ذَلِكَ رُخْصَةً لِمَنْ نَزَلَ بِهِ لَا يَتَعَدَّاهُ أَوْ سُقُوطِ ذَلِكَ بِجَعْلِ الْخَارِجِ كَالْعَدَمِ فِيهِ؟ قَوْلَانِ، مَشْهُورُهُمَا الْكَرَاهَةُ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا جَوَازُ إمَامَتِهِ لِغَيْرِهِ صَحِيحًا كَانَ أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ.
، وَأَمَّا الْأَسْبَابُ فَجَمْعُ سَبَبٍ وَهُوَ لُغَةً الْحَبْلُ وَاصْطِلَاحًا مَا لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ بِمَا يُؤَدِّي إلَى الْحَدَثِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ثَلَاثَةٌ: زَوَالُ الْعَقْلِ وَلَمْسُ مَنْ تُشْتَهَى وَمَسُّ الذَّكَرِ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَيَجِبُ الْوُضُوءُ) وُجُوبَ الْفَرَائِضِ (مِنْ زَوَالِ) بِمَعْنَى اسْتِتَارِ (الْعَقْلِ) وَاسْتِتَارُهُ يَكُونُ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا إمَّا (بِ) سَبَبِ (نَوْمٍ مُسْتَثْقَلٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ، وَهُوَ الَّذِي يُخَالِطُ الْقَلْبَ، وَيُذْهِبُ الْعَقْلَ وَلَا يَشْعُرُ صَاحِبُهُ بِمَا فَعَلَ، وَهُوَ إمَّا طَوِيلٌ فَيَنْقُضُ اتِّفَاقًا أَوْ قَصِيرٌ فَيَنْقُضُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: مُسْتَثْقَلٍ أَنَّ الْخَفِيفَ الَّذِي يَشْعُرُ صَاحِبُهُ بِأَدْنَى سَبَبٍ لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ كَذَلِكَ مُطْلَقًا قَصِيرًا كَانَ أَوْ طَوِيلًا لِمَا فِي مُسْلِمٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ كَذَا حَمَلَ عِيَاضٌ الْحَدِيثَ عَلَى الْخَفِيفِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ مِنْ الطَّوِيلِ الْوُضُوءُ.
ثَانِيهَا:
ــ
[حاشية العدوي]
قَبْلَ الْمُخْتَارِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ الْعِشَاءِ كَذَا ظَهَرَ لِلْمَنُوفِيِّ.
[قَوْلُهُ: مَشْهُورُهُمَا الْكَرَاهَةُ] هَذَا الْحِلُّ غَيْرُ مُنَاسِبٍ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: قَوْلَانِ يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا صِحَّةُ إمَامَتِهِ لِغَيْرِهِ وَعَدَمُ صِحَّتِهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ فَالْمَشْهُورُ الْكَرَاهَةُ أَيْ كَرَاهَةُ إمَامَتِهِ لِغَيْرِهِ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ تَرْكُ الْإِمَامَةِ حِينَ وَجَدَ سَلَسَ الْمَذْيِ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى، هَذَا مُحَصَّلُ مَا أَفَادَهُ التَّوْضِيحُ وَالدَّفَرِيُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَالدَّفَرِيُّ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ
[قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً الْحَبْلُ إلَخْ] قَالَ تَعَالَى {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: ١٥] أَيْ بِحَبْلٍ إلَى سَقْفِ بَيْتِهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْعِلْمِ قَالَ تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: ٨٤] أَيْ عِلْمًا [قَوْلُهُ: وَلَكِنْ بِمَا يُؤَدِّي] أَيْ مُصَوَّرٌ بِمَا يُؤَدِّي [قَوْلُهُ: عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ] اُنْظُرْ هَلْ لَهُ مَفْهُومٌ فَيَكُونَ الْمُرَادُ لَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ [قَوْلُهُ: وُجُوبَ الْفَرَائِضِ] بِمَعْنَى مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيَتَرَتَّبُ الْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهِ لَا وُجُوبَ السُّنَنِ بِمَعْنَى تَأَكُّدِهَا. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى اسْتِتَارِ] أَيْ لَا بِمَعْنَى ذَهَابِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، إذْ لَوْ ذَهَبَ لَمْ يَعُدْ إذْ الْفَرْضُ فِي إنْسَانٍ يَلْحَقُهُ مَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ ثُمَّ يَعُودُ لَهُ عَقْلُهُ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ [قَوْلُهُ: إمَّا بِسَبَبِ إلَخْ] لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ إمَّا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَوَّلُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ بِنَوْمٍ إلَخْ [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْقَافِ] اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ بِسَبَبِ نَوْمٍ يَعُدُّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ ثَقِيلًا [قَوْلُهُ: يُخَالِطُ الْقَلْبَ] أَرَادَ بِهِ الْعَقْلَ فَقَوْلُهُ: وَيُذْهِبُ الْعَقْلَ مِنْ الْإِظْهَارِ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ نُكْتَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْقَلْبَ يُطْلَقُ مُرَادًا بِهِ الْعَقْلُ، وَلَمَّا كَانَ الذَّهَابُ فَرْعَ الْمُخَالَطَةِ قَدَّمَ الْمُخَالَطَةَ عَلَى الذَّهَابِ وَفِي الْعَقْلِ تَفَاسِيرُ فَمِنْهَا مَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ نُورٌ يُقْذَفُ فِي الْقَلْبِ فَيَسْتَعِدُّ لِلْإِدْرَاكَاتِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَشْعُرُ صَاحِبُهُ بِمَا فُعِلَ] يُقْرَأُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَانَ فَعَلَهُ أَوْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ، فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا إذَا سَقَطَ لُعَابُهُ أَوْ حَبْوَتُهُ بِيَدِهِ أَوْ الْكُرَّاسُ مِنْ يَدِهِ، وَلَمْ يَشْعُرْ لَا إنْ لَمْ يَسْقُطْ أَوْ سَقَطَ وَشَعَرَ، وَقَيَّدْنَا الْحَبْوَةَ بِالْيَدِ لَا إنْ كَانَتْ الْحَبْوَةَ الْمَعْلُومَةَ فَهُوَ كَالْمُسْتَنِدِ وَمِنْ الْأَوَّلِ أَيْضًا سُقُوطُهُ وَهُوَ قَائِمٌ، أَوْ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَنِدٌ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ سَقَطَ، لَا إنْ لَمْ يَسْقُطْ فَلَيْسَ بِثَقِيلٍ وَيُنْقَضُ بِالثَّقِيلِ، وَلَوْ سَدَّ مَخْرَجَهُ سَدًّا مُحْكَمًا إنْ دَامَ لَا إنْ لَمْ يَدُمْ، وَجَزَمَ الْغَرْنَاطِيُّ بِعَدَمِ النَّقْضِ وَلَوْ مَعَ الدَّوَامِ، وَالْمُرَادُ بِسَدِّهِ كَمَا قَرَّرَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَضُمَّ شَيْئًا وَيُلْصِقَهُ بِدُبُرِهِ وَيَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ انْفِتَاحَ الدُّبُرِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ يُدْخِلُ شَيْئًا فِي دُبُرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: لَا [قَوْلُهُ: كَذَا حَمَلَ إلَخْ] فَإِنْ قُلْت: عِيَاضٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْحَاكِمِينَ بِعَدَمِ النَّقْضِ بِالْخَفِيفِ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِالْحَدِيثِ بِحَمْلِهِ؟ قُلْت الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ مُطْلَقًا خَفِيفًا أَوْ ثَقِيلًا فَحَمَلَهُ عِيَاضٌ عَلَى الْخَفِيفِ فَقَطْ فَخَرَجَ الثَّقِيلُ، فَخُلَاصَةُ حَمْلِهِ إخْرَاجُ الثَّقِيلِ لَا عَدَمُ النَّقْضِ بِالْخَفِيفِ الَّذِي هُوَ الْمُدَّعَى بَلْ هُوَ أَيْ عَدَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute