للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِخْوَانِهِ وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا تَعْلِيقٌ لَطِيفٌ لَخَّصْتُهُ مِنْ شَرْحَيْ الْوَسَطِ وَالْكَبِيرِ عَلَى رِسَالَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيِّ، - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

ــ

[حاشية العدوي]

بِمَعْنَى التَّرْبِيَةِ وَهِيَ تَبْلِيغُ الشَّيْءِ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى الْحَدِّ الَّذِي أَرَادَهُ الْمُرَبِّي، ثُمَّ وَصَفَ بِهِ الْمَوْلَى جَلَّ وَعَزَّ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ فِي حَوْزِ مَوْلَاهُ يُرَبِّيهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَقِيلَ: وَصْفٌ مَقْصُورٌ مِنْ رَابَبَ، فَيَكُونُ اسْمَ فَاعِلٍ، وَحُذِفَتْ أَلِفُهُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَقِيلَ: إنَّهُ عَلَى وَزْنِ فَعَلَ فَأَصْلُهُ رَبَبَ فَيَكُونُ صِفَةً مُشَبَّهَةً [قَوْلُهُ: الْقَدِيرِ] أَيْ ذِي الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِكُلِّ مُمْكِنٍ.

وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ فَقِيرٍ وَقَدِيرٍ مِنْ الْمُحَسِّنَاتِ الْبَدِيعِيَّةِ: الطِّبَاقُ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْفَقْرَ يَلْزَمُهُ الْعَجْزُ [قَوْلُهُ: عَلِيٌّ] بَدَلٌ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ عَلِيٌّ [قَوْلُهُ: أَبُو الْحَسَنِ] بَدَلٌ مِنْ عَلِيٍّ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ، وَقَدَّمَ الِاسْمَ عَلَى الْكُنْيَةِ وَيَجُوزُ الْعَكْسُ.

[قَوْلُهُ: الْمَالِكِيُّ] نَعْتٌ لِأَبِي الْحَسَنِ لَا نَعْتٌ لِعَلِيٍّ وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ الْبَدَلِ أَوْ عَطْفُ الْبَيَانِ عَلَى النَّعْتِ مَعَ أَنَّهُمَا يُؤَخَّرَانِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّوَابِعَ إذَا اجْتَمَعَتْ يُقَدَّمُ النَّعْتُ فَالْبَيَانُ فَالتَّأْكِيدُ فَالْبَدَلُ فَعَطْفُ النَّسَقِ.

وَهَذَا الشَّارِحُ هُوَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَلَاثًا ابْنِ خَلَفٍ، الْمَنُوفِيُّ بَلَدًا الْمِصْرِيُّ مَوْلِدًا، وُلِدَ بِالْقَاهِرَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ ثَالِثَ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ، أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْعَامِلُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ السَّنْهُورِيُّ، وَأَخَذَ النَّحْوَ وَغَيْرَهُ عَنْ الْكَمَالِ بْنِ أَبِي شَرِيفٍ وَغَيْرِهِ، وَلَازَمَ الْجَلَالَ السُّيُوطِيَّ وَأَخَذَ عَنْهُ.

تُوُفِّيَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ رَابِعَ عَشَرَ صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَدُفِنَ بِالْقُرْبِ مِنْ بَابِ الْوَزِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفِيشِيُّ.

[قَوْلُهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَهُ] أَيْ سَتَرَهُ اللَّهُ بِمَحْوِ ذَنْبِهِ مِنْ الصُّحُفِ أَوْ لَا يُؤَاخِذُهُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الصُّحُفِ إظْهَارًا لِفَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤] ، وَقَدَّمَ الدُّعَاءَ لِنَفْسِهِ لِحَدِيثِ: " كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَعَا بَدَأَ بِنَفْسِهِ " وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ {رَبِّ اغْفِرْ لِي} [نوح: ٢٨] [قَوْلُهُ: وَلِوَالِدِيهِ] أَعَادَ الْجَارَ لِقَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ: وَعَوْدُ خَافِضٍ لَدَى عَطْفٍ عَلَى. إلَخْ وَتَرَكَهُ فِيمَا بَعْدُ إشَارَةً إلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِقَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ: وَلَيْسَ عِنْدِي لَازِمًا.

وَالْأَنْسَبُ أَنْ يُقْرَأَ بِكَسْرِ الدَّالِ جَمْعًا لِيَشْمَلَ الْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ، فَالْجَدُّ وَالِدٌ وَالْجَدَّةُ وَالِدَةٌ، فَفِيهِ تَغْلِيبُ الْوَالِدِينَ عَلَى الْوَالِدَاتِ. [قَوْلُهُ: وَمَشَايِخِهِ] جَمْعُ شَيْخٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى شُيُوخٍ وَأَشْيَاخٍ، وَالشَّيْخُ فِي الْأَصْلِ عِبَارَةٌ عَمَّنْ طَعْنٍ فِي السِّنِّ ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيمَنْ بَلَغَ رُتْبَةَ أَهْلِ الْفَضْلِ وَلَوْ صَبِيًّا، وَأَرَادَ مَشَايِخَ عِلْمٍ أَوْ طَرِيقَةٍ وَقَدَّمَ الدُّعَاءَ لِوَالِدَيْهِ عَلَى الدُّعَاءِ لِمَشَايِخِهِ؛ لِأَنَّ تَرْبِيَةَ وَالِدَيْهِ سَابِقَةٌ وَإِنْ كَانَتْ تَرْبِيَةَ الْمَشَايِخِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ تَرْبِيَةَ الْوَالِدَيْنِ لِحِفْظِ جِسْمٍ فَانٍ، وَتَرْبِيَةَ الْمَشَايِخِ لِحِفْظِ رُوحٍ بَاقِيَةٍ. [قَوْلُهُ: وَأَوْلَادِهِ] أَرَادَ بِهِمْ مَا يَشْمَلُ التَّلَامِذَةَ إنْ كَانَ لِلشَّيْخِ أَوْلَادُ نَسَبٍ وَإِلَّا فَهُمْ التَّلَامِذَةُ. [قَوْلُهُ: وَإِخْوَانِهِ] جَمْعُ أَخٍ.

قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: لَامَهُ مَحْذُوفَةٌ وَهِيَ وَاوٌ وَتُرَدُّ فِي التَّثْنِيَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ، فَيُقَالُ: أَخَوَانِ، وَفِي لُغَةٍ يُسْتَعْمَلُ مَنْقُوصًا فَيُقَالُ: أَخَانِ وَجَمْعُهُ إخْوَةٌ وَإِخْوَانٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِيهِمَا وَضَمُّهَا لُغَةٌ اهـ.

وَأَرَادَ بِهِمْ مَا يُشَارِكُهُ فِي أَبٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ فِيهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُشَارِكٌ فِيمَا ذُكِرَ أَوْ الْأَصْحَابُ أَوْ مَا يَشْمَلُ الْمُشَارِكَ فِيمَا ذُكِرَ، وَالْأَصْحَابُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ غَلَبَ فِي الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْفَتْوَى.

[قَوْلُهُ: وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. . . إلَخْ] قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِ الْوَعِيدِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الْعُصَاةِ فَيَكُونُ لَفْظُ جَمِيعٍ إمَّا مِنْ بَابِ الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ أَيْ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّجَوُّزِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَوْ الْجَمِيعِيُّ، وَيُخَصَّصُ بِمَنْ عَدَا مَنْ يُرِيدُ اللَّهُ نُفُوذَ الْوَعِيدِ فِيهِ أَوْ لَا يُخَصَّصُ بِأَنْ يُرَادَ تَعَلُّقُ الْغُفْرَانِ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الذُّنُوبِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ إنَّمَا هُوَ الدُّعَاءُ بِغُفْرَانِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْعُمُومِ.

[قَوْلُهُ: هَذَا إلَخْ] مَقُولُ الْقَوْلِ وَالْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ لِمَا فِي الذِّهْنِ بِنَاءً عَلَى التَّحْقِيقِ، أَنَّ مُسَمَّى الْكِتَابِ الْأَلْفَاظُ

<<  <  ج: ص:  >  >>