{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢١] {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران: ١٩٠] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ (وَأَعْذَرَ) اللَّهُ (إلَيْهِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُرْسَلِينَ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَطَعَ عُذْرَهُ بِتَقْدِيمِ الرُّسُلِ إلَيْهِ وَهَذَا الْإِعْذَارُ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥]
وَالرُّسُلُ جَمْعُ رَسُولٍ، وَهُوَ إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَأُمِرَ بِالتَّبْلِيغِ. وَالنَّبِيُّ مُخْبِرٌ بِالْغَيْبِ خَاصَّةً فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ وَلَا يَنْعَكِسُ.
وَعِدَّةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مَرْفُوعًا مِائَةُ أَلْفٍ
ــ
[حاشية العدوي]
بَدَائِعِ الْحِكَمِ عَلِمَ أَنَّ وُجُودَهُ لَيْسَ مِنْ ذَاتِهِ بَلْ مِنْ صَانِعٍ أَحْكَمَهُ وَأَتْقَنَهُ.
[قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّنْبِيهُ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ اللَّهَ نَبَّهَ الْإِنْسَانَ بِهَذِهِ الْآثَارِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَوْجَدَهَا وَجَعَلَ لَهُ عَقْلًا عَلَى أَنَّ لَهَا صَانِعًا وَاحِدًا قَدِيمًا بَاقِيًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ نَبَّهَهُ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ حَيْثُ يَقُولُ: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} [الذاريات: ٢١] إلَخْ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَهَذَا التَّنْبِيهُ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ لَهُ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ إلَخْ.
[قَوْلُهُ: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} [الذاريات: ٢١]] أَيْ وَفِي أَنْفُسِكُمْ فِي حَالِ ابْتِدَائِهَا وَتَنَقُّلِهَا وَبَوَاطِنِهَا وَظَوَاهِرِهَا مِنْ بَدَائِعِ الْخَلْقِ مَا تَتَحَيَّرُ فِيهِ الْأَذْهَانُ {أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢١] نَظَرَ مُعْتَبِرٍ فَلَيْسَ قَوْلُهُ: وَفِي أَنْفُسِكُمْ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ تُبْصِرُونَ بَلْ هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ أَيْ وَفِي أَنْفُسِكُمْ آيَاتٌ.
[قَوْلُهُ: وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ] أَيْ بِالْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ.
[قَوْلُهُ: لَآيَاتٍ] أَيْ دَلَالَاتٍ عَلَى قُدْرَتِهِ وَوُجُودِهِ وَوَحْدَتِهِ وَعِلْمِهِ، وَتَخْصِيصُ الثَّلَاثَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ لِشُمُولِهَا. [قَوْلُهُ: الْأَلْبَابِ] أَيْ الْعُقُولِ. [قَوْلُهُ: إلَى غَيْرِ ذَلِكَ إلَخْ] أَيْ وَانْظُرْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ إنْ أَرَدْت الزِّيَادَةَ فَلَا تَعْتَقِدْ قَصْرَ التَّنْبِيهِ عَلَى خُصُوصِ مَا ذَكَرَ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَلْسِنَةِ] جَمْعُ لِسَانٍ وَهُوَ تُرْجُمَانُ الْقَلْبِ يُخْبِرُ بِمَا فِيهِ، وَأَلْسِنَةٌ جَمْعُ قِلَّةٍ مُرَادٌ مِنْهُ جَمْعُ الْكَثْرَةِ؛ لِأَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَالرُّسُلُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَارْتَضَى تت أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا اللُّغَاتُ الثَّلَاثَةُ سُرْيَانِيَّةٌ وَعِبْرَانِيَّةٌ وَعَرَبِيَّةٌ.
[قَوْلُهُ: الْمُرْسَلِينَ] جَمْعُ مُرْسَلٍ بِمَعْنَى رَسُولٍ.
[قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَطَعَ عُذْرَهُ] أَيْ فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتْرُكْ لَهُ شَيْئًا فِي الِاعْتِذَارِ يَتَمَسَّكُ بِهِ، فَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلسَّلْبِ أَيْ أَزَالَ عُذْرَهُ فَلَمْ يُبْقِ لَهُ اعْتِذَارًا حَيْثُ أَرْسَلَ لَهُ الرُّسُلَ اهـ.
[قَوْلُهُ: بِتَقَدُّمِ الرُّسُلِ إلَيْهِ] أَيْ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ إلَيْهِ حَيْثُ بَيَّنُوا الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَالْمُتَشَابِهَ، فَمَعْنَى الْمُصَنِّفِ، وَقَطَعَ عُذْرَهُ بِشَيْءٍ وَأَرَادَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُرْسَلِينَ، وَذَكَرَ عج وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى بَالَغَ فِي الْمَعْذِرَةِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُرْسَلِينَ، وَلَيْسَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْقَامُوسِ مَا يُفِيدُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا الْإِعْذَارِ] أَيْ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ سَلْبِ الْعُذْرِ. [قَوْلُهُ: وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ] أَيْ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ لَهُ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَكُونَ إلَخْ] أَيْ لِتَنْتَفِيَ الْحُجَّةُ عَلَى اللَّهِ لِلنَّاسِ، أَيْ لَا يَبْقَى لَهُمْ حُجَّةٌ عَلَى اللَّهِ بَعْدَ إرْسَالِ الرُّسُلِ.
[قَوْلُهُ: إنْسَانٌ] أَيْ لَا جِنٌّ وَلَا مَلَكٌ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الرحمن: ٣٣] إلَخْ فَالْمُرَادُ مِنْ أَحَدِكُمْ، وَهُمْ الْإِنْسُ.
[قَوْلُهُ: أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ] لَمْ يَذْكُرْ الْفَاعِلَ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعِلْمِ بِهِ.
[قَوْلُهُ: بِشَرْعٍ] كَانَ مَعَهُ كِتَابٌ أَمْ لَا، نَاسِخٌ لِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: مُخْبَرٌ] بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ فَفَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِالْكَسْرِ؛ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِكَوْنِهِ نَبِيًّا لِيُحْتَرَمَ. [قَوْلُهُ: خَاصَّةً] لَيْسَ مِنْ تَمَامِ التَّعْرِيفِ وَإِلَّا لَاقْتَضَى الْمُبَايَنَةَ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ، فَمُرَادُهُ أَنَّكَ تَقْتَصِرُ فِي تَعْرِيفِ النَّبِيِّ عَلَى قَوْلِك مُخْبَرٌ بِالْغَيْبِ وَلَا تَزِيدُ، وَأُمِرَ بِالتَّبْلِيغِ كَمَا زِدْته فِي تَعْرِيفِ الرَّسُولِ أَيْ أَنَّ النَّبِيَّ مُخْبَرٌ بِالْغَيْبِ وَلَا بُدَّ سَوَاءٌ أُمِرَ بِالتَّبْلِيغِ أَمْ لَا.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَنْعَكِسُ] أَيْ لُغَوِيًّا بِحَيْثُ تَقُولُ: وَكُلُّ نَبِيٍّ رَسُولٌ بَلْ يَنْعَكِسُ مَنْطِقِيًّا وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ النَّبِيِّ رَسُولٌ. [قَوْلُهُ: وَعِدَّةُ الْأَنْبِيَاءِ إلَخْ] الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عِدَّتَهُمْ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَمَا وَرَدَ فِي بَيَانِ الْعِدَّةِ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ.
[قَوْلُهُ: مَرْفُوعًا] حَالٌ مِنْ مَا أَيْ حَالَةَ كَوْنِ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مَرْفُوعًا أَيْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُقَابِلُهُ الْمَوْقُوفُ فَالْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ مَا أُسْنِدَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرِيحًا وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا كَأَنْ أُسْنِدَ لِلصَّحَابِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ