الضَّمِيرَ الْبَارِزَ وَإِنْ كَانَ الْمُصَوَّرُ فِي الرَّحِمِ غَيْرَ وَاحِدٍ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ الْإِنْسَانِ.
وَذَكَرَ الْأَرْحَامَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى وَالْبَاءُ فِي (بِحِكْمَتِهِ) لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ صَوَّرَهُ مُصَاحَبًا بِحِكْمَتِهِ وَهِيَ الْإِتْقَانُ وَقِيلَ الْعِلْمُ. وَمِنْ حِكْمَتِهِ تَعَالَى أَنْ جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى ظَهْرِ أُمِّهِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِحَرِّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَجَعَلَ غِذَاءَهُ فِي سُرَّتِهِ، وَجَعَلَ أَنْفَهُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ لِيَتَنَفَّسَ فِي فَارِغٍ.
(وَ) الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي (أَبْرَزَهُ) عَائِدٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْبَارِزُ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْمَجْرُورُ بِالْإِضَافَةِ فِي (إلَى رِفْقِهِ) يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الْإِنْسَانِ، فَمَنْ نَظَرَ إلَى رِفْقِ الْإِنْسَانِ بِهِ جَعَلَهُ عَائِدًا عَلَى الْإِنْسَانِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ أَعَادَهُ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى أَبْرَزَ أَظْهَرَ، وَالرِّفْقُ فِي جَمِيعِ مَا
ــ
[حاشية العدوي]
وَهُوَ مَوْضِعُ وُقُوعِ، يُؤْذِنُ بِأَنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ فِيهِ وَهُوَ مَوْضِعُهَا.
وَقَوْلُهُ: بَعْدُ فِي فَرْجِ الْأُنْثَى مُتَعَلِّقٌ بِوُقُوعِ فَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّ الْفَرْجَ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ لَا الرَّحِمَ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مَوْضِعُ انْتِهَاءِ وُقُوعِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: سُمِّيَ] أَيْ مَوْضِعُ إلَخْ أَوْ الرَّحِمُ بِمَعْنَى الذَّاتِ، وَقَوْلُهُ: بِذَلِكَ أَيْ بِالرَّحِمِ بِمَعْنَى اللَّفْظِ لَا بِمَعْنَى الذَّاتِ، فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ. [قَوْلُهُ: لِانْعِطَافِهِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ وَحُنُوِّهِ أَنْ يَقُولَ لِعَطْفِهِ وَيُعْطَفُ عَلَيْهِ حُنُوُّهُ عَطْفَ مُرَادِفٍ أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: حَنَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى وَلَدِهَا تَحْنِي وَتَحْنُو حُنُوًّا، عَطَفَتْ وَأَشْفَقَتْ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَحُنُوِّهِ] عَطْفُ مُرَادِفٍ. [قَوْلُهُ: مُرَاعَاةً لِلَفْظِ الْإِنْسَانِ] إذْ لَفْظُهُ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى] ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْأَفْرَادُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ أَلْ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَمُرَاعَاةُ الْمَعْنَى بَعْدَ مُرَاعَاةِ اللَّفْظِ فَصِيحَةٌ لِقُوَّةِ الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِتْقَانُ] هُوَ الْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَنَاسِبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَالْحِكْمَةُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَخْ] أَخَّرَهُ لِضَعْفِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَاءَ إمَّا أَنْ تُجْعَلَ لِلْمُصَاحَبَةِ أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ فَيَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعِلْمِ وَتَعَلُّقِهِ قَدِيمٌ وَالِاصْطِحَابُ يُؤْذِنُ بِالْحُدُوثِ؛ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ حَادِثٌ، وَالْأَصْلُ تَسَاوِي الْمُقْتَرِنَيْنِ.
وَعَلَى الثَّانِي أَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ صِفَةُ تَأْثِيرٍ كَالْقُدْرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ تَفْسِيرِهَا بِالْإِتْقَانِ فَإِنَّهُ صِفَةُ فِعْلٍ وَهِيَ حَادِثَةٌ فَيَصِحُّ الِاصْطِحَابُ، وَلَا تُجْعَلُ الْبَاءُ عَلَيْهِ لِلسَّبَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِتْقَانَ صِفَةُ تَأْثِيرٍ كَالْقُدْرَةِ حَتَّى يَكُونَ سَبَبًا بَلْ هُوَ مُقَارِنٌ لِلتَّصَوُّرِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَمِنْ حِكْمَتِهِ] أَيْ إتْقَانِهِ رُجُوعٌ لِلتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ، وَأَتَى بِمَنْ إشَارَةً إلَى أَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا آخَرَ وَمِنْهُ خَلْقُ الْبَصَرِ وَجَعْلِهِ فِي أَعْلَى جَسَدِهِ لِتَكُونَ مَنْفَعَتُهُ أَعَمَّ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ أَجْفَانًا كَالْأَغْطِيَةِ تَقِيهِ مِنْ الْآفَاتِ، وَجَعَلَهَا مُتَحَرِّكَةً تَنْطَبِقُ وَتَنْفَتِحُ بِمِقْدَارِ حَاجَتِهِ، وَجَعَلَ فِي أَطْرَافِهَا شَعْرًا يَمْنَعُ لَدْغَ الذُّبَابِ وَالْهَوَامِّ إذَا نَزَلَتْ عَلَيْهَا، وَجَعَلَهَا زِينَةً لَهَا كَحِلْيَةِ مَا يُحَلَّى، وَجَعَلَ عَظْمَ الْحَاجِبِ بَارِزًا عَلَيْهَا يَقِيهَا وَيَدْفَعُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَطِيفَةٌ فِي شَكْلِهَا. [قَوْلُهُ: بِحَرِّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ] أَيْ إذَا كَانَا حَارَّيْنِ أَوْ بِبَرْدِهِمَا إذَا كَانَا بَارِدَيْنِ، أَوْ أَنَّ لَهُمَا فِي ذَاتِهِمَا حَرَارَةً.
[قَوْلُهُ: وَجَعَلَ غِذَاءَهُ فِي سُرَّتِهِ] لِقُرْبِهَا مِنْ مَعِدَتِهِ، فَلَا كُلْفَةَ عَلَيْهِ فِي الْغِذَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جُعِلَ مِنْ فَمِهِ. [قَوْلُهُ: إلَى رِفْقِ الْإِنْسَانِ] أَيْ ارْتِفَاقِهِ، وَقَوْلُهُ: بِهِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلرِّفْقِ الْوَاقِعِ فِي الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْمَنْفَعَةِ الْمُرْتَفَقِ بِهَا، فَحَاصِلُ الْمَعْنَى فَمَنْ نَظَرَ إلَى ارْتِفَاقِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَرْتَفِقُ بِهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ جَعَلَهُ عَائِدًا عَلَى الْإِنْسَانِ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ] أَيْ خَلَقَ لَهُ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ أَعَادَهُ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى وَأَبْرَزَهُ إلَيَّ شَيْءٍ يَرْتَفِقُ الْإِنْسَانُ بِهِ مُضَافًا لِلْمَوْلَى عَلَى جِهَةِ الْخَلْقِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الرِّفْقَ فِي الْمُصَنِّفِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَرْتَفِقُ الْإِنْسَانُ بِهَا الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ رُجُوعَ الضَّمِيرِ لِلَّهِ عَلَى هَذَا فِيهِ تَكَلُّفٌ، فَالْأَنْسَبُ جَعْلُ الضَّمِيرِ عَائِدًا عَلَى الْإِنْسَانِ فَقَطْ، وَذَهَبَ تت إلَى أَنَّ الرِّفْقَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ وَهُوَ أَحْسَنُ. [قَوْلُهُ: أَظْهَرَ] أَيْ مِنْ الْعَدَمِ لِلْوُجُودِ، فَالرِّفْقُ لَحِقَ بِهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ حِجْرَ أُمِّهِ وَطَنًا وَثَدْيَهَا لَهُ حُقًّا وَجَعَلَ لَبَنَهَا بَيْنَ الْمُلُوحَةِ وَالْعُذُوبَةِ إذْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لَسَئِمَهُ بَارِدًا فِي الصَّيْفِ سُخْنًا فِي الشِّتَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: