للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَجْزَاءِ الْمَقْبُورِينَ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَقْبُورِينَ، فَيَجْرِي حُكْمُ الصَّلَاةِ فِيهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْآدَمِيِّ هَلْ يُنَجَّسُ بِالْمَوْتِ أَوْ لَا؟ وَهَذَا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا مَقَابِرُ الْكُفَّارِ فَكَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ الصَّلَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ، لَكِنْ مَنْ صَلَّى فِيهَا وَأَمِنَ مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْمَنْ كَانَ مُصَلِّيًا عَلَى نَجَاسَةٍ وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى السَّبْعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَأَمَّا الثَّامِنُ الَّذِي زَادَهُ الشَّيْخُ فَهُوَ قَوْلُهُ: (وَكَنَائِسِهِمْ) جَمْعُ كَنِيسَةٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ النُّونِ مَوْضِعُ تَعَبُّدِهِمْ، وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ.

ك: كَرِهَ مَالِكٌ الصَّلَاةَ فِي الْكَنَائِسِ لِنَجَاسَتِهَا مِنْ أَقْدَامِهِمْ، فَإِنْ صَلَّى فِيهَا عَلَى مَذْهَبِهِ دُونَ حَائِلٍ طَاهِرٍ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اضْطَرَّ إلَى النُّزُولِ فِيهَا فَلَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ نَجَاسَتُهَا، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْعَامِرَةِ، وَأَمَّا

ــ

[حاشية العدوي]

إلَخْ] عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ وَهَذِهِ عِبَارَةُ ك.

[قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ] وَمُقَابِلُهُ الْكَرَاهَةُ، وَهُوَ شَاذٌّ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، وَوَجْهُهُ الِالْتِفَاتُ إلَى عُمُومِ النَّهْيِ؛ وَلِأَنَّ أَصْلَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، اتِّخَاذُ قُبُورِ الصَّالِحِينَ مَسَاجِدَ، وَوَجْهُ الْمُعْتَمَدِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ الْأَمْنُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، فَإِنْ قُلْت كَيْفَ تُجْعَلُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَقْبُرَةِ جَائِزَةً مَعَ أَنَّ الْقَبْرَ حَبْسٌ يُكْرَهُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةُ تَسْتَلْزِمُ الْمَشْيَ عَلَيْهِ، قُلْت أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الصَّلَاةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَشْيِ اهـ.

[قَوْلُهُ: هَلْ يُنَجَّسُ بِالْمَوْتِ] وَعَلَيْهِ فَالْمُصَلِّي فِيهَا مُصَلٍّ عَلَى نَجَاسَةٍ، وَيَكُونُ النَّهْيُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ، حَيْثُ تَحَقَّقَ وُجُودُ الْأَجْزَاءِ بِهَا كَمَا أَفَادَهُ عج وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّنْجِيسِ ضَعِيفٌ.

[قَوْلُهُ: أَوْ لَا] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ، فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ حَيْثُ شَكَّ أَوْ تَحَقَّقَ وُجُودُ الْأَجْزَاءِ بِهَا كَمَا أَفَادَهُ عج، وَلَعَلَّ الْكَرَاهَةَ مِنْ حَيْثُ الْإِهَانَةُ أَوْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مَشْيًا عَلَى الْقَبْرِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ ذَاتُ الصَّلَاةِ فَلَا كَرَاهَةَ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: فَكَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَخْ] قَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تُحْمَلُ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي الْعَامِرَةِ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ فِيهَا بِالْإِعَادَةِ أَبَدًا وَمُحْتَمِلَةٌ لِلْحُرْمَةِ وَالتَّنْزِيهِ فِي الدِّرَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَا يُعِيدُ أَوْ تُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا مُطْلَقًا عَامِرَةً وَدَارِسَةً، أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا حُفْرَةً كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ، وَإِنْ حُرِّمَتْ فِي الْعَامِرَةِ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ الْإِعَادَةُ أَبَدًا.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ] هَذِهِ الْعِلَّةُ جَارِيَةٌ فِي الْعَامِرَةِ وَالدَّارِسَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ أَوَّلًا، وَإِنْ كَانَتْ الْإِعَادَةُ فِي خُصُوصِ الْعَامِرَةِ.

[قَوْلُهُ: وَأَمِنَ مِنْ النَّجَاسَةِ] أَيْ حَيْثُ تَحَقَّقَ أَنْ لَا نَجَاسَةَ بِهَا أَيْ بِأَنْ كَانَتْ دَارِسَةً كَمَا يُفِيدُهُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ سَابِقًا.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُؤْمَنْ كَانَ مُصَلِّيًا عَلَى نَجَاسَةٍ] أَيْ بِأَنْ كَانَتْ عَامِرَةً وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ الْأَمْنِ صَادِقٌ بِالشَّكِّ، وَيُفِيدُ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ إنَّ ابْنَ حَبِيبٍ يَحْكُمُ بِإِعَادَةِ الْعَامِدِ وَالْجَاهِلِ أَبَدًا رَعْيًا لِلْغَالِبِ اهـ.

وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَّا لَك مُرَادَ الشَّارِحِ نُوَضِّحُ لَك الْمَسْأَلَةَ، فَنَقُولُ: وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا، أَيْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهَا مَشْيًا عَلَى الْقَبْرِ أَوْ إهَانَةً تَجُوزُ فِي الْمَقْبُرَةِ عَامِرَةً أَوْ دَارِسَةً تَيَقَّنَ نَبْشَهَا أَوْ شَكَّ فِيهِ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلًا أَوْ لَا كَانَتْ لِمُشْرِكٍ أَوْ لِمُسْلِمٍ، وَلَوْ كَانَ الْقَبْرُ بَيْنَ يَدَيْهِ حَيْثُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَإِنْ شَكَّ فِيهَا فَالْكَرَاهَةُ مَعَ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ فَيُعِيدُ الْعَامِدُ وَالْجَاهِلُ أَبَدًا، وَالنَّاسِي فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا إذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ النَّبْشِ فَالْجَوَازُ أَظْهَرُ، وَاتَّضَحَ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ ضَعِيفٌ، وَمَا أَفَادَهُ صَدْرُ الشَّارِحِ مِنْ إطْلَاقِ النَّهْيِ، أَيْ سَوَاءٌ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ أَمْ لَا ضَعِيفٌ.

[قَوْلُهُ: مَوْضِعُ تَعَبُّدِهِمْ] أَيْ لِيَشْمَلَ الْكَنِيسَةَ الَّتِي لِلنَّصَارَى وَالْبِيَعَ الَّتِي هِيَ لِلْيَهُودِ وَبَيْتَ النَّارِ الَّتِي هِيَ لِلْمَجُوسِ [قَوْلُهُ: لِنَجَاسَتِهَا مِنْ أَقْدَامِهِمْ] أَيْ أَنَّ الشَّأْنَ ذَلِكَ لَا أَنَّهَا مُحَقَّقَةٌ، وَإِلَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ فِيهَا حَرَامًا مَعَ بُطْلَانِهَا.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّى فِيهَا عَلَى مَذْهَبِهِ] أَيْ مَذْهَبِ مَالِكٍ [قَوْلُهُ: فَلَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ] أَيْ مَعَ انْتِفَاءِ الْكَرَاهَةِ [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ] أَيْ بِأَنْ شَكَّ [قَوْلُهُ: انْتَهَى] حَاصِلُهُ أَنَّ مَعَ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ مَا لَمْ يُضْطَرَّ فَيَنْتَفِيَا وَيُعِيدُ أَبَدًا عِنْدَ تَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ، حَيْثُ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>