَّأْوِيلُ خُرُوجٌ مِنْ وَرْطَةِ الْقَدْحِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّسَمُّحِ، أَوْ اسْمَ مَكَان أَيْ مَكَانَ الْخُرُوجِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ التَّأْوِيلَ مَوْضِعُ الْخُرُوجِ مِنْ وَرْطَةِ الْقَدْحِ [قَوْلُهُ: وَأَحَقُّ إلَخْ] الَّذِي قِيلَ فِي أَحَقِّ الْمُتَقَدِّمِ يُقَالُ: فِي هَذَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَيْنَهُمْ، وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِمْ مَعَ غَيْرِهِمْ فَهُوَ عَطْفُ مُغَايِرٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ جَعَلَهُ عَيْنَ الْأَوَّلِ.
نَعَمْ يَبْقَى إشْكَالٌ: وَهُوَ أَنَّ تَيَقُّنَ أَحْسَنِيَّةِ الْمَذَاهِبِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصَّحْبِ وَغَيْرِهِمْ، فَمَنْ الَّذِي يَتَّصِفُ بِأَصْلِ الْحَسَنِ فَالْمُخَلِّصُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَحْسَنِ الْحَسَنُ.
[قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يَتَيَقَّنَ] أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الظَّنِّ حَقِيقَتُهُ بَلْ الْيَقِينُ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: ٤٦] وَالْيَقِينُ هُوَ الْجَزْمُ النَّاشِئُ عَنْ دَلِيلٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَزْمَ لَهُ دَلِيلٌ وَهُوَ «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا» إلَخْ [قَوْلُهُ: بِهِمْ] مُتَعَلِّقٌ بِيَظُنُّ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ بِظَنِّ أَحْسَنِ الْمَذَاهِبِ مُلْتَبِسًا بِهِمْ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْآرَاءُ] جَمْعُ رَأْيٍ بِمَعْنَى الْحُكْمِ الَّذِي رَأَوْهُ وَاعْتَقَدُوهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَأَحَقُّ أَنْ يَتَيَقَّنَ بِهِمْ أَحْسَنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي اسْتَنْبَطُوهَا وَاسْتَخْرَجُوهَا بِاجْتِهَادِهِمْ. [قَوْلُهُ: الْمُتَّبَعَةُ] إسْنَادُ الِاتِّبَاعِ لَهَا مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، وَإِنَّمَا الْمُتَّبَعُ أَصْحَابُهَا.
[قَوْلُهُ: فِي الدِّينِ] ظَرْفٌ لِلْآرَاءِ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْكُلِّ الَّذِي هُوَ الدِّينُ لِلْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الْآرَاءُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُسْتَخْرَجَةَ لَهُمْ بَعْضُ الدِّينِ أَوْ فِي بِمَعْنَى مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ.
[قَوْلُهُ: حَاصِلُ مَا قَالَ إلَخْ] هَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَأَحَقُّ أَنْ يُظَنَّ هُوَ عَيْنُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّهُ خِلَافُهُ بَلْ هَذَا الْحَاصِلُ حَاصِلٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: أَحَقُّ أَنْ يُلْتَمَسَ لَهُمْ أَحْسَنُ الْمَخَارِجِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَعْطُوفِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَأَحَقُّ أَنْ يُظَنَّ إلَخْ [قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ] وَكَذَا كُلُّ كَافِرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ [قَوْلُهُ: نَقْلًا صَحِيحًا] أَيْ أَوْ حَسَنًا أَوْ أَرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْحَسَنَ لَا إنْ كَانَ ضَعِيفًا فَإِنَّهُ يُرَدُّ. [قَوْلُهُ: وَخِلَافٍ] أَيْ اخْتِلَافٍ وَهُوَ عَطْفُ مُغَايِرٍ. [قَوْلُهُ: أَحْسَنَ] أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ فَالْمُرَادُ تَأْوِيلًا حَسَنًا [قَوْلُهُ: فَيَتَأَوَّلُ مَا وَقَعَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ] أَيْ مِنْ الْقِتَالِ الَّذِي قُتِلَ بِسَبَبِهِ مِنْهُمْ جَمٌّ غَفِيرٌ كَمَا فِي وَقْعَةِ صِفِّينَ، اسْمُ مَوْضِعٍ أَوْ مَاءٍ بِالشَّامِ، وَلَمْ يُقَاتِلْ عَلِيٌّ فِيهَا حَتَّى قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَجَرَّدَ ذَا الْفَقَارِ وَقَتَلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَلْفًا وَسِتَّمِائَةٍ، وَصِفِّينُ بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَبَعْدَهَا نُونٌ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَرْضٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَدِينَةِ الرَّقَّةِ اهـ.
[قَوْلُهُ: انْعِقَادَ الْبَيْعَةِ] أَيْ حُصُولَ الْمُبَايَعَةِ وَالطَّاعَةِ لِإِنْسَانٍ يُجْعَلُ خَلِيفَةً.
[قَوْلُهُ: إذْ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ] ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحُدُودِ شَأْنُهَا عَظِيمٌ، فَلَوْ تَوَلَّاهَا غَيْرُ الْإِمَامِ لَوَقَعَ مِنْ النِّزَاعِ مَا لَا يُحْصَى إذْ لَا يَرْضَى أَحَدٌ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَقِيمُ أَمْرُ النَّاسِ] هَذَا أَعَمُّ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ فَهُوَ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، أَيْ لَا يَسْتَقِيمُ أَمْرُ النَّاسِ مِنْ تَنْفِيذِ أَحْكَامِهِمْ وَسَدِّ ثُغُورِهِمْ وَتَجْهِيزِ جُيُوشِهِمْ وَأَخْذِ صَدَقَاتِهِمْ وَقَهْرِ الْمُتَغَلِّبَةِ وَالْمُتَلَصِّصَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَإِقَامَةِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَطَلَبَ مُعَاوِيَةُ الْقِصَاصَ إلَخْ] وَذَلِكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ طَلَبَ بِدَمِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ بُنُوَّةِ الْعُمُومَةِ، وَقَصَدَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَةَ عُثْمَانَ إلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ أَرْسَلَهُمْ إلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute