يُرْتَفَقُ بِهِ.
(وَ) أَبْرَزَهُ إلَى (مَا) أَيْ الَّذِي (يَسَّرَهُ) اللَّهُ (لَهُ مِنْ رِزْقِهِ) مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ (وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ) وَهِيَ الشَّهَادَةُ، وَقِيلَ الْعِلْمُ النَّظَرِيُّ وَهُوَ مَا يُدْرَكُ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَقِيلَ: الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ كَالذَّوْقِ وَالشَّمِّ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللَّمْسِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: ١١٣] وَفَضْلُهُ تَعَالَى إعْطَاءُ الشَّيْءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُعْطِي شَيْئًا رَجَاءَ الثَّوَابِ، إمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ، وَمِنْ فَضْلِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْجَدَهُ بَعْدَ الْعَدَمِ وَأَنْ جَعَلَهُ حَيَوَانًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ جَمَادًا، وَأَنْ جَعَلَهُ إنْسَانًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ بَهِيمَةً (وَنَبَّهَهُ بِآثَارِ صَنْعَتِهِ) أَيْ أَيْقَظَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ وَجَعَلَ لَهُ عَقْلًا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْمَصْنُوعِ صَانِعًا صَنَعَهُ، وَهَذَا التَّنْبِيهُ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى:
ــ
[حاشية العدوي]
أَظْهَرَهُ مِنْ ضِيقٍ إلَى سَعَةٍ، أَيْ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ إلَى خَارِجِهَا. [قَوْلُهُ: مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ] أَيْ فَالرِّزْقُ عَلَى الصَّحِيحِ عَامٌّ فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ حِينِ يُخْلَقُ إلَى أَنْ يَمُوتَ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا يَكُونُ إلَّا حَلَالًا وَهُوَ بَاطِلٌ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ إلَخْ] مَا اسْمٌ مَوْصُولٌ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَهْلِ حَتَّى يَطْرَأَ الْعِلْمُ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الشَّهَادَةُ] أَيْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يُدْرَكُ بِالنَّظَرِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِالنَّظَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ يُدْرَكُ إنَّمَا هُوَ الْمَعْلُومُ لَا الْعِلْمُ النَّظَرِيُّ الْمَقْصُودُ تَفْسِيرُهُ، وَالنَّظَرُ تَرْتِيبُ أُمُورٍ مَعْلُومَةٍ لِتُؤَدِّيَ إلَى مَجْهُولٍ كَتَرْتِيبِ، الْعَالَمُ مُتَغَيِّرٌ، وَكُلُّ مُتَغَيِّرٍ حَادِثٍ، الْمُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ الَّذِي هُوَ الْمَجْهُولُ، وَقَوْلُهُ: وَالِاسْتِدْلَالُ هُوَ إقَامَةُ الدَّلِيلِ فَهُوَ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ.
[قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ] هُوَ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَلَا عَلَى اسْتِدْلَالٍ. [قَوْلُهُ: كَالذَّوْقِ] قَالَ سَعْدُ الدِّينِ: الذَّوْقُ قُوَّةٌ إدْرَاكِيَّةٌ لَهَا اخْتِصَاصٌ بِإِدْرَاكِ لَطَائِفِ الْكَلَامِ وَمَعَانِيهِ انْتَهَى.
وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ كَالْعِلْمِ الْحَاصِلِ بِالذَّوْقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَوَاسِّ. [قَوْلُهُ: وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ] أَيْ وَالْعِلْمِ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَرَحِ وَالْغَمِّ وَغَيْرِهِمَا، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ أَشْيَاءُ: أَحَدُهَا مَا يَحْصُلُ بِالْحَوَاسِّ كَعِلْمِكَ بِبَيَاضِ زَيْدٍ أَوْ سَوَادِهِ مَثَلًا، ثَانِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْبَاطِنِيَّةِ كَعِلْمِك بِجُوعِك أَوْ عَطَشِك وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، ثَالِثُهَا مَا كَانَ أَوَّلِيًّا كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ الْمِيزَانِ لَا أَنَّ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ هُوَ الذَّوْقُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
[قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِهِ إلَخْ] هَذَا مُشْكِلٌ بِأَهْلِ الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا فَإِنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ ثَوَابًا لَا دُنْيَا وَلَا أُخْرَى، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ وَعَدَ الطَّائِعَ بِالثَّوَابِ وَوَعْدُهُ لَا يَتَخَلَّفُ فَهُوَ رَاجٍ لِلثَّوَابِ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ.
[قَوْلُهُ: وَأَنْ جَعَلَهُ حَيَوَانًا إلَخْ] أَيْ فَالْحَيَوَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَادِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُرْزَقُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَيَتَلَذَّذُ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ جَعَلَهُ إنْسَانًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ بَهِيمَةً] فَإِنْ قُلْت: الْكَافِرُ جَعْلُهُ بَهِيمَةً أَحْسَنُ لَهُ؛ لِأَنَّ مَآلَهُ إلَى الْعَذَابِ الدَّائِمِ. قُلْت: الْكَافِرُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ نَفْسَهُ بِاخْتِيَارِهِ الْكُفْرَ الْمُوجِبَ لِلْعَذَابِ الدَّائِمِ.
[قَوْلُهُ: وَنَبَّهَهُ إلَخْ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي، وَالتَّقْدِيرُ وَنَبَّهَهُ بِآثَارِ صَنْعَتِهِ عَلَى وُجُودِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ اهـ.
[قَوْلُهُ: صَنْعَتِهِ] أَيْ إيجَادِهِ، فَالْآثَارُ مُتَعَلِّقُ الصَّنْعَةِ الْمُفَسَّرَةِ بِالْإِيجَادِ فَهِيَ صِفَةُ فِعْلٍ فَالْإِضَافَةُ حَقِيقَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ، أَيْ آثَارٍ هِيَ صَنْعَتُهُ أَيْ مَصْنُوعَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت عج أَفَادَهُ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَيَجُوزُ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ عج وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّنْعَةِ الْمَصْنُوعُ وَآثَارُهُ مَا احْتَوَى عَلَيْهِ مِنْ بَدِيعِ الْحِكَمِ.
[قَوْلُهُ: وَجَعَلَ لَهُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: يُسْتَدَلُّ بِهِ] أَيْ بِسَبَبِهِ لَا أَنَّهُ الدَّلِيلُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ يُسْتَدَلُّ بِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ لِلْمَصْنُوعِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ احْتِوَائِهِ عَلَى بَدِيعِ الْحِكَمِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ الَّذِي أَشَرْنَا لَهُ سَابِقًا وَإِلَيْهِ يُشِيرُ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ بِقَوْلِهِ: فَانْظُرْ إلَى نَفْسِك إلَخْ. أَيْ فَإِذَا نَظَرَ فِي الْمَصْنُوعِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ