الْجُبِّ وَالسِّجْنِ، وَأَيُّوبُ عَلَى الضُّرِّ، وَمُوسَى قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: إنَّا لَمُدْرَكُونَ {قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: ٦٢] وَدَاوُد بَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَعِيسَى لَمْ يَضَعْ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ وَقَالَ: إنَّهَا مَعْبَرَةٌ فَاعْبُرُوهَا وَلَا تَعْمُرُوهَا. (الْخِيرَةُ) بِتَسْكِينِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِهَا صِفَةٌ لِلْمُرْسَلِينَ أَيْ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِلتَّبْلِيغِ، (مِنْ خَلْقِهِ)
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوْ نَصُّهُ يَقْتَضِي تَفْضِيلَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ
ــ
[حاشية العدوي]
إسْمَاعِيلُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ إِسْحَاقَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ بَلْ نَسَبَهُ بَعْضٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ، فَقَالَ: وَإِسْمَاعِيلُ عَلَى الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ الذَّبِيحُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَا إِسْحَاقُ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَذَهَابِ بَصَرِهِ] لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَمِيَ كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ بَلْ رَقْرَقَ الْمَاءُ فِي عَيْنَيْهِ بِحَيْثُ يَتَرَاءَى أَنَّهُ عَمِيَ، وَفِي الْوَاقِعِ لَيْسَ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَأَيُّوبُ عَلَى الضُّرِّ] أَيْ عَلَى الْمَرَضِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَمُوسَى قَالَ لَهُ قَوْمُهُ إنَّا لَمُدْرَكُونَ] أَيْ لَمَّا خَرَجَ مُوسَى بِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَى الْبَحْرِ وَخَرَجَ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ وَرَاءَهُ وَتَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: إنَّا لَمُدْرَكُونَ أَدْرَكَنَا فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ قَالَ: كَلًّا أَيْ فَهُوَ ذُو عَزْمٍ حَيْثُ لَمْ يُبَالِ بِفِرْعَوْنَ: وَقَالَ كَلًّا.
[قَوْلُهُ: وَدَاوُد بَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ إلَخْ] عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ كَانَ ذَنْبُ دَاوُد أَنَّهُ الْتَمَسَ مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ أُورِيَّا أَنْ يَنْزِلَ لَهُ عَنْ امْرَأَتِهِ.
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَغْبَةٌ فِي الدُّنْيَا وَازْدِيَادٌ فِي النِّسَاءِ وَقَدْ أَغْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِهَا، وَتِلْكَ الْمَرْأَةُ أُمُّ سُلَيْمَانَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، وَقِيلَ: خَطَبَهَا أُورِيَّا ثُمَّ دَاوُد فَآثَرَهُ أَهْلُهَا فَكَانَ ذَنْبُهُ أَنْ خَطَبَ عَلَى خُطُوبَةِ أَخِيهِ مَعَ كَثْرَةِ نِسَائِهِ، قُلْت: وَيَحِلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِ أَيْ فَهُوَ ذُو ثَبَاتٍ حَيْثُ اسْتَمَرَّ يَبْكِي عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا تِلْكَ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ.
[قَوْلُهُ: وَعِيسَى لَمْ يَضَعْ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ] قَالَ فِي الصِّحَاحِ: اللَّبِنَةُ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا وَالْجَمْعُ لَبِنٍ، مِثْلُ كَلِمَةٍ وَكَلِمٍ.
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ لِبْنَةٌ وَلِبَنٌ مِثْلُ لِبْدَةٍ وَلِبَدٍ اهـ. أَيْ فَعَزْمُ عِيسَى عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَضَعْ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةً، أَفْصَحَ بِهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ لِلْعَقِيدَةِ.
[قَوْلُهُ: وَقَالَ إنَّهَا] أَيْ الدُّنْيَا، فَالْمَرْجِعُ إمَّا كَانَ مُتَقَدِّمًا فِي عِبَارَتِهِ أَوْ مَعْلُومًا مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ.
[قَوْلُهُ: مِعْبَرَةٌ] الْمِعْبَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا يُعْبَرُ عَلَيْهِ مِنْ سَفِينَةٍ أَوْ قَنْطَرَةٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، فَمِعْبَرَةٌ فِي كَلَامِ شَارِحِنَا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الدُّنْيَا مَحَلُّ عُبُورٍ فِيهَا لِلْآخِرَةِ.
[قَوْلُهُ: فَاعْبُرُوهَا] أَيْ فَاذْهَبُوا مِنْهَا لِلْآخِرَةِ وَلَا تَعْمُرُوهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْمِيرِ دَارٍ مَآلُهَا إلَى الْخَرَابِ، فَالصَّوَابُ السَّعْيُ إلَى الْبَاقِي الَّذِي لَا يَفْنَى. [قَوْلُهُ: الْخِيرَةُ بِتَسْكِينِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِهَا] أَيْ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَهَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَصْدَرٌ أَوْ اسْمُ مَصْدَرٍ أَوْ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالسُّكُونِ اسْمُ مَصْدَرٍ أَوْ بِالْعَكْسِ أَقْوَالٌ، وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ نَعْتٌ لِلْمُرْسَلِينَ إمَّا بِتَأْوِيلِهِ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ حَيْثُ قَالَ: أَيْ الْمُخْتَارِينَ، أَوْ أَنَّهُمْ نَفْسُ الِاخْتِيَارِ مُبَالَغَةً، أَوْ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذِي اخْتِيَارٍ عَلَى حَدِّ، زَيْدٌ عَدْلٌ.
[قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوْ نَصِّهِ] يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَوْ لِلشَّكِّ أَيْ أَشُكُّ فِي كَوْنِهِ ظَاهِرَ كَلَامِهِ بِحَيْثُ يَحْتَمِلُ خِلَافَ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ أَوْ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْإِضْرَابِ أَيْ بَلْ نَصُّهُ فَفُهِمَ أَوَّلًا أَنَّهُ ظَاهِرٌ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ نَصُّهُ فَأَضْرَبَ إلَيْهِ إضْرَابًا إبْطَالِيًّا. [قَوْلُهُ: يَقْتَضِي تَفْضِيلَ الْأَنْبِيَاءِ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ تَفْضِيلُ الرُّسُلِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَلْسِنَةِ الْمُرْسَلِينَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ ذَاهِبٌ إلَى اتِّحَادِ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ.
وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ أَنَّ خَوَاصَّ الْآدَمِيِّينَ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ وَهُمْ الْأَرْبَعَةُ الْمُقَرَّبُونَ مِيكَائِيلُ وَجِبْرِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَعِزْرَائِيلُ، وَخَوَاصُّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْبَشَرِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالْمُتَّقُونَ وَعَوَامُّ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ وَهُمْ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالتَّفْضِيلُ حَيْثُ قِيلَ بِهِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الثَّوَابِ، وَيُوَافِقُهُ مَا نُقِلَ عَنْ الْفَخْرِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي التَّفْضِيلِ بِمَعْنَى أَيُّهُمَا أَكْثَرُ ثَوَابًا عَلَى الطَّاعَاتِ اهـ.
وَفِي كَلَامِ اللَّقَانِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُثَابُونَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ. [قَوْلُهُ: