وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، الرُّسُلُ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ. وَالرُّسُلُ كُلُّهُمْ عَجَمٌ إلَّا خَمْسَةً مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِسْمَاعِيلَ وَهُودًا وَصَالِحًا وَشُعَيْبًا. وَالْوَحْيُ إلَى جَمِيعِهِمْ كَانَ فِي الْمَنَامِ إلَّا أُولُو الْعَزْمِ أَيْ الْجِدِّ وَالثَّبَاتِ، وَهُمْ عَلَى مَا فِي الْكَشَّافِ نُوحٌ صَبَرَ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ، وَإِبْرَاهِيمُ صَبَرَ عَلَى النَّارِ وَذَبْحِ وَلَدِهِ، وَإِسْحَاقُ عَلَى الذَّبْحِ وَيَعْقُوبُ عَلَى فَقْدِ وَلَدِهِ وَذَهَابِ بَصَرِهِ، وَيُوسُفُ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ، وَالْمَوْقُوفُ مَا أُسْنِدَ لِلصَّحَابِيِّ وَلِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ أَيْ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِاجْتِهَادِ الصَّحَابِيِّ.
[قَوْلُهُ: وَالرُّسُلُ كُلُّهُمْ عَجَمٌ إلَخْ] أَيْ يَتَكَلَّمُونَ بِاللُّغَةِ الْعَجَمِيَّةِ إلَّا هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةَ يَتَكَلَّمُونَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَالْمُرَادُ بِالْعَجَمِيَّةِ مَا يَشْمَلُ السُّرْيَانِيَّةَ، وَالْعِبْرَانِيَّة، فَالسُّرْيَانِيُّونَ فَإِنَّهُمْ خَمْسَةٌ: إدْرِيسُ وَنُوحٌ وَلُوطٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَيُونُسُ. وَالْعِبْرَانِيُّونَ: بَنُو إسْرَائِيلَ وَهُمْ يَعْقُوبُ وَمَنْ وَلَدَ، وَتَرَدَّدَ بَعْضُهُمْ فِي آدَمَ وَإِسْحَاقَ وَنَحْوِهِمَا، وَظَهَرَ لَهُ أَنَّ آدَمَ سُرْيَانِيٌّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِسْحَاقَ كَذَلِكَ، قِيلَ: إنَّ إبْرَاهِيمَ تَكَلَّمَ بِاللُّغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّة.
فَائِدَةٌ: نَقَلَ تت عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ إلَّا ثَمَانِيَةً: آدَم وَشِيثُ وَإِدْرِيسُ وَنُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ وَلُوطٌ وَيُونُسُ وَكُلُّهُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا عَشَرَةً الثَّمَانِيَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ اهـ.
قُلْت: وَأَيُّوبُ أَيْضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْعِيصِ أَخِي يَعْقُوبَ.
[قَوْلُهُ: كَانَ فِي الْمَنَامِ] وَالسَّفِيرُ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ جِبْرِيلُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: الْجِدُّ] أَيْ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَمْرِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَبِالْكَسْرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. [قَوْلُهُ: وَهَمَ عَلَى مَا فِي الْكَشَّافِ إلَخْ] أَيْ فَهُمْ تِسْعَةٌ وَمُقَابِلُ مَا فِي الْكَشَّافِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ مِنْ أَنَّهُمْ خَمْسَةٌ وَنَظَّمَهُمْ تت فَقَالَ:
مُحَمَّدٌ إبْرَاهِيمُ مُوسَى كَلِيمُهُ ... وَنُوحٌ وَعِيسَى هُمْ أُولُو الْعَزْمِ فَاعْرِفَا
قَالَ تت: وَلَمْ يَعُدَّ أَيْ صَاحِبُ الْكَشَّافِ مِنْهُمْ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْوَحْيُ إلَى جَمِيعِهِمْ كَانَ فِي الْمَنَامِ إلَّا أُولُو الْعَزْمِ الْخَمْسَةُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُوحَى إلَيْهِمْ فِي النَّوْمِ وَالْيَقِظَةِ اهـ.
[قَوْلُهُ: نُوحٌ صَبَرَ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ] أَيْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ أَنَّ نُوحًا دَعَا عَلَى قَوْمِهِ فَلَوْ كَانَ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ لَمْ يَدْعُ عَلَى قَوْمِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِهِ إلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَالْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ صَبَرَ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ، وَنَظِيرُهَا مِمَّا سَيَأْتِي تَحَقُّقُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ هَؤُلَاءِ أُولُو الْعَزْمِ.
[قَوْلُهُ: صَبَرَ عَلَى النَّارِ] أَيْ عَلَى الْإِلْقَاءِ فِيهَا لَا أَنَّهُ صَبَرَ عَلَى النَّارِ بِالْفِعْلِ بِحَيْثُ طُرِحَ فِيهَا وَهِيَ تُحْرِقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا} [الأنبياء: ٦٩] [قَوْلُهُ: وَذَبْحِ وَلَدِهِ] أَيْ عَلَى الْأَمْرِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ لَمْ يُذْبَحْ. [قَوْلُهُ: وَإِسْحَاقُ عَلَى الذَّبْحِ] أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الذَّبِيحَ إِسْحَاقُ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَيُوَافِقُهُ حَدِيثٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَنَصُّهُ الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ قَطُّ فِي الْإِفْرَادِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْبَزَّارِ وَابْنِ مَرْدُوَيْهِ إلَخْ وَقَاعِدَتُهُ أَنَّ قَطُّ لِلدَّارَقُطْنِيِّ.
وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا فِي حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ. «إنَّ آدَمَ لَمَّا تِيبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفَجْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَصَارَتْ الصُّبْحَ وَفُدِيَ إِسْحَاقُ عِنْدَ الظُّهْرِ فَصَلَّى إبْرَاهِيمُ أَرْبَعًا فَصَارَتْ الظُّهْرَ، وَبُعِثَ عُزَيْرٌ فَقِيلَ لَهُ: كَمْ لَبِثْت فَقَالَ: لَبِثْت يَوْمًا فَرَأَى الشَّمْسَ فَقَالَ: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَغُفِرَ لِدَاوُدَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ فَقَامَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَجَهِدَ فَجَلَسَ فِي الثَّالِثَةِ فَصَارَتْ ثَلَاثًا، وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» اهـ.
نَقَلَ هَذَا الْحَدِيثَ الْعَلْقَمِيُّ، فَإِنْ قُلْت: فَمَا مَعْنَى مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؟ قُلْت: أَفَادَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ مَجَازٌ حَيْثُ أَطْلَقَ مَا لِأَخِي أَبِيهِ الْأَعْلَى عَلَى أَبِيهِ الْأَعْلَى، وَقِيلَ: