إلَى مُدَّةِ خِلَافَتِهِمْ بِقَوْلِهِ: «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَضُوضًا» وَلِهَذَا قَالَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا وَلِيَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِينَ سَنَةً: أَنَا أَوَّلُ الْمُلُوكِ. ع: اُنْظُرْ هَلْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: (وَأَنْ لَا يُذْكَرَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الرَّسُولِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إلَّا بِأَحْسَنَ ذِكْرٍ) مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا» أَوْ أَرَادَ التَّوْطِئَةَ لِقَوْلِهِ: (وَالْإِمْسَاكُ) أَيْ الْكَفُّ وَالسُّكُوتُ (عَمَّا شَجَرَ) أَيْ وَقَعَ (بَيْنَهُمْ) مِنْ النِّزَاعِ وَالْقِتَالِ (وَأَنَّهُمْ أَحَقُّ) أَيْ أَوْجَبُ (النَّاسِ أَنْ يُلْتَمَسَ) أَيْ
ــ
[حاشية العدوي]
أَسْمَاؤُهُمْ خُلَفَاءَ اهـ.
[قَوْلُهُ: ثَلَاثُونَ سَنَةً] قَالَ السُّيُوطِيّ: الثَّلَاثُونَ لَا تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا حَرَّرْتُهُ، فَمُدَّةُ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَانِ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَمُدَّةُ خِلَافَةِ عُمَرَ عَشَرُ سِنِينَ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ، وَمُدَّةُ خِلَافَةِ عُثْمَانَ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً وَأَحَدَ عَشْرَ شَهْرًا وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ، وَمُدَّةُ خِلَافَةِ عَلِيٍّ أَرْبَعُ سِنِينَ وَتِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ، هَذَا هُوَ التَّحْرِيرُ.
قَالَ اللَّقَانِيُّ: قُلْت: مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ هَذَا الَّذِي حَرَّرَهُ يَنْقُصُ عَلَى الثَّلَاثِينَ إذْ هُوَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ عَامًا وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَلَا يَكْمُلُ دَوْرُ الثَّلَاثِينَ إلَّا بِأَيَّامِ خِلَافَةِ الْحَسَنِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. ثُمَّ إنَّ الْحَسَنَ سَلَّمَ الْأَمْرَ إلَى مُعَاوِيَةَ وَحَقَّقَ اللَّهُ بِذَلِكَ قَوْلَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» : [قَوْلُهُ: ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا] بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ أَيْ خِلَافَةً نَاقِصَةً يَشُوبُهَا الزَّلَلُ وَعَدَمُ خُلُوصِهَا مَنِّ الْخَلَلِ. [قَوْلُهُ: أَنَا أَوَّلُ الْمُلُوكِ] فِيهِ اعْتِرَافٌ بِوُقُوعِ الْخَلَلِ فِي خِلَافَتِهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: عَضُوضًا] بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِنْ عَضَّ. مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ يَتَعَسَّفُونَ عَلَى الرَّعِيَّةِ فَكَأَنَّهُمْ يَعَضُّونَهُمْ بِالْأَسْنَانِ. [قَوْلُهُ: اُنْظُرْ هَلْ أَرَادَ مَعْنًى إلَخْ] أَيْ فَلَمْ يَذْكُرْهُ لِكَوْنِهِ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ.
أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ لِذَلِكَ أَيْ إذَا خَطَرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْبَالِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَلَا يُذْكَرُوا إلَّا بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ أَيْ لَا أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّهُ يَلِيقُ بِهِمْ أَنْ يُذْكَرُوا بِقَبِيحٍ، لَكِنْ قَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِأَحْسَنَ عَدَمُ ذِكْرِهِمْ بِالْأَقْبَحِ وَبِالْقَبِيحِ وَبِالْمَكْرُوهِ وَبِخِلَافِ الْأَوْلَى وَبِالْمُبَاحِ وَبِالْحَسَنِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَهُمْ بِالْقَبِيحِ، إمَّا كُفْرٌ كَأَنْ قَالَ: إنَّهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ وَكُفْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَهَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَالْمُرْتَدِّ أَوْ لَا كَالزِّنْدِيقِ خِلَافٌ، وَإِمَّا مَعْصِيَةٌ إنْ ذَكَرَهُمْ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُحَدُّ وَيُنَكَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ النَّكَالِ الشَّدِيدِ، وَكَذَا إنْ ذَكَرَهُمْ بِقَبِيحٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ إلَّا أَنَّهُ يُجْلَدُ الْجَلْدَ الشَّدِيدَ وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ يَمُوتَ، وَأَمَّا ذِكْرُهُمْ بِالْمَكْرُوهِ فَمَكْرُوهٌ وَبِخِلَافِ الْأَوْلَى فَخِلَافُ الْأَوْلَى وَكَذَا بِالْمُبَاحِ إلَّا أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، وَكَذَا بِالْحُسْنِ حَيْثُ أَمْكَنَ الْأَحْسَنُ وَهُوَ أَيْضًا أَضْعَفُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الظَّاهِرِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَيْ مِنْ قَوْلِي وَأَمَّا ذِكْرُهُمْ بِالْمَكْرُوهِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَأَمْسِكُوا] بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَمْسَكَ أَيْ وُجُوبًا عَنْ الْقَبِيحِ بِأَقْسَامِهِ وَنَدْبًا أَكِيدًا عَنْ الْمَكْرُوهِ وَغَيْرَ أَكِيدٍ عَنْ الْمُبَاحِ وَالْحَسَنِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. [قَوْلُهُ: أَوْ أَرَادَ التَّوْطِئَةَ] أَيْ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ عَدَمَ ذِكْرِ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ مِنْ التَّشَاجُرِ.
[قَوْلُهُ: وَالسُّكُوتُ] عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ [قَوْلُهُ: وَالْقِتَالُ] عَطْفٌ مُغَايِرٌ إنْ خَصَّ النِّزَاعَ بِالْأَقْوَالِ، وَعَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ إنْ أُرِيدَ بِالنِّزَاعِ مَا هُوَ أَعَمُّ.
تَنْبِيهٌ: الْإِمْسَاكُ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ وَاجِبٌ.
[قَوْلُهُ: وَأَنَّهُمْ أَحَقُّ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّهُمْ أَحَقُّ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَوْجَبُ النَّاسِ] أَيْ أَنَّهُمْ أَشَدُّ وُجُوبًا مِنْ النَّاسِ فِي الْتِمَاسِ أَحْسَنِ الْمَخَارِجِ أَيْ فَوُجُوبُ الْتِمَاسِ أَحْسَنِ الْمَخَارِجِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ، إلَّا أَنَّهُمْ تَمَيَّزُوا بِأَشَدِّيَّتِهِ وَلَا تَفْهَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْتِمَاسُ الْحَسَنِ الَّذِي لَيْسَ بِأَحْسَنَ حَرَامًا؛ لِأَنَّنَا نُرِيدُ بِالْأَحْسَنِ الْحَسَنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute