للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ إغْمَاءٍ) قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ. ثَالِثُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ سُكْرٍ) ظَاهِرُهُ سُكْرٌ بِحَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، رَابِعُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ تَخَبُّطِ جُنُونٍ) إنَّمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ بِالنَّوْمِ مَعَ كَوْنِهِ أَخَفَّ حَالًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ بِيَسِيرِ الِانْتِبَاهِ كَانَ وُجُوبُهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَدْخَلُ فِي اسْتِتَارِ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ.

(تَنْبِيهَانِ)

الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ بِغَيْرِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ.

الثَّانِي: الْمَشْهُورُ أَنَّ فِقْدَانَ الْعَقْلِ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى.

، وَالسَّبَبُ الثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ) وَهُوَ مَا دُونَ الْجِمَاعِ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] (لِ) أَجْلِ قَصْدِ الـ (لَّذَّةِ) وَجَدَهَا أَوْ لَا أَوْ لِوُجُودِ اللَّذَّةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَانَ

ــ

[حاشية العدوي]

النَّقْضِ بِالْخَفِيفِ أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَى شُمُولِ الْحَدِيثِ لَهُ فَصَحَّ الِاسْتِدْلَال فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: أَوْ إغْمَاءٍ إلَخْ] الْإِغْمَاءُ مَرَضٌ فِي الرَّأْسِ [قَوْلُهُ: سُكْرٍ بِحَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ] أَيْ كَمَنْ شَرِبَ لَبَنًا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُ مُسْكِرٍ فَسَكِرَ مِنْهُ [قَوْلُهُ: أَوْ تَخَبُّطِ جُنُونٍ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُ تَخَبُّطٍ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ يَكُونُ بِالْجُنُونِ وَالتَّخَبُّطُ مُصَاحِبٌ لِزَوَالِ الْعَقْلِ لَا أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي الْجُنُونِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ طَبْعًا أَوْ مِنْ الْجِنِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ فِي جُنُونٍ يَتَقَطَّعُ لَا إنْ كَانَ مُطْبِقًا فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ [قَوْلُهُ: إنَّمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ مِنْهُ إلَخْ] أَيْ فَهَذِهِ الْأُمُورُ مَقِيسَةٌ عَلَى النَّوْمِ كَمَا أَفَادَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّصَّ عَنْ الشَّارِعِ إنَّمَا جَاءَ فِي النَّوْمِ وَقِيسَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا أَدْخَلُ فِي اسْتِتَارِ الْعَقْلِ] أَيْ وَلِذَلِكَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ طَوِيلِهَا وَقَصِيرِهَا وَلَا بَيْنَ ثَقِيلِهَا وَخَفِيفِهَا، وَلِذَلِكَ حَكَمَ بِزَوَالِ التَّكْلِيفِ مَعَهَا بِخِلَافِ النَّوْمِ فَصَاحِبُهُ مُخَاطَبٌ، وَإِنْ رُفِعَ الْإِثْمُ عَنْهُ، وَاسْتَعْمَلَ الِاسْتِتَارَ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَبِالنِّسْبَةِ لِلْعَقْلِ فِي حَقِيقَتِهِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلتَّمْيِيزِ فِي مَجَازِهِ وَهُوَ زَوَالُهُ [قَوْلُهُ: وَالتَّمْيِيزِ] مِنْ عَطْفِ الشَّيْءِ عَلَى آلَتِهِ [قَوْلُهُ: لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ] أَيْ بَلْ يُسْتَحَبُّ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُقَابِلُ ذَلِكَ لِابْنِ نَافِعٍ وَهُوَ وُجُوبُ الْوُضُوءِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ قَاعِدًا وَحَصَلَ لَهُ ذَلِكَ لِهَمٍّ أَوْ سُرُورٍ، وَأَمَّا إذَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ اتِّفَاقًا كَمَا أَفَادَهُ ح وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ شَيْخُنَا، ثُمَّ أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّقْضِ مَوْجُودَةٌ وَهِيَ غَيْبُوبَةُ الْعَقْلِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّوْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِكُلِّ مُنْصِفٍ، وَأَمَّا مَنْ اسْتَغْرَقَهُ الْوَجْدُ فِي حُبِّ اللَّهِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقِظُ الْقَلْبِ أَيْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَغِبْ عَقْلُهُ. [قَوْلُهُ: الْمَشْهُورُ أَنَّ فِقْدَانَ الْعَقْلِ إلَخْ] خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ قَلَّمَا جُنَّ إنْسَانٌ إلَّا وَأَنْزَلَ

[قَوْلُهُ: مِنْ الْمُلَامَسَةِ إلَخْ] الْمُرَادُ اللَّمْسُ وَهُوَ مُلَاقَاةُ جِسْمٍ لِجِسْمٍ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِبَارِ، وَالْمَسُّ هُوَ الِالْتِقَاءُ مُطْلَقًا وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ اللَّمْسُ نَاقِضًا عِنْدَنَا إلَّا مَعَ قَصْدِ اللَّذَّةِ أَوْ وُجُودِهَا حَسُنَ التَّعْبِيرُ عِنْدَنَا بِاللَّمْسِ، وَلَمَّا كَانَ لَمْسُ الذَّكَرِ نَاقِضًا مُطْلَقًا حَسُنَ التَّعْبِيرُ بِالْمَسِّ وَشَمَلَ كَلَامُهُ لَمْسَ الْأَمْرَدِ إذَا قُصِدَ بِمُلَامَسَتِهِ اللَّذَّةُ كَمَا أَفَادَهُ تت، وَيُفْهَمُ مِنْ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى خَلِيلٍ أَنَّ مِثْلَهُ ذُو اللِّحْيَةِ النَّابِتَةِ عَنْ قُرْبٍ حَيْثُ كَانَ مِمَّنْ يَتَلَذَّذُ بِهِ عَادَةً. [قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا دُونَ الْجِمَاعِ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كُلَّ الصَّحَابَةِ لَا يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ جَامَعْتُمُوهُنَّ أَيْ فَفَسَّرَ الْمُلَامَسَةَ بِالْجِمَاعِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَصْدُقُ بِالْقُبْلَةِ فَهُوَ غَيْرُ نَافِعٍ.

[قَوْلُهُ: لِأَجْلِ قَصْدِ اللَّذَّةِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ جَعَلَ مَنْطُوقَ الْمُصَنِّفِ قَصْدَ اللَّذَّةِ مُطْلَقًا مَعَهُ وِجْدَانٌ أَمْ لَا، فَيَكُونُ سَوْقُهُ مَسْأَلَةَ الْوُجُودِ فَقَطْ بِقَوْلِهِ أَوْ لِوُجُودِ اللَّذَّةِ لِأَجْلِ كَوْنِهَا مَفْهُومَةً بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ مِنْ الْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ عَنْ اللَّذَّةِ لَا اعْتِرَاضًا عَلَى الْمُصَنِّفِ بِكَوْنِهِ أَخَلَّ بِهَا، وَأَقُولُ بِحَمْدِ اللَّهِ: لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُحْتَوٍ عَلَى الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ لِلَّذَّةِ صَادِقٌ مِنْ حَيْثُ قَصْدُهَا أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>