للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجِدَالِ إظْهَارَ الْحَقِّ دُونَ التَّعَنُّتِ وَالْعِنَادِ وَالْإِظْهَارُ عَلَى الْخَصْمِ وَنِسْبَةُ شَرَفِ الْعِلْمِ لِنَفْسِهِ فَذَاكَ جَائِزٌ، وَقِيلَ: مَنْدُوبٌ، وَلِلْمُذَاكَرَةِ الْجَائِزَةِ آدَابٌ مِنْهَا تَجَنُّبُ الِاضْطِرَابِ مَا عَدَا اللِّسَانِ مِنْ الْجَوَارِحِ، وَالِاعْتِدَالُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ وَخَفْضِهِ وَحُسْنُ الْإِصْغَاءِ إلَى كَلَامِ صَاحِبِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَ الْكَلَامَ مُنَاوَبَةً لَا مُنَاهَبَةً، وَالثَّبَاتُ عَلَى الدَّعْوَى إنْ كَانَ مُجِيبًا، وَالْإِصْرَارُ عَلَى السُّؤَالِ إنْ كَانَ سَائِلًا وَالِاحْتِرَازُ عَنْ التَّعَنُّتِ وَالتَّعَصُّبِ وَالضَّحِكِ وَاللَّجَاجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ

(وَ) كَذَلِكَ (تَرْكُ كُلِّ مَا أَحْدَثَهُ الْمُحْدِثُونَ) وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ

ــ

[حاشية العدوي]

وَأَقُولُ أَيْضًا: وَعَلَى كَلَامِ تت لَا يَكُونَانِ حَرَامَيْنِ أَيْ إلَّا إذَا صَاحَبَهُمَا وَجْهٌ مُحَرِّمٌ كَإِظْهَارِ شَرَفِ الْعِلْمِ لِنَفْسِهِ وَالْجَهْلِ لِغَيْرِهِ.

[قَوْلُهُ: إبْطَالُ حَقٍّ] مَثَلًا فَيَكُونُ حَرَامًا [قَوْلُهُ: دُونَ التَّعَنُّتِ] التَّعَنُّتُ إدْخَالُ الْأَذَى كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: إظْهَارُ الْحَقِّ أَيْ فَإِنْ قَصَدَ التَّعَنُّتَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا ذُكِرَ فَيَحْرُمُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ إظْهَارِ الْحَقِّ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ مُتَجَاوِزَ التَّعَنُّتِ إلَخْ. أَيْ لَمْ يَكُنْ مُصَاحِبًا بِمَا ذُكِرَ، وَأَمَّا لَوْ صَاحَبَ إظْهَارَ الْحَقِّ وَاحِدٌ مِمَّا ذُكِرَ فَيَحْرُمُ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ عَنْ إظْهَارِ الْحَقِّ بِالْأَوْلَى فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَالْعِنَادِ] الْعِنَادُ ارْتِكَابُ الْخِلَافِ وَالْعِصْيَانِ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ أَيْضًا فَهُوَ يَرْجِعُ لِلْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: وَالْإِظْهَارُ عَلَى الْخَصْمِ] أَيْ الِاسْتِعْلَاءُ عَلَيْهِ، أَيْ فَإِذَا كَانَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَكُونُ جَائِزًا بَلْ حَرَامًا. [قَوْلُهُ: وَنِسْبَةُ شَرَفِ الْعِلْمِ لِنَفْسِهِ] أَيْ وَتَجْهِيلُ غَيْرِهِ أَوْ نِسْبَةُ شَرَفِ الْعِلْمِ لِنَفْسِهِ مَعَ كِبْرٍ أَوْ رِيَاءٍ.

[قَوْلُهُ: فَذَاكَ جَائِزٌ] لَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ مَعَ هَذَا الْقَصْدِ بَلْ رُبَّمَا يُقَالُ: لَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا فَلَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ يُقَدِّمُهُ بَلْ لَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ النَّدْبُ وَقَدْ يَجِبُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ وَجْهٍ لَهُ بِأَنَّ مَقَامَ الْمُنَاظَرَةِ خَطَرٌ فَهُوَ وَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ الْمَقْصِدَ رُبَّمَا غَلَبَ عَلَيْهِ الِاتِّصَافُ بِوَجْهٍ مُحَرِّمٍ كَمَحَبَّةِ غَلَبَتِهِ عَلَى خَصْمِهِ لَا إظْهَارِ الْحَقِّ حَيْثُ كَانَ. [قَوْلُهُ: وَالْجَائِزَةِ] أَيْ الْمَأْذُونِ فِيهَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ؛ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ لِلْوُقُوفِ عَلَى الصَّوَابِ وَزِيَادَةِ الْعِلْمِ.

[قَوْلُهُ: آدَابٌ] الظَّاهِرُ أَنَّهَا آدَابٌ شَرْعِيَّةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ وَالْآدَابُ جَمْعُ أَدَبٍ، وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا سَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: مِنْهَا إلَخْ] أَيْ وَمِنْهَا أَلَّا يَتَكَلَّمَ فِيمَا لَمْ يَقَعْ لَهُ عِلْمُهُ وَلَا بِمَوْضِعٍ يَهَابُهُ وَلَا جَمَاعَةً تَشْهَدُ بِالزُّورِ لِخَصْمِهِ وَيَرُدُّونَ كَلَامَهُ. [قَوْلُهُ: مَا عَدَا اللِّسَانَ] أَيْ مَا عَدَا اضْطِرَابَ اللِّسَانِ أَيْ تَحَرُّكَهُ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الْجَوَارِحِ مُتَعَلِّقٌ بِالِاضْطِرَابِ أَيْ تَجَنُّبُ الِاضْطِرَابِ مِنْ الْجَوَارِحِ مَا عَدَا اللِّسَانِ.

[قَوْلُهُ: وَحُسْنُ الْإِصْغَاءِ إلَخْ] أَيْ وَالْإِصْغَاءُ الْحَسَنُ إلَى كَلَامِ إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَصْفٌ مُخَصِّصٌ؛ لِأَنَّ مِنْ الْإِصْغَاءِ مَا لَيْسَ بِحَسَنٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: مُنَاوَبَةً أَيْ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً.

[قَوْلُهُ: لَا مُنَاهَبَةً] أَيْ بِحَيْثُ يَتَكَلَّمُ مَا اسْتَطَاعَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إلَّا هُوَ. [قَوْلُهُ: وَالثَّبَاتُ عَلَى الدَّعْوَى] أَيْ إنَّ هَذَا الْمُجِيبَ لِسَائِلِهِ يَثْبُتُ عَلَى دَعْوَاهُ الْأُولَى الَّتِي نَاقَشَهُ السَّائِلُ أَيْ الْبَاحِثُ فِي دَلِيلِهَا فَلَا يَنْتَقِلُ لِدَعْوَى أُخْرَى. [قَوْلُهُ: وَالْإِصْرَارُ عَلَى السُّؤَالِ] أَيْ إذَا كَانَ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ وَحَصَلَ مِنْ صَاحِبِهِ الْجَوَابُ عَنْهُ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْ سُؤَالِهِ، وَيَقُولُ: لَمْ أَسْأَلْ بِهَذَا. [قَوْلُهُ: التَّعَنُّتُ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَتَعَنُّتُهُ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْأَذَى اهـ. أَيْ يَتَحَرَّزُ مِنْ كَوْنِهِ يُدْخِلُ عَلَى مَنَاظِرِهِ الْأَذَى مِمَّنْ نِسْبَةُ الْخَطَأِ إلَيْهِ وَتَكَلُّمِهِ بِالْفُحْشِ. [قَوْلُهُ: وَالتَّعَصُّبِ] أَيْ نُصْرَةُ كَلَامِهِ.

[قَوْلُهُ: وَاللَّجَاجِ] فِي الْمِصْبَاحِ مَا يُفِيدُ أَنَّ مَعْنَاهُ الْمُلَازَمَةُ وَالْمُوَاظَبَةُ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ كَثْرَةُ السُّؤَالِ بِكُلِّ مَا يَبْدُو؛ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ بِكُلِّ مَا يَبْدُو يُورِثُ السَّآمَةَ وَيُحِيلُ الطِّبَاعَ، بَلْ إذَا سَأَلَ يَكُونُ بِشَيْءٍ لَهُ صِحَّةٌ وَوَجْهٌ يُقْبَلُ عِنْدَ الْحَاضِرِينَ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوِ ذَلِكَ] أَيْ مِنْ قَصْدِ الْمُغَالَبَةِ وَالِانْتِقَامِ وَالرِّيَاءِ وَالْمُبَاهَاةِ.

[قَوْلُهُ: وَاجِبٌ إلَخْ] تَصْرِيحٌ بِمَضْمُونٍ قَوْلِهِ: كَذَلِكَ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ هَذَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الْبِدْعَةَ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>