للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِمَاءِ زَمْزَمَ، وَدَلِيلُ مَا قَالَ الشَّيْخُ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: ٤٣] وَهَذَا وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلَمَّا ذَكَرَ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِشَيْءٍ خَالَطَهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مُغَيِّرِهِ، وَبَدَأَ بِالْمُغَيِّرِ إذَا كَانَ طَاهِرًا فَقَالَ: (وَمَا غُيِّرَ لَوْنُهُ) أَيْ لَوْنُ الْمَاءِ يَعْنِي أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ (بِشَيْءٍ طَاهِرٍ) مِمَّا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا كَالْعَجِينِ (حَلَّ) أَيْ وَقَعَ (فِيهِ فَذَلِكَ الْمَاءُ طَاهِرٌ) فِي نَفْسِهِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعَادَاتِ دُونَ الْعِبَادَاتِ (غَيْرُ مُطَهِّرٍ) لِغَيْرِهِ لَا يُسْتَعْمَلُ (فِي وُضُوءٍ أَوْ طُهْرٍ) أَيْ غُسْلٍ اتِّفَاقًا (أَوْ) فِي (زَوَالِ نَجَاسَةٍ) فَمَنْ اسْتَنْجَى بِهِ أَعَادَ الِاسْتِنْجَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ إلَّا عَيْنُ النَّجَاسَةِ دُونَ حُكْمِهَا، وَلَوْ أُزِيلَ بِهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ لَاقَى مَحَلُّهَا وَهُوَ مَبْلُولٌ مَحَلًّا آخَرَ لَمْ يَتَنَجَّسْ عَلَى الصَّحِيحِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجِسِ فَقَالَ: (وَمَا غَيَّرَتْهُ النَّجَاسَةُ) كَالْعَذِرَةِ سَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ فِي طَعْمِهِ أَوْ لَوْنِهِ أَوْ رِيحِهِ قَلِيلًا كَانَ الْمَاءُ أَوْ كَثِيرًا كَانَتْ لَهُ مَادَّةٌ أَمْ لَا (فَلَيْسَ بِطَاهِرٍ) فِي نَفْسِهِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعِبَادَاتِ (وَلَا مُطَهِّرٍ لِغَيْرِهِ) فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعِبَادَاتِ أَيْضًا هَذَا إذَا تَحَقَّقَ نَجَاسَتُهُ أَوْ أَخْبَرَهُ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ بِنَجَاسَتِهِ، وَكَانَ عَلَى

ــ

[حاشية العدوي]

كَانَ أَرْأَسَ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ بِمِصْرَ فِي وَقْتِهِ وَأَحْفَظَهُمْ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ، كَانَ وَاسِعَ الرِّوَايَةِ كَثِيرَ الْحَدِيثِ شَيْخَ الْفَتْوَى حَافِظَ الْبَلَدِ، وَكَانَ يَلْحَنُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَصِيرَةٌ بِالْعَرَبِيَّةِ مَعَ غَزَارَةِ عِلْمِهِ قَالَهُ فِي الدِّيبَاجِ [قَوْلُهُ: كَرَاهَةُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ زَمْزَمَ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ، أَيْ لِأَنَّهُ طَعَامٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ طَعَامٌ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ خِلَافُهُ إلَّا فِي زَوَالِ النَّجَاسَةِ، فَيُجَلُّ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ طَهَّرَ اهـ، أَقُولُ وَفِي الْكَلَامِ بَحْثٌ أَمَّا

أَوَّلًا فَإِنَّ خِلَافَ ابْنِ شَعْبَانَ كَمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ، لَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إذَا كَانَ طَاهِرَ الْأَعْضَاءِ، وَأَمَّا

ثَانِيًا فَلِأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ طَعَامًا أَنَّهُ يُحَرَّمُ لَا يُكْرَهُ الَّتِي تَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلتَّنْزِيهِ

وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا يَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهِ، وَالْكَرَاهَةُ وَعَدَمُهَا شَيْءٌ آخَرُ، فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى خِلَافِهِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَدَلِيلُ مَا قَالَ الشَّيْخُ] أَيْ فِي مَحَلِّ الِاتِّفَاقِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ عَلَى مُفَادِ كَلَامِهِ [قَوْلُهُ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ] أَيْ الْبَحْرُ الْمَالِحُ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ.

قَالَ وَسُمِّيَ بَحْرًا لِعُمْقِهِ وَاتِّسَاعِهِ.

[قَوْلُهُ: يَعْنِي أَوْ طَعْمُهُ إلَخْ] قَالَ تت: وَلَعَلَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى اللَّوْنِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَغَيُّرَ الرِّيحِ وَالطَّعْمِ غَالِبًا اهـ.

[قَوْلُهُ: يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ] تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ طَاهِرًا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ تَفْرِيعُهُ عَلَيْهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ طَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْعِبَادَاتِ إلَّا أَنَّهُ أَيْ الِاسْتِعْمَالَ فِي الْعِبَادَاتِ لَيْسَ لَازِمًا تَفْرِيعُهُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى كَوْنِهِ طَاهِرًا فِي نَفْسِهِ لِوُجُودِهِ فِي مَاءِ الْعَجِينِ، وَلَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْعِبَادَاتِ، [قَوْلُهُ: فِي وُضُوءٍ أَوْ طُهْرٍ أَيْ غُسْلٍ] وَلَوْ كَانَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ غَيْرَ وَاجِبَيْنِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ فِي زَوَالِ نَجَاسَةٍ] أَيْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ إلَّا عَيْنُ النَّجَاسَةِ] قَدْ يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أُزِيلَتْ بِهِ الْعَيْنُ، بَلْ كَثُرَتْ بِالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُضَافَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالطَّعَامِ يُنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فَقَوْلُهُ لَمْ يَتَنَجَّسْ، أَيْ مُلَاقِي مَحَلِّهَا مُشْكِلٌ غَايَةَ الْإِشْكَالِ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ، بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُضَافَ لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الطَّعَامِ، وَإِنَّمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُطْلَقِ فَهُوَ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِلْقَابِسِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُنَجَّسُ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَوْ دَهَنَ الدَّلْوَ الْجَدِيدَ بِالزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ أَيْ وَاسْتَنْجَى مِنْهُ، فَيُعِيدُ الِاسْتِنْجَاءُ دُونَ غَسْلِ ثِيَابِهِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَمَعَ غَسْلِهَا عَلَى الثَّانِي.

[قَوْلُهُ: هَذَا إذَا تَحَقَّقَ نَجَاسَتَهُ] أَيْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ، وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ إذَا ظَنَّ ذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُ نَجَاسَةٍ كَثِيرَةٍ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ تَغَيُّرٌ [قَوْلُهُ: الْوَاحِدُ] لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ وَالْأَكْثَرُ قَالَهُ النَّاصِرُ كَانَ مِنْ الْإِنْسِ أَوْ الْجِنِّ.

[قَوْلُهُ: الْعَدْلُ] أَيْ عَدْلُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ غَيْرُ الْفَاسِقِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>