للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَوْمًا مِمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ اسْتِحَاضَةً وَبِغَيْرِ مَرَضٍ مِنْ الْخَارِجِ بِسَبَبِ مَرَضٍ غَيْرِ الِاسْتِحَاضَةِ وَبِلَا وِلَادَةٍ مِنْ دَمِ النِّفَاسِ، وَدَلِيلُ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] وَفِي الْمُوَطَّإِ «مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي.» "

وَالْمُوجِبُ الثَّالِثُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ) دَمِ (الِاسْتِحَاضَةِ) ع: اُنْظُرْ كَيْفَ أَوْجَبَ الْغُسْلَ مِنْ انْقِطَاعِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَنَحْوُهُ فِي ك.

وَقَالَ ج: اُخْتُلِفَ فِي انْقِطَاعِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: لَا أَثَرَ لَهُ، وَقِيلَ: تَطْهُرُ مِنْهُ اسْتِحْبَابًا، وَإِلَيْهِ رَجَعَ مَالِكٌ، وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقِيلَ: إنَّهَا تَغْتَسِلُ مِنْهُ وُجُوبًا عَلَى ظَاهِرِ نَقْلِ الْبَاجِيِّ.

قَالَ مَالِكٌ: مَرَّةً تَغْتَسِلُ وَمَرَّةً لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهَا،

ــ

[حاشية العدوي]

لَا تَحْتَاجُ لِسُؤَالِ النِّسَاءِ، وَأَمَّا بِنْتُ خَمْسِينَ إلَى السَّبْعِينَ فَالْخَارِجُ مِنْهَا حَيْضٌ إنْ قَطَعَتْ النِّسَاءُ أَوْ شَكَكْنَ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا، فَإِنْ قَطَعْنَ بِعَدَمِهِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ لَنَا خَمْسَةَ أَحْوَالٍ دُونَ التِّسْعِ لَيْسَ بِحَيْضٍ قَطْعًا وَالتِّسْعُ إلَى الْمُرَاهَقَةِ يُسْأَلُ النِّسَاءُ وَمِنْ الْمُرَاهَقَةِ إلَى الْخَمْسِينَ حَيْضٌ قَطْعًا، وَمِنْ الْخَمْسِينَ يُسْأَلُ النِّسَاءُ وَمِنْ السَّبْعِينَ إلَى مَا فَوْقُ لَيْسَ بِحَيْضٍ قَطْعًا [قَوْلُهُ: وَقِيلَ خَمْسِينَ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: مِمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ] وَكَذَا مَا زَادَ عَلَى عَادَتِهَا وَأَيَّامِ الِاسْتِظْهَارِ فَهَذِهِ الصُّورَةُ تَرُدُّ عَلَى التَّعْرِيفِ.

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّ حَيْضَ الْحَامِلِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ هَذَا حَدٌّ لِلْغَالِبِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ [قَوْلُهُ: غَيْرِ الِاسْتِحَاضَةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ كَمَا ذَكَرُوا هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَيْ بَعْدَ أَيَّامِ عَادَتِهَا وَالِاسْتِظْهَارِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ خَلَلٍ فِي الْبَدَنِ الَّذِي هُوَ مَرَضٌ فِيهِ، فَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ هُوَ الدَّمُ الْمَذْكُورُ النَّاشِئُ عَنْ مَرَضٍ، فَقَدْ قَالَ زَرُّوقٌ: وَالِاسْتِحَاضَةُ الدَّمُ الْجَارِي عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ عِلَّةٍ انْتَهَى.

وَظَاهِرُهُ أَيُّ مَرَضٍ كَانَ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ غَيْرِ الِاسْتِحَاضَةِ فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ وَهُوَ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ لِلْفَاكِهَانِيِّ، وَمُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّتَّائِيِّ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَبِلَا وِلَادَةٍ مِنْ دَمِ النِّفَاسِ] قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَإِلَّا فَهُوَ خَارِجٌ بِقَوْلِهِ بِنَفْسِهِ [قَوْلُهُ: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢]] قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: فَعَلَى التَّشْدِيدِ يَغْتَسِلْنَ وَأَصْلُهُ يَتَطَهَّرْنَ وَعَلَى التَّخْفِيفِ يَنْقَطِعُ دَمُهُنَّ انْتَهَى.

إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الشَّارِحِ قِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ [قَوْلُهُ: بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ] بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى [قَوْلُهُ: «دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ» ] فَقَدْ قَالَتْ: «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي»

[قَوْلُهُ: أَوْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ دَمٍ هُوَ الِاسْتِحَاضَةُ فَإِذَا كَانَ الْحَالُ مَا ذَكَرَ فَلَا مُوجِبَ لِتَقْدِيرِ الشَّارِحِ إلَّا مُجَارَاةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ [قَوْلُهُ: وَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلَخْ] سَيَأْتِي رَدُّهُ كَمَا فِي كَلَامِ ابْنِ نَاجِي [قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ فِي الْفَاكِهَانِيِّ] أَيْ نَحْوُ الْمَنْقُولِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْفَاكِهَانِيِّ [قَوْلُهُ: فَقِيلَ لَا أَثَرَ لَهُ] أَيْ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا الْغُسْلُ؛ لِأَنَّهَا طَاهِرٌ، وَلَيْسَ ثَمَّ مُوجِبٌ وَلِأَنَّهُ دَمُ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ فَأَشْبَهَ الْخَارِجَ مِنْ الدُّبُرِ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ تَطْهُرُ مِنْهُ اسْتِحْبَابًا] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَشَارَ لَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: لَا بِاسْتِحَاضَةٍ وَنُدِبَ لِانْقِطَاعِهِ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ رَجَعَ مَالِكٌ] أَيْ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا تَغْتَسِلُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَطَّابُ وَعَلَّلَ الِاسْتِحْبَابَ بِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ دَمٍ غَالِبًا [قَوْلُهُ: قَالَ مَالِكٌ] مَعْمُولٌ لِنَقْلٍ إنْ أَرَادَ بِهِ الْمَصْدَرَ وَبَدَلٌ مِنْهُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْمَنْقُولَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَرَّرْنَا كَلَامُ زَرُّوقٍ [قَوْلُهُ: قَالَ مَالِكٌ مَرَّةً تَغْتَسِلُ إلَخْ] فَظَاهِرُ هَذَا الْوُجُوبِ [قَوْلُهُ: وَمَرَّةً لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهَا] يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْوُجُوبِ فَلَا يُنَافِي الِاسْتِحْبَابَ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيُحْتَمَلُ لَيْسَ عَلَيْهَا ذَلِكَ لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا فَيَكُونُ عَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>