للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلْمُوَفَّقِ وَغَيْرِهِ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ خَصَّهَا بِالْمُوَفَّقِ؟ قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُوَفَّقَ لَمَّا انْتَفَعَ بِالْهِدَايَةِ دُونَ الضَّالِّ صَارَتْ فِي حَقِّ الضَّالِّ كَالْعَدَمِ.

(وَيَسَّرَ) أَيْ هَيَّأَ (الْمُؤْمِنِينَ لِلْيُسْرَى) أَيْ لِلطَّاعَةِ، وَقِيلَ مَعْنَى يَسَّرَ هَوَّنَ عَلَيْهِمْ فِعْلَ الطَّاعَةِ بِأَنْ جَعَلَهَا فِيهِمْ مَجْبُولَةً لَهُمْ حَتَّى تَكُونَ عَلَيْهِمْ أَهْوَنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّمَا قَالَ: الْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذِكْرِ الْإِيمَانِ عِنْدَ إرَادَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ (وَشَرَحَ) بِمَعْنَى فَتَحَ وَوَسَّعَ (صُدُورَهُمْ) أَيْ قُلُوبَ

ــ

[حاشية العدوي]

كَمُقَابَلَةِ الْإِنْعَامِ بِدِينَارٍ بِالْإِنْعَامِ بِدِرْهَمٍ.

وَفِي الْمَقَامِ كَلَامٌ آخَرُ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَلْبِهِ [قَوْلُهُ: فَلِأَيِّ شَيْءٍ إلَخْ] هَذَا بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْهِدَايَةَ بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ، وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِالْهِدَايَةِ الْوُصُولُ بِالْفِعْلِ فَلَا يَرِدُ ذَلِكَ السُّؤَالُ وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْوِجُ إلَى سُؤَالٍ مَعَ مُنَاسَبَتِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَأَضَلَّ مَنْ خَذَلَهُ بِعَدْلِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى أَضَلَّ خَلَقَ قُدْرَةَ الْمَعْصِيَةِ فِي قَلْبِ مَنْ أَرَادَ خِذْلَانَهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ عج: وَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِعَدَمِ بَيَانِ طَرِيقِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ إذْ مَنْ يَبِينُ لَهُ طَرِيقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لَيْسَ بِمَخْذُولٍ. .

. [قَوْلُهُ: أَيْ هَيَّأَ إلَخْ] مِنْ هَيَّأَ الْفَرَسَ لِلرُّكُوبِ إذَا أَلْجَمَهَا كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: الْمُؤْمِنِينَ] أَيْ الْكَامِلِينَ فِي الْإِيمَانِ لِقَوْلِهِ: بَعْدُ فَآمَنُوا إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَعْنَى يَسَّرَ هَوَّنَ إلَخْ] قَالَ عج: إنَّ هَذَا أَخَصُّ مِنْ الْأَوَّلِ إذْ قَدْ يُهَيَّأُ لِلشَّخْصِ فِعْلُ الطَّاعَةِ مَعَ عُسْرِهَا عَلَيْهِ اهـ.

وَالظَّاهِرُ لِي أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ التَّيْسِيرَ بِمَعْنَى التَّهْيِئَةِ بِمَعْنَى رَغْبَتِهِمْ فِي الطَّاعَةِ بِحَيْثُ يَرَوْنَهَا سَهْلَةً عَلَيْهِمْ. [قَوْلُهُ: فِيهِمْ] أَيْ ثَابِتَةً فِيهِمْ، وَقَوْلُهُ: مَجْبُولَةً لَهُمْ أَيْ وَمَجْبُولَةً لَهُمْ إذْ حَرْفُ الْعَطْفِ يَجُوزُ حَذْفُهُ اخْتِيَارًا عَلَى التَّحْقِيقِ أَوْ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي جَعَلَهَا أَوْ الضَّمِيرِ فِيهِمْ أَيْ مَطْبُوعَةٌ وَمَغْرُوزَةٌ فِيهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى الْقَلْبِ أَيْ جَعَلَهُمْ مَجْبُولِينَ عَلَيْهَا أَيْ مَطْبُوعِينَ عَلَيْهَا.

قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: جَبَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كَذَا مِنْ بَابِ قَتَلَ فَطَرَهُ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: حَتَّى تَكُونَ إلَخْ] حَتَّى تَعْلِيلِيَّةٌ فَمَدْخُولُهَا عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ إرَادَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ] أَيْ إذَا أَرَادُوا أَنْ يُفَرِّقُوا أَيْ يُمَيِّزُوا بِالتَّعْرِيفِ بَيْنَ الْخَصْلَةِ الْحَمِيدَةِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْإِنْسَانُ نَاجِيًا وَالْخَصْلَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْإِنْسَانُ كَافِرًا يُعَبِّرُونَ عَنْ الْخَصْلَةِ الْحَمِيدَةِ بِالْإِيمَانِ دُونَ الْإِسْلَامِ فَلِذَلِكَ آثَرَ الْمُصَنِّفُ التَّعْبِيرَ بِالْمُؤْمِنِينَ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا كَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ فَرْقٍ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ بِذِكْرِ الْإِيمَانِ أَيْ يَذْكُرُ هَذِهِ الْمَادَّةَ فِي ضِمْنِ التَّعْبِيرِ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ إرَادَةِ الْفَرْقِ بَيْنِ ذِي الْإِيمَانِ وَذِي الْكُفْرِ بِذِكْرِ أَوْصَافِ هَذَا وَأَوْصَافِ هَذَا، أَيْ إذَا أَرَادُوا أَنْ يَذْكُرُوا أَوْصَافَ هَذَا وَأَوْصَافَ هَذَا يُعَبِّرُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ بِالنَّظَرِ لِعِبَارَتِهِ.

وَأَمَّا تت فَقَدْ عَبَّرَ بِأَمْرٍ وَاضِحٍ لَا يَحْتَاجُ لِتَكَلُّفٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَعَبَّرَ بِالْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذِكْرِ الْإِيمَانِ لِلْمُقَابَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفْرِ اهـ.

[قَوْلُهُ: بِمَعْنَى فَتَحَ وَوَسَّعَ] كَذَا فِي الْقَامُوسِ إلَّا أَنَّهُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي مَجَازِهِ وَهُوَ تَهَيُّؤُ الْقُلُوبِ لِلْإِيمَانِ. [قَوْلُهُ: أَيْ قُلُوبَ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصُّدُورَ مَجَازٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الصَّدْرُ عَلَى الْحَالِّ وَهُوَ الْقَلْبُ، وَأَرَادَ بِالْقَلْبِ الْعَقْلَ، إذْ هُوَ أَيْ الْقَلْبُ قَدْ يُطْلَقُ كَمَا فِي الشَّارِحِ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ وَيُرَادُ بِهِ الْعَقْلُ، كَمَا يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ اللَّحْمَةُ الصَّنَوْبَرِيَّةُ وَذَكَرَهُ تت بِقَوْلِهِ: وَالْقُلُوبُ جَمْعُ قَلْبٍ وَيَقَعُ عَلَى اللَّحْمَةِ الصَّنَوْبَرِيَّةِ وَعَلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِهَا وَهُوَ الْعَقْلُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ مَحَلُّهُ، وَسُمِّيَ قَلْبًا لِتَقَلُّبِهِ بَيْنَ الْخَوَاطِرِ الْوَارِدَةِ عَلَيْهِ اهـ. وَالصَّنَوْبَرِيَّة بِفَتْحِ الصَّادِ كَمَا هُوَ مَضْبُوطٌ بِالْقَلَمِ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الصِّحَاحِ مُعْتَمَدَةُ الضَّبْطِ.

وَقَوْلُهُ: الْمُؤْمِنِينَ أَيْ الْكَامِلِينَ فِي الْإِيمَانِ أَيْ مَنْ يَئُولُ أَمْرُهُمْ إلَى الْإِيمَانِ الْكَامِلِ، هَيَّأَ قُلُوبَهُمْ لِذَلِكَ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ وَحَمَلْنَا الْإِيمَانَ عَلَى الْكَامِلِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: فَآمَنُوا إلَخْ فَفِي الْعِبَارَةِ مَجَازُ الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَتِهِ أَيْ أَنَّ الْمُتَّصِفِينَ بِأَصْلِ الْإِيمَانِ وَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَكْمُلُ إيمَانُهُمْ هَيَّأَ قُلُوبَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>