أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا لَا يُعَارِضُهُ مَا يَأْتِي فِي الْأَقْضِيَةِ، تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ؛ لِأَنَّ مَا هُنَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا اسْتَنَدَ إلَى كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ، وَمَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا) وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ.
وَأَمَّا مَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ فَشَرَعَ فِي بَيَانِهِ فَقَالَ:
ــ
[حاشية العدوي]
لَمْ يَقَعْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَلَّ الشَّرْعُ عَلَى حُرْمَتِهِ، وَقِيلَ: هِيَ مَا لَمْ يَقَعْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى حُرْمَتِهِ أَوْ وُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَنْ قَالَ إنَّ الْبِدْعَةَ تَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْقَرَافِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا أَقْرَبُ لِمَعْنَاهَا لُغَةً؛ لِأَنَّهَا فِي اللُّغَةِ مَا فُعِلَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ، فَالْأَحْسَنُ لِشَارِحِنَا أَنْ يَذْهَبَ لِهَذَا الْقَوْلِ وَيُقَدِّرَ بَدَلَ قَوْلِهِ: وَاجِبٌ مَطْلُوبٌ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْبِدْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى، فَالْبِدْعَةُ الْمُحَرَّمَةُ كَمَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ، وَالْبِدْعَةُ الْوَاجِبَةُ كَتَدْوِينِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ خِيفَ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ، وَالْبِدْعَةُ الْمَنْدُوبَةُ كَإِحْدَاثِ الرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ، وَالْبِدْعَةُ الْمَكْرُوهَةُ كَأَذَانِ جَمَاعَةٍ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ، وَالْبِدْعَةُ الْمُبَاحَةُ كَالتَّوَغُّلِ فِي لَذِيذِ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْأَكْلِ بِالْمَعَالِقِ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ رَدٌّ] أَيْ مَرْدُودٌ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى إحْدَاثِ أَمْرٍ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَوْ خِلَافِ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: تَحْدُثُ إلَخْ] بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مَا يَأْتِي أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ كَتَحْلِيفٍ عَلَى مُصْحَفٍ أَوْ بِالطَّلَاقِ لِكَوْنِهِ يَتَهَاوَنُ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ أَيْ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ كَاذِبًا، وَلَوْ حَلَفَ بِمُصْحَفٍ أَوْ بِطَلَاقٍ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى ذَلِكَ كَاذِبًا.
[قَوْلُهُ: مَا اسْتَنَدَ إلَى كِتَابٍ إلَخْ] أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَنْصُوصًا فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ مَقِيسًا عَلَى حُكْمٍ فِي سُنَّةٍ أَوْ كِتَابٍ أَوْ ثَابِتًا بِإِجْمَاعٍ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ، إلَّا أَنَّ فِيهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّ مَا يَأْتِي مَحْمُولٌ عَلَى مُحْدَثٍ لَا تَأْبَاهُ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا تَأْبَاهُ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ. [قَوْلُهُ: نَبِيُّهُ] فِيهِ أَنَّ الرِّسَالَةَ أَشْرَفُ مِنْ النُّبُوَّةِ فَالْمُنَاسِبُ الْوَصْفُ بِهَا، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنَ حَيْثُ قَالَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: ٥٦] إلَخْ.
وَإِنْ وَرَدَ السُّؤَالُ بَعْدُ فِي حِكْمَةِ اخْتِيَارِهِ فِي الْآيَةِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى آلِهِ] أَيْ أَتْبَاعِهِ، فَعَطْفُ مَا بَعْدَهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَالنُّكْتَةُ ظَاهِرَةٌ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُ الصَّحْبِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ] أَيْ كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ: وَتَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الِاعْتِقَادِيَّةِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا وُجُوبُ تَرْكِ كُلِّ مَا أَحْدَثَهُ إلَخْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ فَإِذَا خَطَرَ ذَلِكَ بِالْبَالِ فَيَجِبُ عَلَيْك اعْتِقَادُهُ دُونَ اعْتِقَادِ ضِدِّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute