للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَنَّهُ إذَا نَوَى بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ لَا يُجْزِئُهُ.

وَالْأَصْلُ فِي النِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَصْحَبَةً إلَخْ فَإِنْ حَصَلَ لَهُ ذُهُولٌ عَنْهَا اُغْتُفِرَ، (وَ) إذَا عَمِلَ عَمَلَ الْوُضُوءِ خَالِصًا قَاصِدًا بِهِ امْتِثَالَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ وُجُوبِ النِّيَّةِ (يَرْجُو) أَيْ يَطْمَعُ مَعَ ذَلِكَ (تَقَبُّلَهُ وَثَوَابَهُ وَتَطْهِيرَهُ مِنْ الذُّنُوبِ بِهِ) لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا تَوَضَّأَ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ يَخْرُجُ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي النِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَصْحَبَةً] فَإِذَا حَصَلَ لَهُ ذُهُولٌ عَنْهَا إنْ كَانَ بِأَسْبَابٍ اخْتِيَارِيَّةٍ فَمَكْرُوهٌ، وَإِلَّا فَلَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ: اُغْتُفِرَ أَيْ أَنَّ وُضُوءَهُ لَيْسَ بَاطِلًا فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ إنْ كَانَ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ أَيْ فَاسْتِصْحَابُهَا لِفَرَاغِهِ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ.

[قَوْلُهُ: وَإِذَا عَمِلَ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: يَرْجُو تَقَبُّلَهُ جَوَابٌ عَنْ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرٍ يَعْمَلُ أَيْ يَعْمَلُ عَمَلَ الْوُضُوءِ حَالَ كَوْنِهِ رَاجِيًا مِنْ اللَّهِ تَقَبُّلَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا حَلَّ مَعْنًى.

[قَوْلُهُ: قَاصِدًا بِهِ امْتِثَالَ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: خَالِصًا أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ خَالِصًا أَنَّهُ قَاصِدٌ إلَخْ.

لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُلُوصِ الطَّمَعُ فِي جَنَّتِهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ قَصْدَ الِامْتِثَالِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَأْمُورِ بِهِ فَإِنْ لُوحِظَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْوُضُوءُ كَانَ الِامْتِثَالُ مُتَعَلِّقًا بِهِ، وَإِنْ لُوحِظَ النِّيَّةُ كَانَ الِامْتِثَالُ مُتَعَلِّقًا بِهَا، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَوْلُهُ: قَاصِدًا بِهِ أَيْ بِعَمَلِ الْوُضُوءِ أَيْ فَلَاحَظَ عَمَلَ الْوُضُوءِ، فَالِامْتِثَالُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ لَا بِالنِّيَّةِ، فَقَوْلُهُ: مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ وُجُوبِ النِّيَّةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ وُجُوبِ النِّيَّةِ لَا يَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ النِّيَّةِ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ إنَّمَا الْمَأْمُورُ بِهِ النِّيَّةُ لَا وُجُوبُهَا إلَّا أَنَّ هَذَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ النِّيَّةِ الْوَاجِبَةِ بِالْأَمْرِ [قَوْلُهُ: يَرْجُو] أَيْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا فِي عج.

ثُمَّ أَقُولُ: وَفِي الْكَلَامِ بَحْثٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ رَجَاءُ التَّقَبُّلِ وَالثَّوَابِ وَالتَّطْهِيرِ مِنْ الذُّنُوبِ مَطْلُوبًا مُقَارَنَتُهُ لِقَصْدِ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ مَعَ أَنَّهُ يُضَعِّفُ الثَّوَابَ؟ فَإِنْ قُلْت: الطَّلَبُ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الرِّيَاءِ قُلْت: الرِّيَاءُ مُنْدَفِعٌ بِقَصْدِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ يَطْمَعُ إلَخْ] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّجَاءَ تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِمَطْمُوعٍ يَحْصُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعَ الْأَخْذِ فِي عَمَلٍ مُحَصِّلٍ لَهُ، فَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ الْعَمَلِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ طَمَعٌ وَهُوَ مَذْمُومٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ الشَّارِحِ تَفْسِيرُ الرَّجَاءِ بِالطَّمَعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ طَمَعًا عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ، أَيْ مُصَاحِبًا لِلْأَخْذِ فِي الْأَسْبَابِ فَلَمْ يُرِدْ مُطْلَقَ الطَّمَعِ.

[قَوْلُهُ: تَقَبُّلَهُ] ضَمِيرُهُ إمَّا رَاجِعٌ لِلَّهِ أَوْ لِلْوُضُوءِ، فَالْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْفَاعِلِ، وَالثَّانِي مِنْ إضَافَتِهِ لِلْمَفْعُولِ كَمَا أَفَادَهُ تت [قَوْلُهُ: وَثَوَابُهُ إلَخْ] لَمَّا كَانَ الثَّوَابُ وَالتَّطْهِيرُ مِنْ الذُّنُوبِ مُتَفَرِّعَيْنِ عَلَى الْقَبُولِ أَخَّرَهُمَا.

وَالْأَنْسَبُ أَنْ يُقَدِّمَ التَّطْهِيرَ عَلَى الثَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ التَّخْلِيَةِ عَلَى التَّحْلِيَةِ، فَيُرَادُ مِنْ الثَّوَابِ إعْطَاءُ مَرَاتِبَ فِي الْجَنَّةِ، بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقُولَ: وَإِثَابَتُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الرَّجَاءُ مِنْ الْمَوْلَى فِعْلُهُ الِاخْتِيَارِيُّ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَتَطْهِيرُهُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ.

[قَوْلُهُ: لِمَا فِي مُسْلِمٍ إلَخْ] دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ: يَرْجُو وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّطْهِيرَ مِنْ الذُّنُوبِ وَإِنْ كَانَ حَاصِلًا مِنْ الْمَوْلَى تَفَضُّلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا لَا يُنْتِجُ كَوْنَ الْإِنْسَانِ يَتَرَجَّاهُ مِنْ اللَّهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مَرْتَبَةٌ أَدْنَى الْمَرَاتِبِ، فَالْكُمَّلُ الْقَاصِدُونَ الْمَرْتَبَةَ الْعُلْيَا هَذَا الْقَدْرُ ثَابِتٌ لَهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ غَيْرَ قَاصِدِينَ لَهُ لِكَوْنِهِ مَرْتَبَةً دَنِيئَةً، وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَيْسَ دَلِيلًا لِجَمِيعِ أَطْرَافِ الْمَرْجُوِّ إنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ لِلطَّرَفِ الْأَخِيرِ الَّذِي هُوَ التَّطْهِيرُ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: إذَا تَوَضَّأَ] أَيْ أَرَادَ الْوُضُوءَ [قَوْلُهُ: الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ] قَالَ الْبَاجِيُّ: شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي عَلَى الظَّاهِرِ.

قَالَ غَيْرُهُ: وَفِيهِ تَحَرِّي الْمَسْمُوعِ، وَإِلَّا فَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَنْبِيهًا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى التَّرَادُفِ فَإِنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ مُتَرَادِفَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>